إيلاف من جنيف: يزخر ميثاق الأمم المتحدة بالسمات العالمية. وفي عملية التفاوض بشأن صياغة الميثاق قام الصراع بين المواقف العالمية والمواقف الاقليمية بدور بارز. وفي مؤتمر سان فرانسيسكو أُدخلت تعديلات مهمة لصالح النزعة الاقليمية بإصرار من الدول الاميركية اللاتينية والعربية. 

وفي الحقيقة ان هذه الدول تحديداً استطاعت ان تُضيف حق الدفاع المنفرد والمشترك عن النفس. كما يمكن ان نرى هذه المقاربة الاقليمية في لجنة الأركان العسكرية للأمم المتحدة حين يجيز الميثاق تشكيل لجان فرعية اقليمية بعد التشاور مع الهيئات الاقليمية ذات العلاقة. 

وفي انتخاب قضاة محكمة العدل الدولية يجب ضمان تمثيل الأشكال الرئيسية للحضارات والأنظمة القانونية الأساسية في العالم بموجب الميثاق. واخيرا فان لجنة القانون الدولي ملزمة بأن تعكس اشكال الحضارة الرئيسية والأنظمة القانونية الأساسية في العالم. 

نالت مسألة العلاقة بين المؤسسات الاقليمية والدولية اقصى درجات الاهتمام في مضمار السلام والأمن. وفي هذا السياق تعتمد أجندة الأمين العام للسلام عام 1992 توصيفا واسعاً ومرناً للترتيبات والهيئات الاقليمية بما في ذلك المنظمات الاقليمية. ولكن حين يتعلق الامر بالعمل التنفيذي يكون دور المؤسسات الاقليمية محدوداً جداً. وبالتالي يمكن ان تنهض مؤسسات اقليمية بالعمل التنفيذي دون تفويض من مجلس الأمن. 

ورغم هذه المقاربة الاقليمية المهمة فان من السمات العالمية البارزة للميثاق سيادة هذه الوثيقة الدولية على أي اتفاقية دولية أخرى. كما ان مشاركة المجتمع الدولي كله تقريباً في المنظمة يجعل الأمم المتحدة كياناً عالمياً شاملا ويكسبها شرعيتها. 

ولكن الممارسة اللاحقة في اطار الأمم المتحدة أضفت على النزعة الاقليمية ثقلا أكبر بكثير مما يوحي به نص الميثاق. وهذه العودة الى الاقليمية هي نتيجة عدد من العوامل مثل ظهور التضامن الجماعي بقوة بين دول اعضاء للوصول الى الموارد أو تحقيق القوة أو التمثيل من خلال مؤسسات عالمية. 

من الواضح ان للاقليمية في اطار الأمم المتحدة بعض التأثيرات المفيدة. فالتجمعات السياسية يمكن ان تقوم بدور مهم ونافع في اي عملية ديمقراطية لصنع القرار. يضاف الى ذلك ان توزيع المقاعد اقليمياً في الهيئات السياسية يمكن ان يحدَّ من النزاعات المحتملة. ويكون تمثيل ثقافات قانونية مختلفة عنصراً ثميناً. 

وفي حين ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 أُقر على أساس مفهوم عالمي لحقوق الانسان فان النقاشات اللاحقة في اطار الأمم المتحدة ركزت على اولوية الأنواع المختلفة لحقوق الانسان وكونها مناسبة لثقافات واقتصادات واقاليم مختلفة. وأدى هذا النقاش الى تقسيم حقوق الانسان الى فرعين في اعتماد عهدي الأمم المتحدة لعام 1966، احدهما يتعامل مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والآخر مع الحقوق المدنية والسياسية. 

ولكن الوحدة الأساسية لحقوق الانسان بوصفها مجموعة معايير سادت على النسبية الثقافية والتشظي الاقليمي. ورغم بعض المعارضة فان اعلان فيينا لحقوق الانسان عام 1993 يؤكد مجددا الطابع العالمي لجميع حقوق الانسان على النحو الآتي: 

"جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة. ويجب على المجتمع الدولي أن يعامل حقوق الإنسان على نحو شامل وبطريقة منصفة ومتكافئة، وعلى قدم المساواة، وبنفس القدر من التشديد. وفي حين أنه يجب أن توضع في الاعتبار أهمية الخصوصيات الوطنية والإقليمية والأصول التاريخية والثقافية والدينية المختلفة، فإن من واجب الدول، بصرف النظر عن نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية، تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية" (الفقرة 5). 

وعلى هذا النهج اصدرت الجمعية العامة في عام 2012 القرار 66/151 الذي تؤكد مجدداً به "ان جميع حقوق الانسان عالمية، غير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة تعزز بعضها البعض وان جميع حقوق الانسان المدنية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية يجب ان تُعامل معاملة منصفة ومتساوية على قدم المساواة وبالقدر نفسه من التشديد" (الفقرة 1)، و"تؤكد ان الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الانسان والحريات الأساسية مترابطة وتعزز بعضها بعضاً" (الفقرة 3) و"تشجع الدول على ان تأخذ في الاعتبار الطبيعة العالمية غير القابلة للتجزئة والمترابطة والمتشابكة والتي تعزز بعضها بعضاً لجميع حقوق الانسان لدى دمج تعزيز وحماية جميع حقوق الانسان في السياسة الوطنية ذات الصلة ولدى تعزيز التعاون في مجال حقوق الانسان مع التذكير بأن المسؤولية الأساسية عن تعزيز وحماية حقوق الانسان تقع على عاتق الدول" (الفقرة 7). 

في ضوء المقاربة الاقليمية القائمة إزاء حقوق الانسان اصدرت الجمعية العامة في عام 2009 قراراً بعنوان "الصيغة الاقليمية لتعزيز وحماية حقوق الانسان" ترحب فيه باستمرار تعاون ومساعدة مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان في مواصلة تدعيم التدابير الاقليمية القائمة والآلية الاقليمية السارية لتعزيز وحماية حقوق الانسان، لا سيما من خلال التعاون التقني الهادف الى بناء القدرات الوطنية والمعلومات العامة والتعليم لغرض تبادل المعلومات والخبرات في مضمار حقوق الانسان. 

وعملا بقرار مجلس حقوق الانسان رقم 30/3 الصادر في 9 اكتوبر 2015 عقد مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان في جنيف الورشة الدولية الخامسة للتدابير الاقليمية من اجل تعزيز وحماية حقوق الانسان من 4 الى 5 اكتوبر 2016. واعقب ذلك اجتماع لبحث النقاط الرئيسية من اجل التعاون في 6 اكتوبر 2016. 

وبُحثت مقترحات ملموسة للتفاعل بين الأمم المتحدة وآليات حقوق الانسان الاقليمية والمجتمع المدني ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان على اساس خبرات عملية في حلقات النقاش المتخصصة التالية: الجوانب الاجرائية للتعاون، والتعاون بشأن تعزيز حقوق المرأة وحقوق الأقليات واللاجئين والمهاجرين والمهجرين والأطفال والأشخاص المصابين بالمهق والأشخاص المعاقين، والتحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني على المستوى الوطني، وحرية التجمع والتنظيم. 

ونظم مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان استشارات اقليمية قبل الورشة لاجراء نقاشات في العمق مع منظمات المجتمع المدني والدفاع عن حقوق الانسان في المناطق ذات العلاقة. 

وفي هذا الشأن عُقدت اربعة اجتماعات اقليمية في الاميركيتين وافريقيا وآسيا واوروبا. وفي ابريل 2016 اجرى مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان ولجنة الدول الاميركية ومحكمة حقوق الانسان مشاورات مع عدد من منظمات المجتمع المدني في واشنطن تركزت على التعاون مع منظمات المجتمع المدني والدفاع عن حقوق الانسان. وفي 8 يوليو 2016 عقد مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان والاتحاد الأفريقي ندوة في كيغالي حول التعاون مع منظمات المجتمع المدني والدفاع عن حقوق الانسان ومنظمات نسائية في اطار حلقة نقاش الاتحاد الأفريقي عالية المستوى حول المساواة بين الجنسين. 

وفي 29 اغسطس 2016 نظم مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان والمنظمة غير الحكومية للعدالة والحقوق الآسيوية مشاورات مع محامين وممثلين عن المجتمع المدني في بالي. وفي 21 سبتمبر 2016 شارك مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان والمجلس الاوروبي في تنظيم مشاورات اقليمية اوروبية في وارسو في اطار الاجتماع حول "بُعد حقوق الانسان في منظمة الأمن والتعاون الاوروبي". 

في 23 يناير 2015 اصدرت الجمعية العامة القرار 69/176 حول تعزيز السلام بوصفه من المستلزمات الحيوية لتمتع الجميع تمتعاً كاملا بحقوق الانسان، الذي أكد به "ان على جميع الدول ان تشجع اقامة وصيانة وتعزيز السلام والأمن في العالم وبناء منظومة دولية على اساس احترام المبادئ التي ينص عليها الميثاق وتعزيز جميع حقوق الانسان والحريات الأساسية، بما في ذلك الحق في التنمية وحق الشعوب في تقرير المصير" (الفقرة 6) و"تؤكد مجدداً واجب جميع الدول، بموجب مبادئ الميثاق، في استخدام الوسائل السلمية لتسوية أي نزاع تكون طرفاً فيه ومن المرجح ان يهدد استمراره الحفاظ على السلام والأمن الدولي، بوصفه من المستلزمات الحيوية لتعزيز وحماية جميع حقوق الانسان لكل فرد ولسائر الشعوب" (الفقرة 7). 

قبل 70 عاماً اقام ميثاق الأمم المتحدة الأركان التأسيسية الثلاثة للأمم المتحدة: السلام والأمن وحقوق الانسان والتنمية. ومنذ عام 1945 وفرت هذه الأركان الإطار لتعاطي الأمم المتحدة مع تحديات مهمة. ونحن لا نستطيع ان ننتقي ونختار الركن الذي يجب ان تسنده الأمم المتحدة ولا يمكن ان نركز على ركن واحد على حساب الركنين الآخرين. فان ذلك يعني تجاهل دروس السنوات السبعين الماضية واشعال نزاعات لاحقة.