الرباط: يبدو أن البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية متصدر المشهد السياسي في المغرب، هذه الايام، ليس في أحسن أحواله، فمنذ إعفاء أمينه العام عبد الإله ابن كيران، من مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، وتعيين سعد الدين العثماني خلفا له، وحتى بعد تنصيب الحكومة الجديدة، وإعلان الحزب دعمه للحكومة في غرفتي البرلمان المغربي، ما زالت الخلافات تظهر بين قيادات الحزب، ذي المرجعية الإسلامية، بلغت حد التخوين والاتهام بالتدليس والكذب، الأمر الذي يعني أن ما يجري ليس عاديا.

فبعد الظهور الإعلامي الأول لرئيس الحكومة الجديد على إحدى القنوات التلفزيونية العمومية "ميدي 1 تي في " ليلة السبت، شن عدد من أعضاء الحزب وقياداته هجوما حادا على سعد الدين العثماني، بسبب حديثه عن طريقة تشكيل غالبيته الحكومية وطريقة دخول الاتحاد الاشتراكي لها، معلنا أن الأمر تم بموافقة الأمانة العامة للحزب، غير أن عبد العلي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، كان له رأي آخر في الموضوع حيث اتهم العثماني بممارسة "التدليس والتضليل".

وقال حامي الدين، في تدوينة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، "اجتزاء الوقائع عن سياقاتها، واستحضار معطيات وإخفاء أخرى في محاولة مكشوفة لتحويل التنازلات إلى انتصارات هو نوع من التدليس الذي يؤدي إلى التضليل"، وذلك في انتقاد واضح لما جاء على لسان رئيس الحكومة في المقابلة التلفزيونية . 

وأضاف القيادي الشاب في حزب رئيس الحكومة "تقدير المضطر الذي يوضع بعد فوات الأوان أمام الأمر الواقع ويقبل به، لا يعني أنه اتخذ القرار أو ساهم فيه"، وزاد موضحا "من باب الشهادة أمام الله، ورفعا لأي التباس بأن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية لم تتخذ قرارا بإدخال الاتحاد الاشتراكي، ولو اتخذت قرارا واضحا لأصدرت فيه بيانا واضحا بكل شجاعة، كما اعتادت على ذلك".

ومضى قائلا "الأمانة العامة وضعت أمام الأمر الواقع، ووضعت أمام معطيات لم تكن على علم بها أثناء اجتماع المجلس الوطني...

والحقيقة أنه تم فرض الاتحاد الاشتراكي على الدكتور العثماني وقبل هو هذا الشرط، ونقل إلى الأمانة العامة ما مفاده أن "الحكومة إما أن تكون بالاتحاد الاشتراكي أو لا تكون"، مسجلا أنه مع ذلك "افترقت الأمانة العامة وهي تمني نفسها على إمكانية نجاح الدكتور العثماني في مفاوضاته واحترام مضامين بيان 16 مارس الذي على أساسه تفاعلت الأمانة العامة بشكل إيجابي مع البلاغ الملكي"، كما دعا ل"صياغة الرواية الحقيقية دون زيادة أو نقصان مع تحري الصدق، فإن الدنيا فانية ولا يصح إلا الصحيح"، وهو ما يمثل شبه تكذيب من حامي الدين للعثماني.

انتقادات حامي الدين ومعه عدد من القيادات والقواعد، لخروج العثماني الأول في قناة عمومية لمخاطبة الجمهور، كان لابد أن يرد عليه أحد من المقربين منه، والذي لم يكن غير محمد يتيم، وزير التشغيل في الحكومة الجديدة وأحد أعضاء لجنة التفاوض التي رافقت العثماني في المشاورات، حيث وصف التعليقات المنتقدة للعثماني ب"المتحاملة أو التي كذبت ما جاء في تصريحاته وحاولت التنقيص من مشاركته واللمز فيها"، معتبرا أن "مشاركته كانت مشاركة جد موفقة وأن كل ما جاء فيها من معطيات بخصوص مشاورات تشكيل الحكومة صحيح ودقيق ومن قال غير ذلك إما أنه ليس عضوا في الأمانة العامة أو لم يحضر النقاش من أوله إلى آخره إن كان عضوا فيها".

وأفاد يتيم في تدوينة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك":"فعلا لا مجال لمقارنة العثماني بالأستاذ ابن كيران لأن لكل واحد منهما شخصيته وأسلوبه ونقاط قوته وخيريته، وليس مطلوبا من أي منهما أن يكون نسخة طبق الآخر ولكل منهما خيريته وبلاؤه"، وهو ما يمثل دفاعا من يتيم عن العثماني الذي اعتبر الكثير من قواعد الحزب أن حضوره كان "ضعيفا في البرنامج ولم يرق لمستوى قوة ابن كيران".

 وأضاف وزير التشغيل "أنصح الاخوة جميعا للانصراف للعمل وترك الجدل وترك التنابز واعلم أن كل من ينتقد تدبير تفاوض الدكتور العثماني ومن معه من أعضاء الحزب أو بعض أعضاء الامانة العامة على قلتهم أو من بين أعضاء المجلس الوطني يفعلون ذلك بغيرة على الحزب، ومن حقهم أن يقوموا بذلك لأننا كما قال الدكتور العثماني لسنا حزبا ستالينيا"، واسترسل قائلا "ما داموا يفعلون ذلك في نطاق الاحترام المتبادل وعدم التشكيك في النوايا أو استخدام العبارات المسيئة، فإن ذلك سيقوي الحزب ولن يضعفه".

ويرى مراقبون أن الخلافات التي تعتمل داخل حزب العدالة والتنمية بعد التنازلات التي بصم عليها مقابل إخراج حكومة العثماني الجديدة إلى الوجود، وإعلان نهاية مرحلة ابن كيران، مرشحة لمزيد من التصعيد والاستمرار مادامت الهيئات المعنية بإيقاف هذا الانقسام لم تجتمع أو تصدر بيانا مفصلا في الموضوع ينهي الخلافات، حيث إن الأمانة العامة للحزب ولا المجلس الوطني لم يعقدا رغم حالة الغليان التي يعيش على إيقاعها الحزب وقواعده.