تجتمع الدول المئة والست والتسعون الموقعة على اتفاق باريس حول المناخ اعتبارًا من الإثنين في بون للتفاوض حول تطبيق ما اتفق عليه، في حين لا تزال الولايات المتحدة تهدد بالانسحاب منه.

إيلاف - متابعة: وبعد ستة أشهر على انتخاب رئيس أميركي يشكك بواقع التغير المناخي، تباشر وفود مئة وست وتسعين دولة مناقشات لتطبيق اتفاق باريس حول المناخ.

قال دافيد ليفاي الباحث في معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية "يجب البدء في توضيح الجانب التطبيقي لترتيبات اتفاق باريس". وأضاف أن الاجتماع سيكون مناسبة أيضًا لمعرفة إن "كانت دينامية التوصل إلى تسويات لا تزال قائمة".

في نهاية العام 2015، توصل 195 بلدًا والاتحاد الأوروبي في باريس إلى اتفاق لمكافحة التغير المناخي ينص خصوصًا على إحداث انتقال جذري من مصادر الطاقة الأحفورية (فحم ونفط وغاز). وقد انضمت السلطة الفلسطينية بعد ذلك إلى الاتفاق.

صورة غامضة
خلال مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين حول المناخ، الذي انعقد في مراكش في نوفمبر الماضي، كان المفاوضون تحت وقع صدمة انتخاب دونالد ترامب، المشكك بواقع التغير المناخي، رئيسًا للولايات المتحدة. إلا انهم أبدوا تضامنهم وعزمهم على مواصلة الجهود.

منذ ذلك الاجتماع توجه الإدارة الأميركية إشارات متناقضة حول إمكانية خروجها من اتفاق باريس، فيما شرعت في التخلي عن الأنظمة التي أرساها باراك أوباما حول المناخ.

وينبغي على البيت الأبيض الآن أن يفصح عن نواياه في هذا الإطار بحلول نهاية مايو. وتؤكد لورانس توبيانا المفاوضة الفرنسية السابقة والمديرة العامة لمؤسسة "يوروبيان كلايمت" أن قمة العشرين المقبلة المقررة في مطلع يوليو في ألمانيا تشكل أيضًا محطة لمعرفة إن كان المناخ لا يزال من أولويات الدول الكبرى. وتساهم الدول الأعضاء في مجموعة العشرين في حوالى ثلاثة أرباع انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة في العالم.

تقنيات وإيضاحات
وقال وزير البيئة في المالديف طارق إبراهيم باسم الدول - الجزر الصغيرة، إن اجتماع بون، الذي يستمر من الثامن من مايو إلى الثامن عشر منه "يفترض به أن يتناول الجوانب التقنية وتوفير توضيحات على اتفاق باريس (..) إلا أن التكهنات حول موقف واشنطن بات الآن في أعلى سلم اهتماماتنا".

فإلى جانب عزمه على دعم استغلال مصادر الطاقة الأحفورية، ينوي دونالد ترامب التوقف عن المساهمة في الصندوق الأخضر وفي تمويل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، التي تشرف على المفاوضات، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

أضاف إبراهيم في بيان نشر عشية اجتماعات بون إن "هذا الاتفاق الدولي هو الأمل الأخير لبقاء الدول-الجزر الصغيرة" المهددة بالغرق من ارتفاع منسوب البحار. ويعكس بيانه القلق الشديد لأكثر الدول تأثرًا بالتغير المناخي والذي تعزز مع وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، مع عزمه المعلن على عدم مكافحة الاحترار المناخي الذي تتسارع وتيرته بشكل غير مسبوق.

معوقات روسية
وتواجه الدول الساحلية والجزر الصغيرة التي لا يمكنها التراجع عن الشاطئ، خطرًا كبيرًا بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر الناجم من التغير المناخي &(تمدد المياه وذوبان الغطاء الجليدي في القطبين والمثلجات في الجبال). إلا أن طارق إبراهيم شدد أيضًا على مواصلة التعبئة السياسية رغم انتخاب دونالد ترامب خلال انعقاد مؤتمر الأطراف الأخير حول المناخ في مراكش.

وقال "منذ المؤتمر الثاني والعشرين للأطراف في نوفمبر صادقت 44 دولة على الاتفاق" ما يرفع العدد الإجمالي للبلدان التي أقدمت على هذه الخطوة إلى 144، وهي تمثل 83% من الانبعاثات العالمية للغازات المسببة لمفعول الدفيئة. وصادقت على الاتفاق 196 دولة فضلًا عن الاتحاد الأوروبي.

ومن الدول الكبرى المسببة للتلوث في العالم، وحدها روسيا (الخامسة بعد الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند) لم تصادق على نص الاتفاق، مع أنها وافقت عليه في باريس. ومن غير المرجح أن تقدم على ذلك في عهد الرئيس فلاديمير بوتين الذي أعلن في نهاية مارس أنه "من المستحيل" منع الاحترار المناخي المرتبط خصوصًا برأيه بـ"دورات شاملة للأرض".

زعامة مشتتة
ورغم الإشارات السلبية الصادرة من الإدارة الأميركية، يرى البعض أن المفاوضات قد تسجل تقدمًا. وتؤكد لورانس توبيانا "ساعدتنا الولايات المتحدة في ظل إدارة باراك أوباما كثيرًا على بناء اتفاق باريس، إلا أن مستقبل الكوكب لا يقع فقط على عاتقها"، مضيفة أن "الدول الناشئة تنظر إلى ما يجري في الولايات المتحدة، وتحلل كذلك منافع عملية الانتقال في مجال الطاقة، بالاستناد إلى عناصر أخرى"، مثل قدرة شركاتها على المنافسة والموارد الطبيعية ونوعية الهواء. ومن هذه الدول خصوصًا الصين والهند، وهما في المرتبة الأولى والرابعة على التوالي من حيث حجم التلويث العالمي.

وترى بولا كابايرو من مؤسسة "ورلد ريسورسيز إنستيتوت"، ومقرها في واشنطن، أن الأمر "يخلف وضعًا صعبًا. فاليوم الزعامة مشتتة جدًا (في التحرك المناخي)".

الصين والهند
في المقابل جددت الصين والهند التزاماتهما مكافحة تلوث الأجواء وخفض الفاتورة النفطية. وأوضح ألدن ميير الخبير لدى "يونيون أوف كونسيرند ساينتيستس"، أن "الصين تخضع لضغوط كبيرة على الصعيد الداخلي لخفض تلوث الأجواء العائد إلى استخدام الفحم والوقود الأحفوري ولديها اهتمام إستراتيجي لتتزعم أسواق مصادر الطاقة المتجددة".

وأضاف "نيودلهي أيضًا ترى منافع جمة لتطوير مصادر الطاقة المتجددة"، لا سيما على صعيد نوعية الهواء وخفض واردات النفط.&وشددت لورانس توبيانا المفاوضة الفرنسية السابقة والمديرة العامة لمؤسسة "يوروبيان كلايمت" على أن "الانتقال إلى اقتصاد يعتمد على نسبة متدنية من الكربون يشق طريقه أينما كان في العالم". وذكرت خصوصًا الهند التي "تطمح إلى اعتماد السيارات الكهربائية بنسبة 100 % في العام 2030".

عام لإعداد حصيلة
من الأسئلة التي سيجيب عنها المجتمعون في بون ما يتعلق بالمعلومات التي ستُلزم الدول بنشرها بشأن سياستها المناخية، وما هي المشاريع التي تدخل في إطار احتساب التمويلات المناخية، وما الشكل الذي ينبغي أن تتخذه الحصيلة العالمية لتحركات الدول، والتي ينبغي أن تصدر في العام 2023.

حددت الدول لنفسها مهلة حتى مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين في بولندا العام 2018 لصياغة دليل لقواعد اتفاق باريس. وحتى حلول ذلك التاريخ، عليها أن تقرر كيفية إعداد حصيلة تمهيدية في العام 2018 على أساس تطوعي. وتمنت باتريسيا إسبينوزا المسؤولة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الجمعة أن "يسمح هذا الاجتماع للحكومات بالتقدم بوضوح حول القواعد اللازمة لتطبيق اتفاق باريس بالكامل".

وأشارت لورانس توبيانا إلى أن اجتماع "بون لن يكون محطة لاتخاذ القرارات، بل لإقامة حوار ضروري جدًا لتحضير اجتماع الأطراف الثالث والعشرين". وسترأس فيدجي في نوفمبر 2017 اجتماع الأطراف هذا الذي سيعقد لأسباب لوجيستية في بون مقر اتفاقية المناخ.

وينص اتفاق باريس الذي تم التوصل إليه في نهاية العام 2015 على حصر الاحترار المناخي بدرجتين مئويتين فقط مقارنة بما كانت عليه الحرارة قبل الحقبة الصناعية.