أظهرت إحصائيات جديدة للشرطة الجزائرية جسامة العنف الذي يتعرّض له الأطفال، فقد وقع أكثر من 1900 طفل ضحية لمختلف أنواع العنف خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2017 فقط، كما تورّط أكثر من ألفي طفل آخرين في جرائم يعاقب عليها القانون خلال الفترة نفسها.

إيلاف من الجزائر: قدمت هذه الأرقام في أشغال منتدى الأمن الوطني الجزائري، عشية الاحتفال باليوم العالمي للطفولة، المصادف في الأول من يونيو من كل عام.

أرقام مرعبة
وقالت مديرة المعهد الوطني للشرطة الجنائية، عميد أول للشرطة، خيرة مسعودان، إن الشرطة الجزائرية سجلت وقوع "1961 طفلاً ضحية الاعتداءات الجسدية والجنسية خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2017، بينهم 1173 طفلاً وقعوا ضحية الضرب والجرح العمدي، و600 طفل ضحية الاعتداءات الجنسية، و173 طفلاً ضحية سوء معاملة، و9 حالات أطفال ضحية القتل العمدي، و4 حالات اختطاف، وحالتان كضحايا للضرب والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة". 

وسجلت الشرطة الجزائرية في العام الماضي وقوع 6193 طفلاً ضحية لمختلف أنواع العنف. ورغم تجريم القانون الجزائري الاعتداء على الأطفال، وتنظيم السلطات حملات توعوية للفت الانتباه حول هذه الظاهرة، إلا أن المجتمع الجزائري لا يزال يسجل هذه الآفة حتى في المدارس ومختلف المؤسسات التربوية.

توضح الكاتبة الصحافية المهتمة بقضايا الأسرة سهام حواس لـ"إيلاف"، أن "العنف ضد الأطفال ظاهرة بدأت في البروز في السنوات الأخيرة بشكل ملفت في الجزائر، بتسجيل حالات للقتل والاختطاف والاغتصاب، وإن كانت حوادث معزولة، إلا أن تكرارها في الكثير من مناطق الوطن جعل منها ظاهرة مخيفة، باتت تؤرّق المجتمع الجزائري، الذي طالب بإقرار أقسى العقوبات في حق مرتكبي جرائم العنف ضد الأطفال".

وقالت حواس لـ"إيلاف" إن "الأرقام المعلن عنها سنويًا بعيدة جدًا عن الرقم الحقيقي، فالعديد من الحالات لا يتم التبليغ عنها، ويفضّل الأولياء الصمت، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاعتداءات الجنسية".

وتعتقد حواس أن "ارتفاع حالات الاعتداء على الأطفال في المجتمع الجزائري راجع إلى نزوات فردية بالدرجة الأولى، لكون غالبية حالات العنف تحدث في وسط الطفل وفي محيط البيت أو المدرسة، ونادرًا ما يتعرّض لاعتداء من شخص غريب".

أطفال "مجرمون"
ولفتت خيرة مسعودان إلى تسجيل الشرطة الجزائرية "2018 طفلاً متورطاً في بعض المخالفات، من بينهم 637 طفلاً متورطاً في السرقات، و470 آخرون متورطون في قضايا الضرب والجرح العمدي".

وأحصت مصالح الأمن في 2016 تورط "5368 طفلاً في بعض المخالفات، من بينهم 1639 طفلاً تورطوا في السرقات بمختلف أنواعها، و1337 آخرون تورطوا في جرائم الضرب والجرح العمدي، و441 طفلاً في جرائم المساس بالعائلة والآداب العامة، و12 طفلاً تورطوا في جرائم القتل". 

وتشير الكاتبة الصحافية سهام حواس إلى أن بعض مرتكبي الجرائم من الأطفال كانوا قد تعرّضوا سابقًا لاعتداءات. وتقول لـ"إيلاف" إنني "أعتقد أن طفلًا معتدى عليه يمكنه أن يتحوّل إلى مجرم في المستقبل، إذا لم يتم إسعافه ومعالجته من آثار ذلك في أقرب وقت".

المدن أكثر خطرًا
وأشارت مسعودان إلى أن معظم قضايا جنوح الأطفال سجلت في المناطق الحضرية، وأنها "أكثر انتشارًا" لدى الذكور. عللت ذلك بـ"نقص الحس المدني" لدى الأطفال ولدى الأفراد المحيطين بالأطفال، وأكدت أن الشرطة الجزائرية اتخذت إجراءات عديدة لمكافحة هذه الظاهرة التي تنخر المجتمع. 

وأظهرت الأرقام المقدمة من طرف مسعودان أنه "تم سنة 2016 تسجيل 2712 طفلاً في خطر من طرف مصالح الشرطة وفرق حماية الأحداث على وجه الخصوص".

وسلمت الشرطة 2060 طفلاً إلى ذويهم، وقدمت 546 آخرين إلى قضاة الأحداث، والذين أمروا بوضعهم في المراكز المتخصصة.
وبحسب خيرة مسعودان، التي تتابع ملف الأطفال الأحداث منذ سنوات، فسبب تسجيل هذه الحالات يرجع "بالدرجة الأولى إلى الأولياء، مما يؤدي بالأطفال إلى اللجوء إلى الشارع". 

ونقلت الصحافة الجزائرية في أكثر من مرة تقارير حول هروب أطفال من منازلهم بسبب سوء نتائجهم الدراسية خوفًا من طريقة تعامل أوليائهم معهم.

حماية
ركزت خيرة مسعودان بكثرة على آلية السماع المصور، التي جاء بها القانون المتعلق بحماية الطفل لفائدة ضحايا العنف الجنسي كإجراء لمكافحة هذه الظواهر. وأعلنت مسعودان أنه تم وضع فوج عمل لتحضير فضاءات ملائمة للعمل بهذه الآلية.

بدورها، أعلنت المفوضة الوطنية لحماية للطفولة، رئيسة الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة، مريم شرفي، عن مشروع إطلاق الخط الأخضر في الأيام القليلة المقبلة، والتحضير لوضع الخلية المكلفة بتلقي الإخطارات على مستوى الهيئة، ومشروع إعداد بنك معطيات حول مختلف القضايا والمسائل المتعلقة بمجال الطفولة، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية.

وتقر حواس بأنه "رغم تدعيم المنظومة القانونية في الجزائر أخيرًا بالمصادقة على قانون الطفولة، إلا أن الأمور لا تزال على حالها، ولا يزال الأطفال عرضة لمختلف أشكال العنف".

وقالت لـ"إيلاف"، إنه "للحدّ من ذلك يجب إعادة الأسرة إلى سابق عهدها وتقوية دورها في تربية الطفل وحمايته، وكذا محاربة استهلاك المخدرات وباقي الظواهر السلبية، التي باتت تشكل خطرًا كبيرًا على الطفل الجزائري، بدءًا بالتلفزيون الذي يقدم قصصًا ورسومًا متحركة عنيفة".

وتلحّ سهام حواس على "وجوب أن تمارس المدرسة هي الأخرى دورها في التقرب من الطفل عن طريق اختصاصيين نفسانيين واجتماعيين، فظواهر العنف تترك أثرًا سلبيًا على الطفل قد لا يلاحظه والداه، لكن يمكن للمعلم والاختصاصي النفسي اكتشاف ذلك بسهولة".