الموصل: أمام عيادة في مخيم للنازحين من مدينة الموصل العراقية، تحاول أم عشرينية تهدئة رضيعها الذي لا يكف عن البكاء، مرجحة أنه جائع لأنها لم تعد تقوى على إرضاعه.

وتقول وزيرة (24 عاما) وهي تنتظر تحت شمس حارقة وتغطي جسد ابنها راكان (17 يوماً) الهزيل بقطعة قماش بيضاء تخفي وجهه أيضاً "منذ أن ولد وهو يبكي. لا يتوقف إلا حين ينام منهكا".

وتضيف "الحرارة المرتفعة داخل الخيمة تجعلها ساخنة طيلة ساعات النهار". وترجح الأم النازحة من مدينة الموصل الى مخيم الخازر أن يكون سبب نوبات البكاء المتواصل هو الجوع، مبررة "لا أتمكن من إرضاعه وأشعر أنه لا يشبع أبدا. لا غذاء جيدا نتناوله ولا مال لدينا لشراء حليب الاطفال".

ويقيم في هذا المخيم الذي يقع في جنب غرب الموصل حوالى 32 الف شخص فروا من هذه المدينة التي تقوم القوات العراقية بحملة فيها لطرد مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية.

وتتراوح درجة الحرارة بين 40 و45 درجة مئوية في هذا الموسم ما يجعل الحياة اليومية للنازحين وخصوصا الاطفال الرضع والمسنين او المرضى اصعب. 

تتنهد وزيرة خلف وشاح أسود يغطي رأسها وقسما من وجهها قبل ان تضيف "اطحن البسكويت الذي يوزعونه علينا مع الماء وأحاول إطعامه بالقوة أحيانا".

على بعد أمتار عدة، تنتظر مروة (25 عاما) التي نزحت منذ أسبوعين من مدينة الموصل، رؤية الطبيب وهي تحمل طفلتها مريم (ثمانية اشهر).

قبل خمسة اشهر، توقفت مروة عن ارضاع طفلتها التي لا تكف عن البكاء أيضا. وتقول "تعبت كثيرا في الفترة الماضية وانتقلنا من منزل إلى آخر قبل أن نتمكن من الخروج"، مضيفة "مرضت ولم أعد أتمكن من إرضاعها". 

تنتظر كل من وزيرة ومروة مع العديد من الأمهات اللواتي يحملن أطفالهن الذين لا يتوقفون عن البكاء، الدخول بالدور إلى عيادة تابعة لمنظمة "انترناشونال ميديكال كوربس" في مخيم الخازر.

في إحدى غرف العيادة، تستقبل الطبيبة المتدربة نشميل ديتلر يوميا قرابة ثمانين امرأة. تقول إن نحو "سبعين في المئة منهن يشكين عدم قدرتهن على الإرضاع وأن أطفالهن لا يشعرون بالشبع ويبكون لفترة طويلة".

وتشرح أن "الحالة النفسية للأمهات وتغير الهرمونات مع حالات القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى افتقاد الخصوصية والراحة الجسدية وحتى التغذية المتوازنة مع اعتمادهن على الحبوب والمياه، كلها عوامل تؤثر في قدرة الأمهات على الإرضاع". 

غياب البديل

وتكرر الأمهات شكواهن من أن أطفالهن لا يشبعون، وفق الطبيبة التي تقول إنه "بسبب ظروفهن الصعبة يفقدن القدرة والصبر على تكرار محاولة الإرضاع".

وسجلت منظمة اطباء بلا حدود تزايدا في حالات عجز الامهات النازحات عن ارضاع اطفالهن دون الستة اشهر، جراء عوامل عدة. وتقول المنسقة الطبية في المنظمة ايفغانيا زليكوفا لوكالة فرانس برس "يعد الإجهاد عاملا رئيسيا يؤثر على الرضاعة الطبيعية أكثر من الوضع الغذائي للأم أو صحتها الجسدية". 

وتوضح ان فرق المنظمة الطبية تعاين امهات "هربن عادة من المعارك في غرب الموصل أو من مناطق أخرى تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وهن يعشن الان في مخيمات حيث يكون يومهن مرهقا للغاية ويبدو مستقبلهن غير مؤكد، ما يزيد من نسبة توترهن".

في العراق، جرت العادة ان تتوقف الأمهات عن ارضاع الاطفال عند بلوغهم الستة اشهر مقابل الاعتماد على شراء الحليب الخاص للاطفال أو اعداد الاطعمة المطحونة. لكن مع سوء الاحوال الاقتصادية لم يعد بالمقدور توفير اي خيار بديل.

وفي غياب البديل المناسب عن حليب الأم، يفقد الاطفال الرضع دون الستة اشهر الوزن تدريجيا، وفق زليكوفا، ما يؤثر "على كافة النظم في الجسم" ويجعلهم "عرضة للأمراض المعدية".

سوء تغذية 

ينعكس انعدام الرضاعة الطبيعية ارتفاعا في معدلات سوء التغذية بين الاطفال دون الستة اشهر، في ظاهرة غير مألوفة حتى في اكثر المجتمعات فقرا وعوزا. 

وتوضح زليكوفا في هذا الصدد "نلاحظ زيادة في سوء التغذية بين الأطفال الذين لم تعد أمهاتهم قادرات على ارضاعهن، جراء صعوبة الحصول على حليب الفورمولا او بسبب كلفته الباهظة في المناطق المحاصرة في الموصل وفي المخيمات".

وتضيف "يعد إيصال الغذاء البديل إلى الأمهات اللواتي لا يتمكن من إرضاع أطفالهن قبل إصابتهم بسوء التغذية، مسألة مصيرية".

ويشكل سوء التغذية خصوصا لدى الأطفال أبرز المشاكل الصحية في صفوف النازحين من مدينة الموصل ومناطق أخرى تحت سيطرة الجهاديين.

وأعلن برنامج الأغذية العالمي في بيان في 30 ايار/مايو رصده "زيادة مقلقة" في معدلات سوء التغذية بين الأطفال النازحين حديثاً من غرب الموصل. 

وفي محاولة للوقاية من ارتفاع معدل سوء التغذية، أشار البرنامج إلى بدء توفير "إمدادات تكفي شهرين من المكملات الغذائية التي تحتوي على الفول السوداني المخصصة لعلاج سوء التغذية والوقاية منه بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات".

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، تهدد النزاعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من 24 مليون طفل. ويحتاج "5,1 مليون طفل" في العراق وحده إلى "المساعدة".