اتهمت منظمة حقوقية دولية الجيش الأميركي باستخدام سلاح الفوسفور الحارق في معارك مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية، مؤكدة أنه يشكل خطرًا مرعبًا وطويل الأمد في المدن المأهولة، ودعت قوات التحالف إلى اتخاذ كل التدابير الممكنة لتقليل الضرر على المدنيين عند استخدام الفوسفور. 

إيلاف من لندن: قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير الاربعاء، تابعته "إيلاف"، إن استخدام الفوسفور الأبيض بالضربات المدفعية من قبَل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي يقاتل تنظيم داعش في العراق وسوريا، يثير أسئلة خطيرة حول حماية المدنيين، ولذلك يجب عدم استخدام هذه الذخيرة المتعددة الاستعمالات كسلاح حارق لمهاجمة أشخاص أو معدات في مناطق مأهولة حتى لو كان الهجوم أرضيًا.

خطر مرعب في المدن المأهولة بالسكان

وشدد ستيف غوس، مدير قسم الأسلحة في المنظمة، على أنه "لا يهم كيفية استخدام الفوسفور الأبيض، فإنه يشكل خطرًا مرعبًا وطويل الأمد في المدن المأهولة مثل الرقة والموصل، أو أي منطقة أخرى مكتظة بالسكان. على قوات التحالف اتخاذ كل التدابير الممكنة لتقليل الضرر على المدنيين عند استخدام الفوسفور الأبيض في العراق وسوريا".

وأوضحت المنظمة انه يمكن استخدام الفوسفور الأبيض لعدة أهداف في ساحة المعركة كستار دخاني، لإرسال إشارات ووضع علامات، وكسلاح حارق، لكن القوات الأميركية تستخدم الفوسفور الأبيض في الموصل بالعراق، وفي الرقة معقل داعش في سوريا. لكن سبب استخدام قوات التحالف غير واضح، بينما لا يعلق التحالف على حوادث معينة.

وأشارت إلى أنّ فيديو صوّر في الموصل العراقية، في الثالث من الشهر الحالي ايضًا، استخدام قذائف أرضية تحتوي على الفوسفور الأبيض، كما يبدو الدخان المتصاعد من النيران الأرضية واضحًا في الفيديو غير انه ليس واضحًا إن كان سببه الفوسفور الأبيض أو شيئًا آخر. ومنذ منتصف فبراير الماضي، تنخرط القوات العراقية مدعومة من التحالف في هجوم لاستعادة غرب الموصل المكتظ بالسكان.

وأشارت هيومن رايتس ووتش إلى أنّ سبب استخدام الفوسفور الأبيض غير واضح، لكن قوات الأمن العراقية اعلنت في الرابع من الشهر الحالي أنه استُخدِم لخلق حاجب دخاني. 

وبحسب تعليق للتحالف لوسائل الإعلام، فإنه قال "لدى حماية المدنيين الفارّين من المستشفى الجمهوري، استخدم التحالف الدخان والذخائر الدقيقة لصدّ الأعداء وتأمين الغطاء للمدنيين الفارّين، وان التحالف استخدم بالاشتراك مع قوات الأمن العراقية الذخائر الملائمة لصد قناصة داعش والتعتيم عليهم، ليتمكن المدنيون من الوصول إلى قوات صديقة".

إستخدام الفسفور تسبب في مقتل مدنيين

واوضحت هيومن رايتس ووتش انها لم تتمكن من التأكد باستقلالية إذا أدى استخدام الذخائر إلى إصابات بين المدنيين، لكن احد سكان الرقة الذي يعيش في بيروت قال إن أحد مقاهي الإنترنت في الرقة استُهدِف مؤخرًا بالفوسفور الأبيض، ما أدى إلى مقتل 20 شخصًا.

وأشارت إلى أنّه في سوريا، يُظهِر فيديو نشر على فيسبوك في الثامن من الشهر الحالي على أنه صوِّر في نفس اليوم في الرقة، استخدام قذائف مدفعية أرضية تحتوي على الفوسفور الأبيض، المميزة عند انفجارها في الهواء. 

كما يوضح فيديو آخر نشرته وكالة "اعماق الاخبارية التابعة لداعش الحادث نفسه مع نيران على الأرض أشعلها الفوسفور الأبيض، بينما يشير فيديو نشر في 10 من الشهر الحالي إلى استخدام جديد للفوسفور الأبيض في 9 يونيو.

وأضافت المنظمة انه في بدايات 2017، انتشرت مدفعية مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في سوريا دعمًا لعملية استعادة الرقة التي تشارك فيها "قوات سوريا الديمقراطية". 

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" صورًا لوحدة المارينز المجهزة بقذائف الفوسفور الأبيض، بالإضافة إلى صور مشابهة تُظهِر قذائف فوسفور أبيض بحوزة الجيش الأميركي عند تخوم الموصل. أعلنت قوات سوريا الديمقراطية هجوم استعادة الرقة من داعش في 6 من الشهر الحالي، لكنه لا يمكن تحديد سبب استخدام الفوسفور الأبيض من الفيديوهات التي تُظهِر استخدامه بُعَيد الغروب.

قذائف مستمرة الاشتعال

وأكدت المنظمة انه في الرقة والموصل، تستخدم قوات التحالف قذائف مدفعية 155 مليمتر طراز "إم-825" (M825) الأميركية الصنع تحتوي على 116 إسفينًا مشبعة بالفوسفور الأبيض، الذي يشتعل ويستمر بالاحتراق عند تعرضه للهواء. هذا الطراز الوحيد من قذائف الفوسفور الأبيض بحوزة الولايات المتحدة من عيار 155 مليمتراً الذي ينفجر في الهواء. ليس من المعلوم أن قوات داعش أو الحكومة السورية تملك أو استخدمت هذه الذخائر أميركية الصنع.

وقالت المنظمة إن التحالف يعلن بأن سياساته تقضي بعدم نقاش استخدام ذخائر معينة، لكنه يعترف باستخدام الفوسفور الأبيض في عملياته في العراق وسوريا. وقال الكولونيل الأميركي ريان ديلون، الناطق باسم التحالف في العراق وسوريا، لوسائل اعلام دولية في 9 يونيو، إنه "وفقًا لقوانين النزاع المسلح، يُستخدَم الفوسفور الأبيض للحجب والتعتيم ووضع علامات بطريقة تراعي تمامًا الآثار العرضية المحتملة على المدنيين والمنشآت المدنية".

وفي حادثة الموصل، انفجرت القذيفة بالقرب من الأرض، في ما يبدو أنه محاولة لتقليل الآثار. في الرقة، يبدو أن الفيديوهات تُظهر الذخائر تنفجر أعلى في الهواء، ناشرةً الفوسفور الأبيض على مساحة أوسع بكثير.

يذكر ان الفوسفور الأبيض يشتعل عندما يتعرض للأوكسجين في الجو ويستمر بالاشتعال حتى استهلاكه أو انقطاع الأوكسجين عنه. وقد يولّد تفاعله الكيميائي حرارة عالية جدًا (815 درجة مئوية أو 1500 درجة فهرنهايت)، وضوءًا ودخانًا، وبالتالي يمكن استخدام الفوسفور الأبيض لوضع علامات أو التأشير أو التعتيم، لكن يمكن استخدامه أيضًا كسلاح لإشعال النيران التي تحرق الأشخاص والأشياء.

وعند الاحتكاك قد يحرق الفوسفور الأبيض الأشخاص، كيميائيًا أو حراريًا، حتى العظام لأنه عالي الذوبان في الدهون، وبالتالي في الجسد البشري. قد تفاقم شظايا الفوسفور الأبيض الجروح حتى بعد العلاج وتستطيع أن تدخل مجرى الدم وتسبب فشل عدة أعضاء. الجروح المغطاة بالضمادات قد تشتعل مجددًا عند كشفها وتعرضها للأوكسجين مجددًا، حتى الحروق الصغيرة نسبياً قاتلة بالعادة.

أسلحة ممنوعة 

وأكدت المنظمة أن الهجمات الجوية التي تستخدم أسلحة مُحرِقة في مناطق مدنية ممنوعة بموجب البروتوكول الثالث من الاتفاقية حول الاسلحة التقليلدية..وفي حين يحتوي البروتوكول قيودًا ضعيفة على الأسلحة المحرقة الأرضية، فإن جميع الأسلحة المحرقة تسبب إصابات فظيعة. ينطبق البروتوكول الثالث على الأسلحة "المصممة أساسًا" لإشعال النيران أو التسبب بحروق، بالتالي تعتقد بعض الدول أنه يستثني بعض الذخائر المتعددة الاستخدامات ذات الآثار المحرقة، تحديدًا التي تحتوي على الفوسفور الأبيض.

وبينت المنظمة أن ذخائر الفوسفور الأبيض استخدمت في 7 نزاعات على الاقل بين عامي 2000 و2016 في أفغانستان، أوكرانيا، الصومال، العراق، غزة، لبنان واليمن. في 2016. 

وأشارت إلى أنّه ليس معلوماً أن قوات الحكومة السورية استخدمت الفوسفور الأبيض، ولكن هيومن رايتس ووتش وثقت استخدام أسلحة تُرمى من الجو سوفياتية أو روسية الصنع في البلاد منذ 2012، وخلال عملياتها مع القوات الروسية منذ أواخر 2015، ولذلك فقد دعت هيومن رايتس ووتش مراراً التحالف السوري-الروسي إلى إيقاف استخدامه الأسلحة المحرقة في سوريا.

وقال ستيف غوس، مدير قسم الأسلحة في المنظمة، إن "الضرر الرهيب الناتج عن استخدام سابق للفوسفور الأبيض أثار غضبًا عامًا، والاستخدام الأخير للفوسفور الأبيض يؤكد الحاجة الملحة للدول إلى تعزيز القانون الدولي بشأن استخدام الأسلحة الحارقة".