«إيلاف» من عدن: عادت قضية أطفال يهود اليمن إلى واجهة الاهتمام الإعلامي والشعبي في اليمن. ونقلت وسائل إعلام يمنية عن صحف إسرائيلية تفاصيل وشهادات جديدة تبين جرائم السلطات الإسرائيلية ضد أطفال يهود اليمن، الذين اختطفوا بعد وصولهم إلى البلاد في مطلع خمسينيات القرن الماضي، والتي لم تقتصر على سرقتهم من عائلاتهم فحسب، بل تجاوز ذلك إلى استخدامهم عينات للتجارب الطبية المختلفة، سواءً أكانوا أحياء أم أمواتاً.

وبحسب وسائل إعلام يمنية وإسرائيلية، اعترف عدد من الأطباء الذين عملوا في تلك الفترة أنهم جربوا عددًا من الأدوية والعقاقير الجديدة على أطفال يهود اليمن، لفحص تأثيراتها، ولتطويرها حتى تصبح علاجًا معتمدًا.

وقد أعادت هذه القضية إلى الذاكرة حكاية هجرة يهود اليمن إلى اسرائيل.

أين سكنوا؟

بحسب محمود طه، الصحافي اليمني المختص بشؤون يهود اليمن،" سكن اليهود عددًا من المدن والقرى اليمنية مثل صنعاء، عدن، لحج، تعز، ريدة، حورة، صعدة، خمر، حبور ظليمة وشبوة، إلى جانب بعض وديان حضرموت، غير أن القسم الأعظم من تلك التجمعات اختفى من الخارطة الجغرافية، ولم يبقَ منها سوى ثلاثة تجمعات صغيرة موزعة في مديريتي ريدة وخارف بمحافظة عمران، والمدينة السكنية بحي شيراتون في أمانة العاصمة، ولا يزيد عدد سكانها على 400 نسمة، وبما يقرب من ستين أسرة، ويعد أكبر تجمع سكاني تشكل في الآونة الأخيرة هو ذلك الواقع في التقارب الجغرافي بين الحي الغربي من مدينة ريدة والسوق الجديد بمديرية خارف بمحافظة عمران شمال العاصمة صنعاء".

يقول طه لـ «إيلاف»، "إن تكوّن هذا التجمع اليهودي جاء عبر نزوح داخلي وهجرة جماعات اليهود من عدة مناطق سكنوها سابقًا ومنها العرقة وناعط وكانط وبني عبد وعثار وغيرها، وآخر نزوح أو انتقال تم قبل نحو سبعة عشر عامًا بانتقال أسرة سالم الشغدري من منطقة الشغادرة بمحافظة حجة لتنضم إلى التجمع اليهودي في منطقة السوق الجديد في بقعة اليهود أو الكرسعة".

كيف كانت حياتهم؟

حول حياة اليهود الاجتماعية والاقتصادية، يقول طه: "أحاطوا منازلهم بأسوار عالية ومتينة، شيدت مرتفعة بضعف ارتفاع المنازل، وأرجعت المعلومات ذلك إلى الحماية من اللصوص والاحتياط الأمني، ويفسر اليهود سكنهم في تجمعات إلى أنهم أقلية، وهذا جعلها تتشكل وتتقارب في ثلاثة تجمعات، أكبرها في محافظة عمران بين خارف وريدة، لحاجتهم إلى بعضهم وتكافلهم وللاطمئنان على أحوال بعضهم، إضافة إلى إقامة صلواتهم وأعيادهم وسبوتهم، إلى جانب بناء المدارس لتعليم أبنائهم وبناتهم التوراة والزبور".

يضيف: "ليس بين اليهود من يمتلك أرضًا زراعية أو عقارات أو محلات تجارية، وليس بينهم من يتقاضى راتبًا شهريًا بوصفه موظفًا في جهاز الدولة الإداري، ليسوا أوفر حظًا ولا أحسن حالًا في معيشتهم من باقي الشعب اليمني، فالجميع يئن تحت وطأة البؤس والفقر وضيق الحالة المعيشية، يقومون بأعمال حرفية عدة كالحدادة والنجارة وإصلاح السيارات، ويعمل بعضهم في إصلاح الأحذية على الطرقات وفي الأسواق العامة إلى جانب العمل في مواسم الحصاد الزراعي، أجراء عند ملاك الأراضي الزراعية من المسلمين".

هل دفعوا الجزية؟

يشير طه إلى أن التدهور الاقتصادي وسوء حالة اليهود المعيشية في السنوات الاخيرة حدا بالعميد طــه هاجر، محافظ عمران سابقًا، إلى إعفائهم من دفع الضرائب الجزية للدولة، التي كانت مفروضة عليهم إلى عهد قريب.

ولفت إلى " أن الأسباب الاقتصادية والمعيشية، تتقدمها جملة من الأسباب الأخرى والأهم، فإن أغلبيتهم تُرجع&هذه الأسباب الى تزايد نسبة النزوح والهجرة إلى إسرائيل أخيرًا، أي منذ عام 1994 إلى اليوم، حيث وصلت تلك النسبة إلى ما يقرب من 65 في المئة من تعدادهم الحالي، والبالغ نحو 266 نسمة، تتوزع على قرابة 45 عائلة في عمران، إضافة إلى 67 نسمة في شيراتون بصنعاء".

كيف هاجروا؟

يستعرض طه لـ "إيلاف" محطات ومراحل هجرة يهود اليمن إلى اسرائيل. يقول: "ارتبطت عمليات تهجير اليهود وثيقًا بالصراع العربي الاسرائيلي، والإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948 على أرض فلسطين، حيث بدأت عمليات تهجير اليهود إليها من مختلف دول العالم. وأفادت دراسات تاريخية بأن المنظمات اليهودية نشطت بين عامي 1881 و1885 في تهجير اليهود العرب وخصوصًا اليمنيين الذين كانوا أكثر القادمين إلى فلسطين من طريق بلد ثالث وبشكل فردي وبصورة سرية. وفي عامي 1911 و1912، هاجر من يهود اليمن قرابة 1500 نسمة، وارتبطت أسباب هجرتهم أساسًا بضغوط خارجية. وخلال الفترة 1919 – 1929، هاجر 8917 يهوديًا، إضافة إلى بضعة آلاف هاجروا بطريقة غير مشروعة".

يضيف: "تراجعت الهجرة اليهودية في عام 1939، فلم يهاجر سوى 182 يهوديًا، وانخفض العدد في عام 1940 إلى 80 مهاجرًا، وانخفض أكثر في عام 1941 إلى 57 وفي عام 1942 إلى 80 مهاجرًا".

كيف نقلوهم؟

يقول طه "إن أكبر عملية تهجير ليهود اليمن هي تلك التي أطلقت عليها اسرائيل اسم&"البساط السحري" أو "بساط الريح"، والتي حشدت لها المنظمات اليهودية بمساعدة السلطات البريطانية إمكانيات هائلة، وجرى تنفيذها في أجواء من التكتم والسرية، وتكفلت في حينه لجنة التوزيع اليهودية الأميركية المشتركة بدفع تكاليفها، وقدر المبلغ الذي دفعته بين 5 ملايين و 5.5 ملايين دولار".

يشير طه إلى "أن المرحلة الأولى من عملية "بساط الريح" بدأت في منتصف ديسمبر 1948، نقل خلالها جوًا 50 مهاجرًا من يهود اليمن إلى فلسطين، تلاها في يناير وفبراير 1949 نقل 4500 آخرين، ثم 3300 خلال مارس من العام ذاته، وذلك في 55 رحلة جوية. وبحسبه، بلغ إجمالي عدد المهاجرين من اليهود اليمنيين إلى فلسطين خلال المرحلة الأولى من العملية زهاء 8000 مهاجر، وذلك بنهاية مارس 1949،أي بنهاية المرحلة الأولى".

يخلص طه إلى "أن إجمالي المهاجرين من اليهود اليمنيين شمالًا وجنوبًا إلى فلسطين خلال عملية "البساط السحري" من 16 ديسمبر 1948 وحتى 24 ديسمبر 1950 حوالي 65 ألف مهاجر".