الجزائر: دعا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة فرنسا إلى الاعتراف بجرائمها التي ارتكبتها إبان احتلالها بلاده، واعتبر ذلك خطوة إلى الأمام تصب في خانة تعزيز العلاقات الاستثنائية بين البلدين.

وعاد بوتفليقة في رسالة إلى الأمة بمناسبة إحياء ذكرى استرجاع الاستقلال والعيد الوطني للشباب في الجزائر المصادف لـ5 يوليو من كل سنة إلى ما عاشته بلاده في فترة الاستعمار الفرنسي.

وقال إن هذا التاريخ " هو مناسبة لتجديد الاعتراف والعرفان لمجاهدينا ومجاهداتنا الأماجد نظير كفاحهم و تضحياتهم التي تكللت بتحرير وطننا المفدى، وهو أيضا موعد لإيلاف قلوب كل أبناء الوطن على استذكار ماضينا الحافل بالمآثر". 

حفظ الذاكرة

وأضاف بوتفليقة "من خلال استذكار الماضي و ما تكبدناه فيه من مآس تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، إنما نمارس حقنا في حفظ الذاكرة وفاء لأسلافنا الذين قاوموا فاستشهد منهم الملايين، وسجن منهم مئات الآلاف أو أخرجوا من ديارهم بينما جرد ملايين آخرون من أراضيهم وممتلكاتهم".

وأردف قائلا" إننا نمارس حقنا في حفظ الذاكرة وفاء لشعبنا الذي ضحّى بمليون و نصف مليون من أبنائه وبناته لكي يسترجع سيادته الوطنية و استقلاله". 

ويعتقد بوتفليقة أن ملف حفظ الذاكرة الوطنية مهمة الأجيال الصاعدة لأنه "سيتيح لها على الدوام شحذ حسها الوطني وهي تواجه التحديات والصعاب ويكون مبعثا لاعتزازها الدائم بوطنها".

وظل ملف الذاكرة من بين الملفات التي تصنع جدلا في الجزائر، بالنظر إلى ارتفاع الأصوات المنادية بضرورة كتابة التاريخ بموضوعية والتعجيل باسترجاع الأرشيف الجزائري الموجود في فرنسا، ومنها جماجم الشهداء الذين ترفض باريس إلى اليوم إرجاعها إلى الجزائر.

ضرورة الاعتراف

وحرص الرئيس الجزائري في رسالته على التأكيد أنه" ليس في هذا التذكير بالماضي أية دعوة إلى البغضاء والكراهية، حتى وإن ظل شعبنا مصرا على مطالبة مستعمر الأمس بالاعتراف بما اقترفه في حقه من شر ونكال".

وأشار بوتفليقة إلى أن " فرنسا التي باشرت معها الجزائر المستقلة بناء شراكة استثنائية، يجب أن تكون هذه الشراكة نافعة لكلا الطرفين، شراكة لن يزيدها الاعتراف بحقائق التاريخ إلا صفاء و توثبا". 

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال حملته الانتخابية أنه من المؤيدين لاعتراف بلاده بجرائمها التي ارتكبتها في الجزائر، واعتبر الاحتلال الفرنسي في الجزائر "جريمة ضد الإنسانية" 

وقال النائب البرلماني السابق محمد حديبي الذي صاغ مشروع قانون تجريم الاستعمار الذي رفضت الحكومة اعتماده لـ"إيلاف" إن "الظروف والمتغيرات المحلية والدولية الجارية جعلت السلطة تتبنى هذا المطلب، خصوصا أن عدو الأمس ما زال على نهج المناورة الدولية والإقليمية نفسه، عبر الإضرار بمصالح المستعمرات السابقة ومحاولاته إدخال الشعوب العربية والأفريقية في دوامة العنف والإرهاب كمدخل للتدخل في الشؤون الداخلية للدول المستعمرة سابقا".

تجريم الاستعمار

ويصر حديبي على بعث مشروع تجريم الاستعمار من جديد كونه "مطلب الأمة الجزائرية برمتها وليس خاصا بمعارضة أو سلطة أو جيل دون جيل".

وأضاف "لا يمكن السكوت عن تدمير الجزائر طيلة قرن ونصف عبر عمليات مسخ، وتشويه لمسار أمة ودولة وحضارة ما زلنا لحد الساعة ندفع ثمن تبعاتها بعد نصف قرن من الاستقلال".

وأوضح محمد حديبي لـ"إيلاف" أنه "لا يوجد مشروع وطني انصهرت فيه كل الأطياف الفكرية والسياسية، مثل هدا المطلب الشعبي والتاريخي والنضالي، وقد كنا من رافعي لوائه إبان عهدتنا البرلمانية وسعينا لجمع أكثر من نصف نواب البرلمان للإمضاء عليه، من مختلف الأحزاب السياسية، إلا التي لها ارتباطات بأجندات مصلحية من فرنسا وهي قلة قليلة".

وإن أثنى حديبي على ما جاء في رسالة بوتفليقة، إلا أنه دعاه إلى أن "ينتقل القول إلى الفعل لإعادة الثقة للشعب الجزائري في قيادة بلده في هذا المطلب، فتخلي السلطة عن ذلك زرع الشك في ثقة المواطن بحكامه، ما أدى إلى اتساع الهوة بين المواطن ومؤسساته".