واشنطن: تسلط مشاعر التعاطف التي تدفقت تجاه السناتور الأميركي جون ماكين، الذي تم تشخيصه بمرض سرطان الدماغ، الضوء على الاحترام الذي حظي به عن استحقاق هذا الجمهوري الخارج عن المألوف، الذي يعد رمز حقبة مضت ميزها التعاون بين الحزبين. 

وبرز الأسير السابق في حرب فيتنام والمرشح الجمهوري لانتخابات العام 2008 كصوت متوازن وجدير بالثقة، فيما يتنامى الاستقطاب الحزبي في الكونغرس، وكعضو في مجلس الشيوخ لم تمنعه سرعة غضبه قط من مد يده للتعاون مع خصومه السياسيين.

وانضم الرؤساء السابقون من جورج بوش الابن إلى بيل كلينتون مرورا بباراك أوباما إلى الرئيس الحالي دونالد ترامب ومئات النواب من كلا الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، للتعبير عن دعمهم، منذ الإعلان في وقت متأخر الأربعاء عن مرض ماكين. 

وبصوت واحد، أعربوا عن تقديرهم للرجل البالغ من العمر 80 عاما والذي اعتبروه ثروة وطنية واصفين إياه بـ"المحارب" و"البطل". وقال السناتور الديموقراطي الثاني من حيث الترتيب في مجلس الشيوخ لوكالة فرانس برس الخميس، ديك دوربين، إن "الأميركيين يضعونه في فئة خاصة. إننا نحبه ونحترمه".

وأضاف دوربين مستذكرا عمله لعدة شهور مع سناتور ولاية أريزونا الجمهوري على ملف الهجرة "كان رائعا. ينفجر يوما مثل جبل فيزوف‌ (البركاني) قبل أن يغمرك بلطفه في اليوم التالي". وبالنسبة لدوربين "يكشف ذلك أن خلف لؤم السياسة، ثمة إنسانية". 

خارج عن المألوف

والمسألة ليست أن ماكين يفتقد إلى البوصلة الايديولوجية، ولكن قناعاته لا تتماشى دائما مع عقيدة الحزب. ومنذ عقود، كانت القضية أو المنطقة هي التي تحدد التحالفات في مجلس الشيوخ أكثر من التكتلات الحزبية. وكان التعاون هو السمة المميزة لتلك الفترة. 

ودخل ماكين مجلس الشيوخ في منتصف الثمانينات. وفيما حمل معه طبعه العصبي إلى واشنطن، تعاطى باقتدار مع الدبلوماسية والحلول الوسط التي ميزت العمل في مجلس الشيوخ. 

ويقول زميله الجمهوري جون كورنين إنه فيما بات مجلس الشيوخ مؤدلجا بشكل متزايد، "يبحث هو دائما عن حل يجمع الحزبين". ولكن رغم انخراطه في المسائل المحلية، إلا أن السياسة الخارجية تعد منطقة نفوذ ماكين. 

ويعتبر صقر الأمن القومي الذي يسخر منه الجمهوريون الداعون إلى انكفاء الولايات المتحدة لعدم رفضه الانخراط العسكري، وخاصة في سوريا حيث ضغط مرارا على أوباما للتدخل. وعندما كان مرشحا للرئاسة عام 2008، أصر على ضرورة ابقاء الجنود الأميركيين في العراق لمئة عام آخر. 

ولكنه ارتد إلى التحزب في أوقات الضرورة فكان من أشد منتقدي الفترة التي قضتها هيلاري كلينتون كوزيرة للخارجية في عهد أوباما. وفيما يتعلق بالسياسات الداخلية، عادة ما يصوت مع حزبه. إلا أنه واجهه كذلك عندما وقف مع الديموقراطيين في صياغة خطة إصلاح للهجرة كانت لتقونن وضع ملايين العمال غير المسجلين. 

ونجح دور ماكين القيادي في دفع الكونغرس إلى تمرير قانون ضد التعذيب. 

تسوية

ونادرا ما أخفى ماكين ازدراءه لزملائه في حركة "حزب الشاي" الذين اجتاحوا الكونغرس مطلع العام 2010، ساعين إلى تغيير العادات المتأصلة في إقامة علاقات مع الطرف الآخر أثناء تناول المشروبات في الغرف الخلفية أو ممارسة الرياضة في ملاعب مبنى الكابيتول -- مقر الكونغرس.

وانتقد ماكين المندفع الحركة الجديدة المنبثقة عن الحزب الجمهوري المحافظ واصفا أنصارها بـ"المجانين". وفي مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس عام 2013، أعرب عن اعتقاده بأنه كان من الضروري "أن أكسب ثقة الكثير من زملائي على طرفي الممر" في قاعة الكونغرس.

وأضاف "كنت مستعدا كذلك، اتباعا لتقليد رونالد ريغان و(رئيس مجلس النواب لسنوات طويلة) تيب أونيل، للتوصل إلى تسويات دون خيانة المبادئ". 

"يحارب بشغف"

ووٌصف ماكين بمحطم الأيقونات أو الرجل المسن الساخط في مجلس الشيوخ. وفي وقت سابق هذا الأسبوع، وصفه ترامب بـ"الفظ". ولكن السناتور دافع عن نفسه قائلا "لا أزال الرجل نفسه الذي يحارب بشغف ويحاول القيام بما يعتقد أنه الأمر الصحيح".

وهذا هو النهج الذي يصطدم مع انحدار الكياسة السياسية التي برزت مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض. وماكين هو نجل وحفيد أدميرالات، وكان هو نفسه طيارا حربيا قضى أكثر من خمسة أعوام كأسير حرب في فيتنام. 

وهذا ما تسبب بشعوره بالأذى في أغسطس عام 2016، عندما هاجم ترامب الذي كان لا يزال مرشحا آنذاك عائلة جندي أميركي مسلم قتل في احدى المعارك. وقال ماكين حينها "حان الوقت ليشكل دونالد ترامب قدوة لبلدنا ولمستقبل الحزب الجمهوري". 

وأغضب بذلك أنصار رجل الأعمال الملياردير الذين هاجموا ماكين. ومع ذلك، أعيد انتخابه كممثل عن اريزونا لفترة سادسة في نوفمبر. ومنذ ذلك الحين، تعهد ماكين بالحديث بشكل أقل عن ترامب والتركيز على عمله كرئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. 

ولكن تزايد الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة دفع ماكين إلى الخروج عن صمته، فأصبح بذلك بين أعلى الأصوات المنتقدة لسياسة ترامب الخارجية في الحزب الجمهوري، خاصة فيما يتعلق بروسيا. 

وأعرب السناتور عن غضبه تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واصفا إياه بالقاتل، وازاء الحملة الالكترونية التي شنها الكرملين للتأثير على نتائج الانتخابات الأميركية.

ورغم انتكاسته الصحية الأخيرة، لم تهتز جرأة ماكين حيث غرد الخميس عبر موقع "تويتر" لأول مرة منذ تشخيصه قائلا "لسوء حظ شركائي المتعاركين في الكونغرس، سأعود قريبا. انتظروني!"