بيروت: طوال سنوات من النزاع، كان ينظر الى حركة احرار الشام على انها الاكثر نفوذا بين الفصائل السورية المعارضة، لكن الهزيمة التي منيت بها على يد هيئة تحرير الشام في محافظة ادلب جردتها من موقع القوة وشكلت خسارة جدية للمعارضة المسلحة. 

واندلعت في منتصف يوليو الماضي مواجهات بين الحليفين السابقين، حركة احرار الشام وهيئة تحرير الشام (تحالف فصائل اسلامية بينها جبهة النصرة سابقا)، في محافظة ادلب (شمال غرب)، انتهت باتفاق تهدئة انسحبت على اثره الحركة من عشرات المدن والبلدات والقرى لتكتفي بمناطق محدودة في جنوب المحافظة.

ويقول نوار اوليفر، المحلل العسكري من مركز عمران الذي يتخذ من اسطنبول مقرا، لوكالة فرانس برس "الحركة كموقع قوة قد انتهت".

ويضيف "في أقل من 48 ساعة، خسرت حركة الأحرار أهم المواقع الاستراتيجية التي كانت تسيطر عليها لصالح هيئة تحرير الشام، بدءا من المعابر الحدودية وانتهاء بالعديد من المدن الاستراتيجية" وبينها مدينة ادلب التي انسحبت منها في 23 يوليو، اي بعد اسبوع واحد فقط من المواجهات.

وفقدت حركة احرار الشام الشريط الحدودي مع تركيا لا سيما معبر باب الهوى الذي كان يعد مصدر ايرادات اساسيا لها.

ومن شأن "الانهيار العسكري السريع" ان ينعكس ايضا على شرعيتها كجهة حاكمة، بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على المؤسسات في ادلب وبينها المحاكم الشرعية.

نفوذ محلي

وتعد إدلب أحد آخر معاقل الفصائل المقاتلة ضد النظام السوري، ولو ان السيطرة عليها ما كانت لتتم لولا التحالف مع جبهة النصرة سابقا.

ومقارنة مع العام 2012، وبعد إقصائها من الجزء الاكبر من محافظة ادلب، لم يبق لدى الفصائل المعارضة وبينهم احرار الشام، سوى بعض المناطق المتناثرة، في محافظة حلب شمالا او قرب دمشق او بعض المناطق المحدودة في الوسط والجنوب. 

ويقول الباحث المتخصص في الشأن السوري في مؤسسة "سنتشوري" سام هيلر لفرانس برس "يمكننا القول انه الى جانب هيئة تحرير الشام، كانت الاحرار الفصيل الاكثر تأثيرا في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في شمال غرب سوريا".

وتعد تلك المناطق "مركز الثقل بالنسبة إلى الفصائل المعارضة في البلاد بشكل عام". لذلك فإن تقاسم حركة احرار الشام النفوذ هناك مع "تحرير الشام" منحها مكانة مهمة على صعيد البلاد كافة.

وبالنتيجة من الممكن القول، وفق هيلر، ان "هزيمة احرار الشام تعد هزيمة للفصائل المعارضة في سوريا بشكل عام".

ولم يبق في شمال غرب البلاد أي فصيل قادر على تحدي سلطة هيئة تحرير الشام، وفق هيلر. اما في باقي أنحاء سوريا، فهناك فصائل "ذات نفوذ محلي" على غرار فصيل جيش الاسلام، اهم فصائل الغوطة الشرقية قرب دمشق.

فشل رهيب

ولم يكن انهيار حركة احرار الشام بالأمر المفاجئ، وفق ما يرى المحللون.

فقد أنشئت حركة احرار الشام في العام 2011، وهي جماعة سلفية كانت تعد من الاكثر تنظيما بين الفصائل التي تقاتل قوات النظام السوري. ويقدر عديد مقاتليها بما بين عشرة آلاف وعشرين ألف مقاتل.

تلقت الحركة ضربة قاسية في سبتمبر العام 2014 في تفجير ضخم استهدف اجتماعا لقياديين، وقتل خلاله 28 قياديا. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه.

في العام 2015، سيطر تحالف بين حركة احرار الشام وتنظيم القاعدة وقتها على كامل محافظة ادلب، وحكم الفصيلان المحافظة طويلا قبل ان يتصاعد التوتر بينهما في العام 2017.

ورغم عقيدتها السلفية وتحالفها مع "الجهاديين"، حاولت الحركة تقديم نفسها للغرب بوصفها فصيلا معتدلا، وكانت تتلقى دعما تركيا وخليجيا. وكان ينظر اليها على انها صلة الوصل بين الفصائل "الجهادية" والاخرى الاكثر اعتدالا. 

ويرى المحللون ان لدى حركة أحرار الشام ازمة ايديولوجية ساهمت في انهيارها.

وكتب احمد ابازيد من مركز طوران، ومقره اسطنبول، ان "فشل القيادة الرهيب في المعركة (مع هيئة تحرير الشام) يعد تتويجاً لمسيرة طويلة من تردد الحركة وهويتها القلقة وخسارة الحلفاء المحليين أو الإقليميين".

ويرى اوليفر بدوره ان رفض الحركة دعم الفصائل المعارضة في معارك سابقة ضد هيئة تحرير الشام جعلها تخسر مساندة تلك الفصائل لها حين أتى الدور عليها.

ويشير الى "الغياب التام لأي تحرك من جانب تركيا التي اكتفت بإغلاق حدودها".

مهمة صعبة

بعد المواجهات مع هيئة تحرير الشام، سمت حركة أحرار الشام قائدا عاما جديدا لها هو حسن صوفان، المعتقل السابق في سجن صيدنايا.

وفي أول خطاب مصوّر له، اعترف صوفان بـ"الوهن" في صفوف الحركة، متعهدا ان تعود اقوى "مما كانت عليه" كما حصل بعد تفجير 2014.

الا ان المحللين يشككون بقدرة الحركة على الخروج من ازمتها.

ويقول أوليفر ان "تغير القيادة بعد الانهيار التام كان أمرا محتوما، ولكن من الصعب أن تقوم قيادة الأحرار الجديدة بالبناء السريع على أسس ضعيفة". ويتوقع ان تزيد الانشقاقات في صفوف الحركة لصالح فصائل اخرى او حتى هيئة تحرير الشام.

ويرى ابازيد بدوره ان مخطط صفوان يتضمن مواجهة هيئة تحرير الشام أو تحصين حركة احرار الشام، لكن المهمة تبقى صعبة خصوصا "انهم ما زالوا مهددين من هيئة تحرير الشام".

ويضيف "لا شك أن دورهم كأكبر فصيل في إدلب انتهى لصالح هيئة تحرير الشام"، متوقعا مواجهات جديدة بين الطرفين "في حال نهضت الحركة من جديد".