هافانا: فيما تغرق فنزويلا في ازمتها، تتجه الانظار نحو هافانا، التي تتهمها المعارضة الفنزويلية بالتلاعب بحكومة حليفها السياسي نيكولاس مادورو.

يعكس ذلك قوة العلاقة بين البلدين. فقد قام الرئيس الفنزويلي الذي يواجه منذ اربعة اشهر موجة احتجاجات، بزيارة مفاجئة الثلاثاء الى كوبا وضريح فيدل كاسترو، الى جانب شقيقه راوول، في الذكرى الحادية والتسعين لمولد زعيم الثورة الكوبية.

وفي رسالة بعث بها الى نظيره الفنزويلي اخيرا، وعده راوول كاسترو بأنه لن يكون "وحده"، وتوقع له مع ذلك "اياما من النضال الشرس والمضايقات الدولية والحصار وقطع المساعدات".

وقد اعتاد نيكولاس مادورو على زيارة كوبا، التي درس فيها العلوم السياسية في نهاية الثمانينات. ولدى وفاه مثاله الاعلى هوغو تشافيز في 2013، طرح النظام الكاستري اسمه لخلافته وإدامة العلاقة الكوبية الفنزويلية.

وقال مايكل شيفتر رئيس مجموعة "الحوار الاميركي" (ديالوغ انتراميريكان) للدراسات في واشنطن، ان "العلاقات بين كوبا وفنزويلا منبثقة من العلاقة الوثيقة التي اقامها فيدل كاسترو وهوغو تشافيز" في تسعينات القرن الماضي، عندما وجدت كوبا نفسها محرومة من دعم الكتلة السوفياتية.

وفي مستهل عقد الالفين، استعان هوغو تشافيز الذي واجه معارضة شديدة لعمليات التأميم التي أجراها، للمرة الاول، بنظيره الكوبي الذي اقترح عليه اعادة تلميع صورته من خلال اطلاق برامج اجتماعية يستفيد منها المحرومون. وشاركت كوبا مشاركة فعالة في هذه البرامج التي سميت "مهمات" من خلال ارسال عشرات الاف الاطباء والمتعاونين الى فنزويلا. وما زال فيها 20 الفا منهم.

تأثير حتى في الثكنات 
وفي 2002، كاد انقلاب ان يطيح تشافيز. وقد سرع هذا الحدث تدخل الكوبيين في الشؤون العسكرية للبلاد من اجل تقديم دعم قوي لحكم "القائد" الفنزويلي.

وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قالت الخبيرة في المسائل العسكرية روكيو سان ميغيل، ان "كوبا دخلت فنزويلا مع المهمات، وبعد الانقلاب تدخلت في مجالي الامن والدفاع الوطني". واضافت ان مبعوثي هافانا نسقوا اعادة تنظيم الجيش والشرطة والاستخبارات.

واكدت منظمة "مراقبة المواطن" غير الحكومية التي ترأسها سان ميغيل، ان التعاون الكوبي يشمل في الوقت الراهن "تنظيم وانتشار" الجيش الفنزويلي وبناء البنى التحتية والمعدات العسكرية وتحديث الاسلحة والتدريب.

واضافت هذه الخبيرة ان "البصمة الكوبية" حتى في الثكنات "يمكن ملاحظتها بوضوح في البيانات (...) والعقيدة، وكذلك في القوانين الداخلية".

ويؤكد الجنرال الفنزويلي المتقاعد المنفي في فلوريدا، انطونيو ريفيرو ان قواعد استراتيجية كاملة للجيش يشرف عليها الكوبيون. ويقول ايضا ان كوبا تحتفظ فيها بـ "20 الف مقاتل". ويصعب تأكيد هذا الرقم الذي يعتبره عدد كبير من الخبراء مبالغا فيه.

في المقابل، يتفق جميع المراقبين على التأثير الذي لا جدال فيه للكوبيين على اجهزة الاستخبارات والامن في فنزويلا. لذلك ستكون ادارة الخلافة بين تشافيز ومادوربو في 2013، التي اتسمت بتمجيد الثورة البوليفارية، التجسيد الاوضح لبراعتهما العقائدية. ويبدي شيفتر تحفظا حيال التأكيدات حول هيمنة شاملة لكوبا على قرارات الحكومة الفنزويلية. وقال "ثمة عدد ضئيل من الأدلة الحقيقية".

مسألة بقاء
منذ بداية التظاهرات المعادية لمادورو، لا تدخر كوبا دعمها، وتطرح نفسها محاميا عن الرئيس على الصعيد الدولي. وتتهم المعارضة نظام كاسترو بأنه مسؤول مباشرة عن اعمال العنف التي اسفرت عن 125 قتيلا.

واكد ابرز تحالف للمعارضة "طاولة الوحدة الديموقراطية" انه "منذ سنوات، تتدخل كوبا سياسيا وعسكريا في فنزويلا"، وهذا "لا يؤثر فقط على سيادتنا واستقلالنا، بل يشكل ايضا واحدا من ابرز اسباب العنف والقمع من جانب الحكومة".

ولا شك في ان كوبا تعتبر ان تنحي الرئيس الاشتراكي سيشكل ضربة قاسية، لان اقتصاد الجزيرة ما زال يستفيد من ضخ النفط الفنزويلي. وقال شيفتر "ينوي الكوبيون القيام بكل ما في وسعهم حتى يبقى أحد اهم حلفائهم وداعميهم الماليين في الحكم. وهم يركزون على البقاء السياسي".

واكد بول وبستر هاري، استاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسطن (الولايات المتحدة) والسفير البريطاني السابق في كوبا، ان تنحي مادورو "سيعتبر فشلا مؤلما للاستراتيجية السياسية الكوبية".