انتقدت أحزاب تونسية التعديل الحكومي الذي أعلنه يوسف الشاهد يوم الاربعاء الماضي، واتهمته بالمحاصصة الحزبية واعادة وزراء بن علي للعمل، في حين تعهد الحزبان الحاكمان الرئيسيان بالتصويت لمنح الثقة للتشكيلة الوزارية الجديدة.

مجدي الورفلي من تونس: أثار التعديل الحكومي الموسع الذي قام به رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد إنتقادات وإتهامات بالاعتماد على "المحاصصة الحزبية" و"إعادة رموز من النظام السابق الى واجهة الحكم"، عبر تعيين وزيرين ممن تقلدوا مسؤوليات في آخر حكومة لنظام زين العابدين بن علي قبل فراره الى المملكة العربية السعودية في 14 يناير 2011، في حين وصفها الشاهد بأنها "حكومة حرب" نظرا للتحديات والصعوبات التي تواجهها البلاد.

وقررت عدد من الاحزاب الممثلة في البرلمان عدم منح الثقة للتعديل الحكومي الذي أعلنه يوسف الشاهد الإربعاء الماضي كتعبير عن رفضها لتوسيع تمثيلية حزب الرئيس "حركة نداء تونس"، في الحكومة والإبقاء على وزراء حركة النهضة الإسلامية رغم فشلهم، في تقدير تلك الأحزاب، في حين أعلنت حركتا النهضة والنداء ان كتلتيهما النيابيتين ستمنحان الثقة للشاهد وحكومته الجديدة.

وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد أعلن الإربعاء الماضي عن تركيبة جديدة لحكومته تضم 28 وزيرا و15 كاتب دولة، تم من خلالها دعم تمثيلية حزب حركة نداء تونس بتعيين وزراء وكتاب دولة جددا منتمين للحزب ليصبح له 12 عضوا في الحكومة.

فيما حافظت حركة النهضة الإسلامية على ممثليها الـ8 في الحكومة من وزراء وكتاب دولة واصحبت تشغل وزارات أهم، حيث تحول عماد الحمامي من وزارة التكوين المهني إلى وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتم تنصيب أمينها العام زياد العذاري على رأس وزارة التنمية والاستثمار بعد أن كان في وزارة الصناعة والتجارة فيما حافظ أنور معروف على حقيبة تكنولوجيا الاتصال.

وشهدت مشاورات التعديل الحكومي التي دامت لحوالي 3 أسابيع تجاذبات كبيرة بسبب تشبّث حركة النهضة بعدم المس من وزرائها وإقتصار الشاهد على سدّ الشغورات الحاصلة في الحكومة دون اللجوء الى تحوير وزاري واسع، في حين طالبت حركة نداء تونس صراحة بتوسيع ممثليها في الفريق الحكومي بإعتبار انها الحزب الفائز في الإنتخابات التشريعية لسنة 2014.

"حكومة حرب على الشعب"

القيادي في الجبهة الشعبية والنائب في البرلمان عمار عمروسية اكد في تصريح خص به "إيلاف" ان الجبهة الشعبية وبعد مناقشتها للتعديل الحكومي قررت انها لن تمنح ثقتها للحكومة الجديدة، فهي لا تراها على مواجهة الفساد المستشري في البلاد والبطالة التي تفاقمت بل تعتبر ان التعديل الوزاري أنتج "حكومة حرب على قوت غالبية الشّعب التونسي ومصالحه"، وفق تعبيره.

وإعتبر القيادي في الجبهة الشعبية، وهو تحالف بين أحزاب يسارية وقومية ممثلة في البرلمان بـ15 نائبا، أن التعديل الحكومي ليس سوى إعادة توزيع للحقائب داخل الائتلاف الحاكم دون تقييم أداء الحكومة وأعضائها وتمسّك بمنطق المحاصصة الحزبية الضيّقة وعقلية الغنيمة بين حركتي النهضة والنداء الذي طغى طريقة تشكيل الحكومات المتعاقبة منذ انتخابات 2014.

وقال عمروسية: "البلاد لا تحتاج إلى مجرّد تحوير حكومي ينتقل بمقتضاه وزير فاشل من وزارة إلى أخرى أو يحافظ فيه وزير فاسد على منصبه لأنّه منتم لذلك الحزب أو ذاك او إعادة رموز النظام السابق الذين ساهموا في إيصال البلاد إلى حافة الانهيار سنة 2010 وثار ضدّهم الشعب وأسقطهم".

تجدر الإشارة الى ان وزير التربية الجديد بعد التعديل الحكومي هو حاتم بن سالم الذي كان ينتمي لحزب زين العابدين بن علي وشغل مناصب عديدة خلال حكمه، وكان آخرها وزارة التربية من سنة 2008 الى حدود فرار بن علي في 14 يناير 2011.

كما ان وزير المالية الجديد رضا شلغوم، شغل مناصب عديدة خلال حكم بن علي من رئيس لهيئة السوق الماليّة ورئيس ديوان وزير المالية قبل أن يتولى الوزارة في بداية عام 2010 والى حدود إندلاع ثورة يناير.

النظام السابق...

في ذات إتجاه الجبهة الشعبية كشفت النائب في البرلمان التونسي سامية عبو لـ"إيلاف"، ان الكتلة الديمقراطية التي تنتمي لها (12 نائبا في البرلمان) لن تمنح الثقة للتركيبة الحكومية الجديدة، اذ إعتبرت ان التعديل الحكومي تلخّص في الإبقاء على وزراء فاشلين ترضية لأحزابهم ومواصلة لمنطق المحاصصة الحزبية على حساب المصلحة العليا للبلاد.

كما أبدت النائب إستغرابها من تعيين وزيرين في آخر حكومة للنظام السابق، وقالت: "تعيين وزيرين من آخر حكومة لبن علي هو مواصلة المحاولة للإنقلاب على الثورة كما انه إشارة من حزب نداء تونس الى كل رموز النظام السابق مفادها بأن مصلحتهم معه وانه لن يتخلى عنهم وسيعيدهم الى مناصبهم التي كانوا يحتلونها خلال حكم بن علي".

وأعلن البرلمان التونسي في بلاغ إطلعت عليه "إيلاف" أنه سيعقد جلسة عامة الإثنين المقبل لعرض التعديل الحكومي الموسع على التصويت ومنحه ثقة نواب الشعب، وقرر البرلمان التصويت على كل أعضاء حكومة الشاهد بعد تعديلها عضوا عضوا.

ويتطلب منح الثقة لكل عضو من الحكومة التونسية بعد تعديلها، تصويت الأغلبية المطلقة من النواب الـ217 في البرلمان التونسي.

النهضة والنداء يباركان

في مقابل الإنتقادات التي طالت التعديل الحكومي، إعتبر النائب عن حزب حركة نداء تونس منجي الحرباوي في تصريح لـ"إيلاف" ان الأحزاب في الأنظمة الديمقراطية وُجدت لتحكم وفق ما تُفرزه صناديق الإقتراع.

وقال "الإنتخابات التشريعية لسنة 2014 أفرزت فائزا وهو حركة نداء تونس ومن حقه ان تكون له التمثيلية الاكبر في الحكومة بعد تعديلها ومن حق قياداته ان تتولى مناصب وزارية خاصة ان كانوا من الكفاءات التي ستضفي أكثر نجاعة على العمل الحكومي".

اما حركة النهضة الإسلامية فقد أعلنت في بيان تلقت "إيلاف" نسخة منه "انها تساند التعديل الحكومي وسد الشغورات الحاصلة لإدخال المزيد من النجاعة على عمل الحكومة التي تنتظرها استحقاقات وطنيّة مهمّة مثل قانون المالية لسنة 2018 والانتخابات البلدية والعودة المدرسية والجامعية والدورة البرلمانية الجديدة".

وأفرزت الانتخابات التشريعية في تونس التي نُظمت في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014، عن فوز حزب نداء تونس الذي أسسه الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي بالمرتبة الأولى بعد أن حصل على 86 مقعد من جملة 217 مقعد في المجلس، وتلته حركة النهضة الإسلامية ب69 مقعد، ولكن نظرا للخلافات والإنشقاقات التي شهدها نداء تونس لم يحافظ سوى على 58 نائبا في كتلته البرلمانية حاليا.

يُذكر ان الحكومة التونسية وقبل الإعلان عن تعديلها، عرفت ثلاث شغورات على مستوى وزارات التربية والمالية والتنمية. والحكومة الحالية منبثقة على ما يُعرف في تونس بـ"وثيقة قرطاج" التي وقع عليها عدد من الأحزاب والمنظمات الوطنية، وقد انطلقت في العمل فعليا منذ سنة تقريبا بعد منحها الثقة من طرف البرلمان في 26 أغسطس 2016.