إيلاف من لندن: ناقش لقاء منتدى الفكر العربي ومقره العاصمة الأردنية عمّان، مساء الاثنين، موضوع الإصلاح الإداري في الأردن خلال الفترة ما بعد عام 1995، حيث قدم وزير تطوير القطاع العام الأسبق وأستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية د. محمد عدينات، تقييماً للتجربة الأردنية في هذا المجال، محللاً بعض المبادرات الأخرى للإصلاح الإداري في العالم وفي المملكة.

وخلال اللقاء اوضح المتحدث الدكتور عدينات في محاضرته أن الكثير من بلدان العالم تأثرت بنهج الإدارة العامة الحديث، الذي تبنته كل من أميركا وبريطانيا في عقد الثمانينات من القرن العشرين إبان حكم رونالد ريغان في الولايات المتحدة الأميركية، وحكم مارغريت تاتشر في بريطانيا.

وقال د. عدينات: إن الأردن واحد من البلدان التي تأثرت بهذا النهج الجديد في الإدارة العامة، وبالتالي كان لا بد من معرفة ملامح هذا النهج الإداري الحديث، ما يساعد في تفسير طبيعة الإصلاح الإداري في الأردن، كما يساعد أيضاً في عقد مقارنات بشأن الممارسة الفضلى في العالم في هذا المجال.

نهج جديد

ومن جانب آخر، تناول المحاضر النهج الجديد في فكر الإدارة العامة الحديث والعوامل التي اثرت فيه خلال العشرين عاماً الماضية، من حيث علاقة التخاصية بتطور مفهوم الإدارة العامة في بريطانيا (عهد تاتشر)، وعلاقة الفكر الإقتصادي الجديد بتطور المفهوم نفسه في الولايات المتحدة (عهد ريغان).

وقال د. عدينات: إن التغير الكبير في نهج الإدارة العامة من نهج الإدارة العامة التقليدي الذي يقوم على مبدأ البيروقراطية الحكومية غير المرنة، أدى إلى نهج حديث أقرب إلى مفهوم إدارة الأعمال .

كما تحدث حول علاقة التخاصية في الأردن بالإصلاح الإداري، وقدم تقييماً للتجربة الأردنية في هذا المجال، محللاً بعض المبادرات الأخرى للإصلاح الإداري في الأردن، وأهمها: مبادرة تبسيط الإجراءات، والحكومة الإلكترونية وعلاقتها بالإصلاح الإداري، وتجربة وحدة تقييم الأداء الحكومي في رئاسة الوزراء، وكذلك مشروع اللامركزية والإصلاح الإداري.

مداخلة أبو حمور 

وإلى ذلك، أشار الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، الوزير الأسبق د. محمد أبوحمور، الذي أدار اللقاء في مداخلته إلى أن هذا اللقاء هو استكمال لسلسلة من أنشطة متعددة عقدها المنتدى خلال الفترة الماضية، وشملت اللقاءات الحوارية حول الأوراق النقاشية الملكية، وندوات تناولت الإصلاح والديمقراطية بشكلٍ عام، وكذلك الإصلاحات الدستورية والتشريعية واللامركزية والحوكمة الرشيدة والتطوير الإداري.

وقال د. أبوحمور: إن الورقة النقاشية الملكية السادسة بعنوان "سيادة القانون أساس الدولة المدنية" التي عقد المنتدى حولها لقاءين (تشرين الأول 2016، وشباط 2017)، تؤكد في مضمونها أهمية الإصلاح الإداري في تعزيز أركان الدولة المدنية في ظل سيادة القانون، وخاصة في ما يتعلق بتحقيق العدالة والأمن والأمان الاجتماعي، كما يكفل هذا الإصلاح توفير الكفاءات والحفاظ عليها، وتوظيف الطاقات والقدرات الوطنية من أجل النهوض الشامل.

الورقة النقاشية الملكية 

وأضاف أن ما أوضحته النقاشات حول الورقة النقاشية الملكية السادسة، يؤكد أن الإصلاح الإداري هو محور أساس في مكافحة مظاهر السلبية وعوامل الانقسامات التي أصابت المجتمعات العربية وشاهدنا آثارها في بعض الدول نتيجة العوامل الداخلية والظروف الإقليمية، ومتغيرات الصراعات الدولية في المنطقة، وتراجع النمو الاقتصادي إلى مستويات خطيرة، وتخلخل الثقة بقيم المؤسسية.

وقال د. أبوحمور: إن الرؤية الأردنية المبكرة في الإصلاح الديمقراطي والإصلاح الإداري، التي عبَّرت عنها الأوراق النقاشية الملكية، وما يتحدث فيه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين دوماً، كان له الدور الأكبر في تجنيب الأردن الوقوع في أشكال المعاناة للدولة والشعب كما حدث في دول أخرى في المنطقة، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة فقد استطاعت حكمة القيادة الأردنية أن تبلور رؤية واضحة لسيادة القانون بوصفها مسؤولية الدولة والمواطن معاً، وربط ذلك بالتعددية السياسية والتنوع الثقافي والاجتماعي كرافد للاقتصاد الوطني، وتعزيز العدالة الاجتماعية كتعبير عن ضمان سيادة القانون لحقوق الأقلية والأغلبية.

وخلص الأمين العام لمنتدى الفكر العربي إلى القول إن تلك رؤية متقدمة ويمكن القول إنها سابقة في تحديد مكامن النهوض الحقيقي للمجتمع والدولة، من خلال الربط بين الإصلاح الإداري وسيادة القانون، وتوضيح مسارات هذا الربط عبر تطوير الإدارة وتطوير القضاء. كما تشكِّل هذه الرؤية نموذجاً جديراً بالاستفادة منه لدى الأشقاء وتقديم الصالح العام ومصلحة الوطن والهوية الجامعة، على كل ما عداها من مصالح فردية ضيقة وآنية، وما يعطل المسير نحو مستقبل آمن لأجيال الأمّة.