الرباط: تعتزم دول الاتحاد الأوروبي قريبا، العدول عن تغيير التوقيت مرتين في السنة والاحتفاظ بتوقيت موحد طول العام، وذلك على إثر انتقادات متصاعدة من شرائح متنامية من المواطنين، زادتهم قلقا تقارير طبية متواترة تحدثت عن تأثيرات سلبية على صحة الصغار ومزاج الكبار، بل إن بعضها اتخذ طابع التهويل والتحذير، عبر التأكيد على أن تغيير الساعة يؤثر على عمل المنظومة العصبية.

وكانت المفوضية الأوروبية استطلعت أراء مواطني دول الاتحاد، بواسطة استفتاء رأي، حظي بمشاركة عالية تبين منها أن حوالي خمسة ملايين أوروبي أعربت إجاباتهم بواسطة الإنترنت، عن استياء واسع &من تغيير التوقيت خلال السنة، وطالبوا باعتماد توقيت واحد &صيفيا كان أو شتويا، فالمهم أن لا تغير عقارب الساعة في شهر ابريل من كل سنة.

وحيث أن التيار الغالب هو المعارض لتقسيم السنة زمنيا إلى شتاء وصيف، فإن دولا كثيرة سارعت إلى الإعلان مسبقا أنها ستعتمد التوقيت البديل بمجرد إقراره رسميا من قبل أجهزة الاتحاد الأوروبي. وضمن الدول المرحبة بحماسة اكبر من غيرها إسبانيا والبرتغال.

وكان المغرب قد أضاف منذ سنوات من جهته، ساعة إلى التوقيت العالمي لضرورات اقتصادية &قيل إن أولها الحد من استهلاك الكهرباء. وثانيها ، التعامل التجاري مع أوروبا وخاصة مع الشركاء &المفضلين لديه مثل فرنسا ، إسبانيا ، بلجيكا ، البرتغال. خاصة وأن الفارق الزمني كان ساعتين في الصيف وساعة في الشتاء. ولما قلصت الرباط &الفرق إلى ساعة في الصيف وعززت الإجراء باعتماد الدوام المستمر في العمل في القطاعين الخاص والعمومي ؛ لقي الإجراء معارضة &في حينه وخاصة من سكان المدن، وصبروا حتى اعتادوا عليه &بل ربما اكتشفوا &بعض فوائده النسبية.

والمشكل بالنسبة للمغاربة أنهم يغيرون ساعاتهم مرتين في السنة بسبب &الصيام في شهر رمضان &حيث تعود عقارب الساعات &إلى التوقيت العالمي ( جرينتش) وهذا ما يسبب إزعاجا إضافيا وخاصة للتلاميذ الصغار نتيجة اضطراب مواعيد النوم &والاستيقاظ.

ولم ينطلق نقاش في المغرب &بخصوص هذا الموضوع بالنظر إلى أنه شأن أوروبي أكثر منه مغربي ، لكنه معني بدرجة ما، ذلك أن القرار النهائي متوقف على ما ستتخذه الدول الأوروبية &، علما أن الاتحاد الأوروبي سيترك الحرية لكل دولة لتعتمد التوقيت المناسب لها جغرافيا واقتصاديا &وتبعا لنمط العيش وأسلوب &تدبير وقتها .

وفي هذا السياق ، تعتقد نسبة مهمة جاوزت الستين في المائة من &العينة التي شاركت في استطلاع" إيلاف المغرب" أن بلادها ستجاري أوروبا في قرراها، بصورة من الصور ؛ فإن عادت الأولى إلى التوقيت الشتوي فإن المغرب سيكون ملزما بالتخلي عن الصيفي حتى لا تصبح المسافة الفارقة &بينهما ساعتين ؛وفي حالة &تفضيل أوروبا &التوقيت الصيفي &فإن المغرب سيكون مضطرا لتوديع التوقيت العالمي &والاحتفاظ بالصيفي ليظل الفارق ساعة مع &أوروبا .

ولم تنجز في المغرب &استطلاعات وبحوث ميدانية معمقة عن مزايا التوقيت المناسب للبلد وانعكاساته &النافعة &أو الضارة على الاقتصاد الوطني وكذا على المردود العام في بعض القطاعات &وضمنها التعليم . وإذا كانت قد أجريت الاستطلاعات ، فإن نتائجها لم تعلن على نطاق واسع، ولذلك يكتفي المغاربة بالتعبير عن انزعاجهم &من تغيير عقارب الساعة، لكنهم يستسلمون للأمر الواقع ،وهم غير متأكدين أو مصدقين أن التغيير له انعكاس إيجابي على حياتهم أولا وعلى الإنتاج وكلفة الطاقة .

وحيث إن القرار الأوروبي المنتظر سيكون الفيصل ، سألت &"إيلاف المغرب" متصفحيها أن كانوا يعتقدون أن بلادهم ستضبط ساعاتها وفق نظيراتها الأوروبية &؛ علما أن &"التبعية "في هذا المجال &لم يعد لها ما يبررها مثلما كان الأمر خلال العقود الأخيرة أي قبل أن تتطور المواصلات وسبل الاتصال الحديثة بالآخر مهما كانت الساعة &في الجهة الأخرى .

ان المعاملات التجارية &تستفيد في مجملها &من &خدمات &تكنولوجيا الاتصال ومنجزات &الثورة الرقمية &التي تتيح إبرام الصفقات والمناقصات &دون مراعاة الزمن الاعتيادي . وبعبارة أخرى، &التجارة هي المستفيدة &من العولمة &التي لا تعترف بالحدود والقيود والزمن؛ وبالتالي فقد &التوقيت الموحد الأهمية التي كانت له في الماضي ، وصار بإمكان رجال &المال والأعمال التفاوض فيما بينهم &وإبرام الصفقات الكبرى من مكاتبهم بالطائرات أو السفن &التي يمتطونها . نفس الأمر يمكن أن يقال عن تدخلهم في &البورصة وتتبع حركية &الاقتصاد العالمي.

وهذا التوجه سيتعزز في غضون السنوات وليس العقود المقبلة ، ما دام التطور العلمي يبهرنا كل يوم بالابتكارات.

ولأجل ذلك وبسببه، سيترك الاتحاد الأوروبي الحرية للدول الأعضاء لتختار التوقيت الأنسب لها والتعاطي مع أوضاعها الجغرافية ( شروق وغروب الشمس) يقينا من صناع القرار في بروكسيل ، أن الحرية في تدبير الوقت ، لن تضر بانسيابية العلاقات التجارية والإدارية وحتى السياسية والإنسانية بين أعضاء الأسرة الأوروبية .

قد يجد المغرب إن ساير أوروبا، نفسه &على نفس التوقيت مع دول المغرب العربي التي تزيد ساعة &على التوقيت العالمي &، ما يقلص المسافة الزمنية بينه وبين دول المشرق العربي ، خاصة وأن مصر تخلت عن التوقيت الصيفي بعد أن ثبت لديها أن سلبياته أكثر من الإيجابيات وأمام كثرة الشكاوى منه .

وعلى العموم فإن لأوروبا أكثر من مبرر لحل إشكالية الزمن بطريقتها ، وهي &تستعد لما هو آت ، حيث سيكون للمواطنين فيض من الوقت &لأن ساعات العمل في عدد من القطاعات ستتقلص ، وسيخلي العامل المكان "للروبوهات" &كما ستتغير العلاقات الاجتماعية تبعا لعلاقات الإنتاج &والاستهلاك.

لا بد في الأخير من الإشارة إلى أن 25 في المائة من &عينة استطلاع" إيلاف المغرب" أعربوا عن رأي مخالف ، مراهنين على أن بلادهم لن تكون مجبرة على &تدبير الوقت بنفس الكيفية الملائمة لأوروبا، فيما امتنع 12.5 في المائة عن الإدلاء برأي في الموضوع.