إيلاف من جدة: استحوذت اتفاقية توقيع تعزيز السلام بين اريتريا واثيوبيا التي ضمتها المملكة العربية السعودية في مدينة جدة الأحد الماضي على اهتمام واسع من قبل وسائل الإعلام المحلية والعالمية ومتابعات الخبراء المهتمين بشؤون المنطقة، اذ رعى هذه القمة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بحضور رئيسي الدولتين اسياسي افورقي ورئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد علي، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد.

وأعقب هذا الحدث بيوم واحد لقاء آخر تاريخي جمع بين الرئيس الجيبوتي والرئيس الإريتري افورقي بعد 11 عاما من القطيعة بين البلدين، ليكون هذا العمل التصالحي أولى الخطوات التي ستقود إصلاحات تعم ثلاث دول متجاورة.&

وفي اطار هذا الحدث الذي عقد في جدة أكد خبراء وكتاب على أهمية الإتفاقية التاريخية وتثمين استجابة رؤساء الدول الثلاث لدعوة العاهل السعودي الملك سلمان الى جانب انعكاسات هذا الصلح وابعاده الانسانية والثقافية والسياسية.&

وفي هذا السياق، أكد الخبير الاستراتيجي والسياسي الدكتور خالد باطرفي في تصريحه لـ(ايلاف) إلى أهمية هذا الاتفاق التاريخي الذي سعت الى تحقيقه الدبلوماسية السعودية والإماراتية بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بين زعماء الدولتين الشقيقتين، رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد علي، ورئيس إريتريا أسياس أفورقي، و برعاية من الملك سلمان بن عبدالعزيز وبحضور أمين عام الأمم المتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.

وأشار الخبير باطرفي الى جهود المملكة والإمارات التي أتت لحل الخلاف الممتد منذ التسعينات الميلادية بعد حرب استقلال إريتريا عن اثيوبيا عام ١٩٩١-١٩٩٢ ثم حرب ترسيم الحدود في عام ٢٠٠٠-٢٠٠٢ التي كلفت البلدين ٨٠ الف قتيلا ومئات آلاف الجرحى واللاجئين ومليارات الدولارات من الخسائر المادية. كما تسببت هذه الخلافات في تعطيل التنمية في البلدين وانعكست سلبا على الدول المجاورة كالسودان والصومال وجيبوتي

انعكاسات اتفاقية تعزيز السلام الأمنية&

ومن ناحية اخرى، قال (باطرفي) أن هذه الصراعات سمحت بقيام فراغ أمني كبير استغلته منظمات ارهابية كالقاعدة وداعش وحزب الله والحوثي، بدعم من دول راعية للإرهاب كإيران وقطر. ونظرًا لقرب هذه الدول من الجزيرة العربية ازدهرت تجارة البشر وتهريب السلاح والإرهابيين عبر باب المندب وجزر البحر الأحمر الى اليمن ومنها الى دول الخليج، وهزائم الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا ومصر أدت إلى مزيدا من التدفق على دول القرن الأفريقي. &

وأضاف الى أن الاتفاق سيفتح أبوابا واسعة للتعاون بين البلدين والدول المجاورة ودول الخليج لمحاربة الاٍرهاب وتأمين المنطقة على ضفتي البحر الأحمر وممراته المائية الدولية، اضافة الى تشجيع الاستثمارات الخليجية والدولية في هذه البلدان. كما من شأنه تشجيع التجارة بين الدولتين والدول &المطلة على البحر الأحمر، من خلال استخدام أثيوبيا بمينائي مصوع وعصب، المتوقع إعادة تأهيلهما وتحديثهما.

وأشار باطرفي في تصريحه الى أهمية القارة الأفريقية ووصفها - بأم - القارات، إذ يرى أنها غنية بثرواتها المعدنية والزراعية والسمكية والبشرية، التي أهملت في الماضي، وأشغلت الحروب والصراعات بلدانها عن تنميتها. واليوم، تتنافس الدول &الكبرى على الإستثمار فيها، والمشاركة في مشاريعها التنموية، الى جانب ارتباطها ثقافيا وجغرافيا وتاريخيا بالبلدان العربية أكثر من غيرها. ومن هنا يأتي اهتمام المملكة بتوثيق العلاقات معها، والعمل على حل مشاكلها، وتوفير البيئة &الآمنة للتعاون والإستثمار والتنمية.&

إدراك البلدين لخطر النزاع الطويل خطوة ايجابية&

من جانبه قال الكاتب الصحفي محمد المختار الفال لـ(ايلاف) بأن هذا الإتفاق ينهي مشكلة مزمنة معقدة اختلط فيها السياسي والإقتصادي والعسكري والإنساني بين بلدين متداخلين جغرافيا وسكانيا وثقافيا، وأن استمرار المشكلة فترة طويلة أرهق البلدين وزاد من التحديات التي يواجهانها، كما شجع الأطماع الخارجية على استغلال حال التنازع لزيادة التوتر في منطقة مهمة للإستقرار الإقليمي والعالمي، وأضاف ، بأن إنهاء هذا الصراع برعاية المملكة العربية السعودية، يمهد لإشراك الجيران وشركاء المصلحة في حلحلة الكثير من القضايا العالقة و يرفع ثقلا ضاغطا على قيادة البلدين ويفتح الأبواب لحل المشكلات الثنائية بين البلدين كما يمهد الطريق لتفاهمات تسهل تقريب وجهات النظر حول قضايا أمنية واقتصادية وعسكرية.

واردف (الفال) في حديثه بأن اتفاقية تعزيز السلام التي ضمتها السعودية تسجل لقيادة البلدين إدراكها في هذه الظروف، لمخاطر استمرار هذا النزاع الطويل الذي ضاعف من متاعب شعوبهما ودفع إلى تعطيل الكثير من جهود التنمية واستثمار العلاقات التاريخية والاستراتيجية مع دول المنطقة. كما يرى في أن رعاية الملك سلمان بن عبد العزيز لهذا الحدث التاريخي سيعطيه قوة ومناعة ضد التقلبات ويمكنه من ترجمة بنوده وأهدافه على أرض الواقع لما للمملكة من ثقل سياسي واقتصادي وعسكري وأمني، وتأثير إقليمي قادر على خلق أجواء مساندة لرغبة الدولتين في إنهاء كل المشكلات العالقة.

وأشار الكاتب محمد الفال في تصريحه الى أهمية هذا الإتفاق وانعكاساته الإيجابية على البلدين،، وقال بأن القرن الإفريقي منطقة بالغة الاهمية لأنها تربط شرق القارة بجيرانها في الجزيرة العربية وتطل على شريان مائي بالغ الاهمية للملاحة الدولية، وأن اثيوبيا، دولة ينبع من أرضها نهر النيل ، واصفا اياه بشريان الحياة الذي يتحكم في اقتصاديات كل دول النهر ، ويرى الكاتب أن أهمية المنطقة ازدادت بعد النزاعات في المنطقة وتنافس الدول الكبرى والإقليمية على التحكم في الممر المائي الدولي، فبدأ السباق على بناء القواعد العسكرية والتنافس على الشراكات الإقتصادية ومد النفوذ ، وهو مايجعل استقرار هذه المنطقة أو التقليل من توتراتها يحقق مصالح تتجاوز البلدين المتنازعين، كما أن التوتر سيمكن الدولتين من معالجة علاقاتهما مع الخارج دون ضغوط الحرب وهو ماتتطلع اليه مصلحة الجميع - على حد تعبيره -&

علاقة تاريخية بالجزيرة العربية&

وأوضح الكاتب (الفال) بأن الشعوب الاثيوبية الاريتيرية تربطها صلات تاريخية بشرية مع الجزيرة العربية ولها علاقة خاصة مع المملكة العربية السعودية لأسباب دينية واقتصادية وأمنية وثقافية، وكانت القيادة السعودية ، على مر الزمن، تولي هذه المنطقة اهتماما كبيرا و تنظر إليها &نظرة تؤكد القناعة بأهمية استقرارها وتنمية أرضها &وتخفيف الاعباء على أهلها، &وقد عملت على تقديم الدعم والمساندة التي تمكن القيادة في البلدين من تحقيق مصالحها الوطنية دون التدخل في شؤونها الداخلية ، وهذا الإتفاق التاريخي الذي رعته القيادة السعودية يأتي في هذا السياق القديم الجديد، كما يتوقع الفال ان تزيد وتيرة تبادل المنافع بين البلدين والمملكة العربية السعودية ويبشر بمرحلة جديدة تستثمر أجواء السلام والثقة المتبادلة لتتحرك رؤوس الأموال إلى الاسوق الإثيوبية الإريترية وما يصاحبها من حركة مالية وبشرية إلى جانب زيادة التبادل الثقافي والتنسيق السياسي والعمل الامني المشترك الذي يهدف إلى دفع القلاقل والاضطرابات عن المنطقة.

وأردف، أن تتويج عملية السلام بين البلدين ، برعاية القيادة السعودية يشير إلى أن إنهاء نزاع جاء بعد جهود كبرى عملت على توفير الضمانات &الكافية لصمود الإتفاق وخلق الأجواء الكفيلة بالمساعدة على تطوير آلياته لبلوغ الهدف وتجاوز كل العقبات، وأن القيادة السعودية عُرفت، بالعمل على حل مشكلات الأشقاء والأصدقاء بما يحقق المصالح المشتركة دون التحيز لطرف على آخر وهذا اكسبها ثقة المتحاكمين إليها، مؤكدا على أن إتفاق جدة التاريخي ، برعاية القيادة السعودية، &يختلف عما سبقه من إتفاقيات لم تستوعب كل المشكلات ولم يتوفر لها الضامن الموثوق به الذي يساعد على تجاوز مرحلة الشروع في تنفيذ الإتفاق بكل ما يكتنفه من عراقيل وصعوبات.

ولفت الكاتب الى ان العلاقة بين السعودية والدولتين الإثيوبية الإريترية كانت ، وما زالت ، جيدة تقوم على الفهم والتفاهم وتبادل المصالح والعمل المشترك في إطار المسؤولية الاقليمية والدولية، مؤكدا بأن هذه الإتفاقية ، بأهميتها سيكون لها تأثيرها الإيجابي على العلاقة بين المملكة وهاتين الدولتين في المجالات المختلفة، مشيرا إلى أهمية التنسيق الأمني والعمل المشترك &في هذه المرحلة لإيقاف الانشطة المزعزعة للأمن والاستقرار وإشعال الحروب ، وان ذلك سيسهم دور المملكة وعلاقاتها الطيبة مع الدولتين في مساعتهما على علاج القضايا المختلف حولها مع الجيران.

ويختم الكاتب السعودي محمد الفال تصريحه لـ(ايلاف) بقراءة تأثير إتفاقية جدة لتعزيز السلام بوصفها بأنها ذات تأثير إيجابي سيتجاوز الدولتين إلى واقع الإقليم كله وإن كان من المفهوم أن تغير واقع العلاقات بين الدول يحتاج إلى سلسلة من الترتيبات ليكون طبيعيا معبرا عن إرادتهما ويملك من القوة ما يمكنه من الصمود والإستمرار.&

يذكر، أن رئيس الوزراء الأثيوبي آبي احمد قد أعلن في يوليو الماضي سحب قوات بلاده من الحدود مع ارتريا، وقيام الأخيرة بالمثل، وأعادت الدولتان فتح الحدود البرية للمرة الأولى منذ ٢٠ عاماً، الى جانب إعادة افتتاح السفارات في البلدين ضمن اجراءات من شأنها ازالة التوتر المزمن في العلاقات بين البلدين.&