إيلاف من نيويورك: لم يكن اشد خصوم الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، وكبير مساعديه السابق ستيفن بانون، يتوقع اندلاع الحرب الكلامية بين الرجلين بهذه الطريقة.

وبلا ادنى شك فإن إنطلاقة عام 2018 حملت في طيّاتها مفاجأة كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية بطلها الرئيس ومساعده، مما يطرح تساؤلات كبيرة حول مستقبل رئاسة ترمب وخارطة تحالفاته على أبواب انتخابات نصفية قد ترسم ملامح النصف الثاني من عهد الرئيس.

وقبل أكثر من عام بقليل، خرجت أصوات أميركية تعترض على اختيار ترمب لبانون من اجل شغل منصب كبير مساعديه الاستراتيجيين، يومها صم الرئيس اذنيه عن سماع الإعتراضات التي تناولت معاداة بانون للسامية، وللمسلمين، والمهاجرين.

 صانع الرئيس

الصحافة الأميركية والعالمية وصفت بانون بصانع الرئيس والرجل الذي ساهم في إيصال ترمب الى الرئاسة بفضل الخطط التي كان يرسمها، ومن جهته، كان كبير مساعدي ترمب السابق يستمتع بقراءة ما يُكتب عنه، ولكن هذا الأمر لم يرُق للرئيس الذي حاول منذ ابريل 2016 التقليل من شأن دور مساعده في الانتخابات.

خرج بانون خالي الوفاض من الإدارة في اغسطس 2016، وعاد الى بيته القديم بريتبارت للإشراف على شؤونه ليعلن الحرب بداية ضد المؤسسة الجمهورية وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل الذي اتهمه بمحاولة تدمير رئاسة ترمب واعاقة تنفيذ أجندته التشريعية.

قيادة عمليات ترمب من الخارج

في الفترة التي تلت خروجه، حاول بانون ومعه نائبه سيبستيان غوركا الإيحاء بأن خروجهما من الإدارة هدف الى مساعدة ترمب من الخارج وذلك وفق متفق عليها مع الأخير، فصب موقع بريتبارت غضبه على ماكونيل وحلفائه، ولكن مع مرور الأيام بدأ التصويب اكثر فأكثر على جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي، وأعطت الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في الاباما فرصة كبيرة لبانون لاستعراض عضلاته، والقول إن جماهير التيار المحافظ تخضع لإمرته في البلاد، بعدما تمكن روي مور مرشحه من هزيمة مرشح ترمب والمؤسسة الجمهورية، لوثر سترينج.

 كوشنر تحت القنص

بعد انتصاره في الاباما، لم يترك بانون مناسبة الا وأشاد بالرئيس الأميركي رغم التسريبات الصحفية المنقولة عن مقربين منه والتي كانت تتحدث عن ان بانون يتوقع مستقبلا اسود للرئيس، وبمقابل الإشادة بترمب كان موقع بريتبارت ووسائل اعلام المحافظين يوجه انتقادات كبيرة الى جاريد كوشنر وزوجته ايفانكا ترمب.

من جهته، كان ترمب يدافع عن سياسة بانون خصوصا تلك المتعلقة بانتقاد زعيم الأكثرية ميتش ماكونيل، ولم يجد الرئيس حرجا في التنويه بكبير مساعديه السابق في حديث الى الصحافة وكان يقف على مقربة منه ماكونيل نفسه الذي كان تحت نار موقع بريتبارت.

 إنقلاب الاوضاع

وبين الثاني عشر من ديسمبر الماضي والواحد والعشرين منه، انقلبت أوضاع بانون بشكل رهيب، فخسر روي مور في انتخابات الاباما العامة لمصلحة دوغ جونز الذي دخل الولاية الحمراء فاتحا بصفته الديمقراطي الذي تمكن من اعادة حزبه لتمثيل الولاية بمجلس الشيوخ للمرة الأولى منذ 25 عامًا، وجاء حديثه لفانيتي فير وهجومه على الثنائي ايفانكا وجاريد وتحميل الأخير مسؤولية اللقاءات مع مسؤولين روس خلال الحملة الانتخابية ليطرح تساؤلات كبيرة حول غايته من طرح هذا الملف الى العلن بظل سعي المحقق الخاص، روبرت مولر الى تضييق الخناق على ترمب وعائلته.

نار وغضب في واشنطن

وكي تكتمل الاثارة اكثر، إستهدف بانون، دونالد ترمب جونيور على خلفية لقائه بمحامية روسية خلال الحملة الرئاسية في 2016 واصفا هذا اللقاء (حضره كوشنر وبول مانافورت) بأنه "خيانة" و"غير وطني"، بحسب ما نقل عنه مايكل ولف في كتابه الذي حمل عنوان "نار وغضب: داخل بيت ترمب الابيض"، وذهب ابعد من ذلك عندما قال "سيكسرون دون جونيور مثل بيضة على التلفزيون الوطني".، وكذلك لم يوفر في تصريحاته الجديدة جاريد كوشنر ودوره.

واستخدمت وسائل اعلام أميركية وعالمية، المثل الشهير (he throw him under the bus) لتوصيف الواقع فترمب وبانون تبادلا الطعنات بشكل علني، وخرج الرئيس في تصريح ليقول إن لا فضل لبانون على نجاحه، وبان طرده من البيت الأبيض لم يفقده وظيفته فقط بل عقله أيضا، محملا إياه مسؤولية فقدان مقعد الاباما في مجلس الشيوخ، وتسريب الاخبار الوهمية الى وسائل الاعلام لكي يظهر بمظهر الرجل المؤثر في البيت الأبيض.

 القادم أصعب

ماذا بعد؟، من دون ادنى شك سيشكل تاريخ الثالث من يناير محطة فاصلة في رئاسة ترمب، فالأخير خسر بانون ولكن بالمقابل فتح باب التحالف الوثيق مع اقطاب المؤسسة الجمهورية (ماكونيل والتقليديين) الذين يدركون اكثر من غيرهم ان الفرصة متاحة للتعاون مع الرئيس بقوة ولكن وفق شروطهم فالرئيس حاليا يُدرك اكثر من غيره حاجته الى الجمهوريين في الكونغرس، فروبرت مولر سيستعين ببانون ومايكل فلين لقرع أبواب البيت الأبيض تمهيدا لتوجيه الاتهامات الى جاريد كوشنر، وربما نجل ترمب، وعلى الجانب الاخر، وصل بانون الى قناعة مفادها ان عودته الى الإدارة مستحيلة بينما لا يزال خصمه اللدود كوشنر يسرح ويمرح في البيت الأبيض، ولذلك اعلن الحرب على الجميع لخلط الأوراق وقيادة التيار المحافظ الى الانتخابات النصفية أولا، ولما لا الترشح للرئاسة عام 2020.