الرباط: أكد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، أن الحكومة سارعت إلى فتح قنوات الحوار على عدة مستويات مع السكان مدينة جرادة المنجمية شرق المغرب، حول مطالبهم، وذلك منذ وفاة شابين شقيقين في حادث انهيار منجم مهجور لاستخراج الفحم الحجري يوم 23 ديسمبر الماضي. وعرفت المدينة المنجمية سلسلة من الاحتجاجات السلمية خلال الايام العشرة الماضية شارك فيها الآلاف من سكان المدينة والقرى المجاورة، والذين رفعوا خلالها مطالب اجتماعية واقتصادية.

وقال العثماني، صباح اليوم في افتتاحه لاجتماع المجلس الحكومي بالرباط،إن السلطات الترابية وممثلي القطاعات الحكومية دخلوا في حوار مع المحتجين، كما أشار إلى أنه أرسل وزير الطاقة والمعادن على رأس وفد مهم إلى جرادة حيث عقد خلال يوم الأربعاء اجتماعات مع المنتخبين وممثلي الأحزاب السياسية و"ممثلي شباب جرادة"، في إشارة إلى المحتجين. وأكد أن الحكومة تدرس مطالب السكان.

وأضاف العثماني "يجب أن نعترف أن هناك مناطق، بحكم ظروف تاريخية وبحكم ظروف أخرى، لا تعيش تطورا اقتصاديا على غرار مناطق أخرى". وعبر عن الأسف لكون هذه المناطق "تأخرت في الاستفادة من ثمار التنمية في بلادنا"، وقال "إن هذه أمور نقولها وواعون بها، وهي مناطق تحتاج إلى مزيد من الاهتمام، وهذا ما سيتم في جرادة من خلال العمل على تنفيذ وعود تنموية سابقة لم تجد طريقها كاملة إلى الواقع، أو من خلال تنفيذ خطط وبرامج تنموية جديدة، ليستطيع أبناء هذه المنطقة من أن يجدوا الشغل وإمكانيات العمل والعيش الكريم".

وتعاني مدينة جرادة من الكساد منذ توقيف نشاط مناجم الفحم قبل عشر سنوات، والتي شكلت النواة الأولى التي تأسست حولها المدينة خلال عقد العشرينيات من القرن الماضي. ورغم توقف "شركة مفاحم جرادة" ظل الفحم الحجري يشكل مصدرا أساسيا للدخل بالنسبة للسكان، من خلال استغلال تقليدي وعشوائي، نتجت عنه العديد من المآسي. فكل صباح يتجه شباب المدينة إلى الآبار التي حفروها، والتي يصل عمق بعضها عشرات الأمتار، لاستخراج الفحم بأدوات ووسائل بسيطة، رغم المخاطر الكبيرة والقاتلة المحيطة بهذا النشاط،من قبيل انهيار جدران الآبار التي أودت بحياة العديد منهم، أو التعرض لغبار المناجم الذي أصاب العديدين بمرض السيليكوز. ويضطر المنجميون الذين يشتغلون في ظل هذه الظروف إلى بيع منتوجهم اليومي بثمن بخس لمجموعة من أصحاب المخازن الذين يتولون تجميع المنتوج وتسويقه. وشكل مقتل شابين شقيقين يوم 23 ديسمبر الماضي في أحد الآبار بسبب اكتساح المياه الجوفية النقطة التي أفاضت الكأس وأطلقت شرارة الإحتجاجات.

وتسارع الحكومة الزمن لتطويق احتجاجات جرادة، التي تتميز بكونها مدينة عمالية تشكلت حول المناجم ولدى سكانها تاريخ طويل في المجال النقابي. وخلال لقائه مع ممثلي المحتجين والأحزاب والنقابات والمنتخبين بالمدينة حاول عزيز الرباح، وزير الطاقة والمعادن، الذي أوفده رئيس الحكومة لمحاورة السكان، أن يطمئن محاوريه مع إلتزام خطاب واقعي. وصرح أن الحكومة عازمة على تحقيق مجموعة من المطالب المستعجلة للسكان في حدود الممكن، متعهدا أن المطالب التي تتطلب وقتا وإجراءات سيتم تدارسها من طرف القطاعات الحكومية المتخصصة وتقديم أجوبة لها في أقرب الآجال. 

في غضون ذلك، سلطت الوفاة المأساوية للشابين الشقيقين في منجم لاستخراج الفحم بجرادة الضوء على إشكالية سوء استغلال التراخيص المعدنية في المغرب. وأعلنت الحكومة عن حملة تطهير في القطاع أسفرت عن إلغاء 1400 ترخيص لعدة أسباب، منها "عدم التزام أصحابها بالشروط القانونية الواردة في دفاتر التحملات أو عدم احترام مساطر الترخيص أو عدم احترام حقوق اليد العاملة"، على حد قول العثماني الذي أضاف "هذا ليس شيئا بسيطا، بل هو ورش انطلق ولن نوقفه، بل سنسير فيه تدريجيا".

ومقابل إلغاء رخص لم يحترم أصحابها الشروط القانونية، كشف رئيس الحكومة عن منح رخص لمن يمكنهم استغلالها وفق القانون وفي احترام تام لحقوق اليد العاملة. وقال "سنحرص على هذه الأمور في جرادة ، وفي غيرها من المناطق علما أنه كانت هناك بعض الوعود بإعطاء رخص جديدة بجرادة أو إيجاد وسائل كدمج البعد الاجتماعي بالبعد الاقتصادي من خلال انشاء تعاونيات خاصة بمستخرجي المعادن، فهذه من الحلول المطروحة وغيرها من الحلول الأخرى التي سننكب عليها، في تواصل مستمر مع المواطنين والاستماع إليهم وفاء لشعارنا: الإنصات والإنجاز".