الرباط: تحتل مواقع التواصل الاجتماعي حيزا مهما من الحياة اليومية للمواطنين المغاربة يصل حد الإدمان عليها، و هو ما يؤثر بشكل ملفت على الروابط الأسرية، بسبب ضعف التواصل بين الآباء والأبناء، وكذا مختلف الأفراد في الأسرة الواحدة.

ويخلف هذا النوع من الإدمان آثارا نفسية وجسدية على المدمن، تشمل الخمول الجسدي وقلة الحركة والصداع والشعور الدائم بالتوتر والتعب خصوصا عند انقطاع الإنترنت، إضافة إلى حب الوحدة والتشبث بالرأي والهروب من مواجهة المجتمع الواقعي.

أهمية مواقع التواصل الاجتماعي

ترى سناء، 28 سنة ،موظفة، أنه لا مجال للاستغناء عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، عن طريق نشر تدوينات وصور، إضافة إلى التفاعل مع الأصدقاء والأهل، وتبادل الأفكار والآراء مع الآخرين، فضلا عن كونها أداة أساسية خاصة في الشق الإخباري، بتوفيرها لأحدث المستجدات الحاصلة على الساحة الوطنية والدولية من خلال ما ينشره رواد هذه المواقع خاصة " فيسبوك" .

بالنسبة لسناء، فوجود الإنترنيت في الهواتف الذكية يجعل الفرد منجذبا بشكل لا إرادي لاستخدام مواقع التواصل بشكل مفرط، تضيف بامتعاض شديد" و هو ما نلاحظه بشكل يومي في مختلف وسائل النقل، حيث تبدو الأغلبية من الناس خاصة فئتي المراهقين والشباب مشدودة بطريقة ملفتة نحو هواتفها".

السلبيات

مكنت مواقع التواصل من تأسيس عالم جديد يجمع مختلف الشرائح الاجتماعية، خاصة أن الشبكة العنكبوتية جعلت مرتاديها متقاربين وكأنهم يعيشون في مكان مشترك يؤلف بينهم، وتوجد به مميزات ضمن أخرى لا تخلو من سلبيات وجوانب مظلمة، قد لا تبدو آثارها بارزة للعيان.

ويقول عبد الله، 43 سنة، عامل"ما يعاب على المستخدمين هو المبالغة في استعمالها بشكل يصل لحد الإدمان، مما يبعث على القلق بشكل كبير.سابقا، كنا نرى أفراد الأسرة الواحدة مجتمعين حول مائدة الطعام، يتناقشون ويتجاذبون أطراف الحديث، أما حاليا، فقد عملت هاته المواقع على تفرقتهم بشكل تدريجي، بحيث نجد الصمت المطبق داخل المنزل على الرغم من وجود العائلة مجتمعة، حيث ينزوي كل شخص في ركن خاص متجاهلا البقية".

تفكك أسري

يرى البعض أن المشكل لا يكمن في وسائل التواصل الاجتماعي بل في الأشخاص بالأساس، والذين لا يراعون أنها تؤثر بشكل مباشر على حالتهم الصحية وعلاقاتهم الاجتماعية.

وتقول سعاد "التفكك الأسري لم يعد مقتصرا على حدوث مشاكل تواصلية بل أضحى مرتبطا في وقتنا الراهن بالطريقة التي يستخدم بها المغاربة هاته الوسائط، أعاني شخصيا من هذا الأمر الذي أضحى يزعجني داخل محيط العائلة، فكلما اجتمعنا في مناسبات عائلية لتقاسم بعض اللحظات الحميمية بيننا، أجدهم منهمكين في تتبع ما ينشر عبر الفيس والتويتر وغيرها"، توضح سعاد، ربة بيت، بنبرة لا تخلو من عصبية.

و تعتبر أن الهواتف الذكية بمختلف الخاصيات التي توفرها أصبحت تساهم في إذكاء هذا الأمر، لكونها لا تفارق أنامل مستعمليها الذين يصبحون مجبرين بطريقة غريبة على الانجذاب نحوها، تضيف بابتسامة عريضة"كنا مرتاحين في السابق مع الهواتف القديمة، حيث لم يكن الأمر يتجاوز الاتصال هاتفيا وتبادل الرسائل النصية، أحيانا أحس بوجود فرد آخر داخل العائلة، يفرض علينا رعايته والاطمئنان عليه في كل حين".

الفيسبوك: حزب مغربي

كشفت دراسة حديثة أن حوالي نصف سكان المغرب يستخدمون الشبكة العنكبوتية، أي حوالي الـ15 مليون شخص، 53% منهم يرتبطون بالإنترنت بطريقة يومية و35 %على الأقل مرة في الأسبوع، وذلك وفق ما أصدرته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، والتي اعتبرت أن الولوج إلى شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك، يعد أول استخدام للإنترنت عند المغاربة، الشيء الذي دفع البعض إلى اعتباره أكبر حزب مغربي من حيث عدد المنخرطين.

وأوردت إحصائيات الوكالة أن حوالي 39% من الأسر المغربية تتوفر على وسيلة للولوج إلى الإنترنت، أغلبها تستخدم تقنية الجيل الثالث لدخول شبكة الإنترنت، في حين تستخدم العائلات الأخرى خط الإنترنت الثابت. وأوضحت نتائج البحث أن 43% من الأسر تتوفر على حاسوب، بينما الأسر التي تتوفر على أكثر من جهاز بلغت نسبتها 31%، مشيرة إلى أن الحاسوب المحمول يسجل حضورا متناميا داخل الأسر، وذكرت أن موقع فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي تستقطب 86% من بين مستخدمي الإنترنت، كما يهتم المغاربة أيضاً بتحميل الأغاني وخدمات الرسائل الفورية ورسائل البريد الإلكتروني.

حرب جديدة

وحول العوامل المباشرة التي تجعل المواطنين بالمغرب يدمنون على مواقع التواصل الاجتماعي، يصف هشام العفو، استشاري و مرافق نفسي وتربوي ، الأمر بحرب جديدة تقودها الآلة ضد الإنسان بعدما قام بنفسه ببرمجتها، ولو أن هذه النظرة الجدلية قد تبدو غريبة، إلا أنها تعكس جانبا من الواقع الذي أصبح يعيشه الإنسان الذي تحول من فرد عادي مفكر وعاقل إلى كائن افتراضي توهمي.

واضاف قائلا " قد تدفعه الكثير من الأسباب للغرق في العالم الافتراضي و الاندماج الكبير فيه، وأهمها الحرمان العاطفي و الصعوبات النفسية، وضعف الثقة في النفس إضافة الى سوء العلاقة بين الشباب حاليا و أسرهم، ثم ثقافتهم التي أصبحت بمثابة موضة متجاوزة لا تتناسب و حاجياتهم. ويمكن اعتبار النموذج الاستهلاكي الذي دخل فيه العالم خصوصا البلدان النامية، من أبرز العوامل و الأسباب التي أغرقت الشباب خصوصا في خيوط الشبكات الاجتماعية بداعي التواصل".

الجانب النفسي

ويعتبر العفو أن أول ما يمكن أن يتضرر في الفرد هو الجانب النفسي، بحكم التفاعلات الكثيرة التي تدخل فيها النفس من خلال العلاقات الافتراضية والإشاعات، وكثرة الأخبار الكاذبة التي تعتمد على استدراج رواد الشبكة للبحث عن نقرات مقابل قصص مفبركة أو مبالغ فيها بشكل كبير، ويكون لهذه الأمور انعكاسات خطيرة على الجانب النفسي و الوجداني، حيث يدخل الفرد في دوامة انفعالية غير عادية، ويصبح أسير تلك الإحساسات السلبية، وهذا ينعكس على توازنه النفسي أيضا، تتجلى في شكل سلوكيات غير سوية، أو أمراض عضوية.

ويشرح الاستشاري النفسي قائلا "دائرة الضرر تتسع لتشمل أيضا الروابط الأسرية التي كان لها نصيب كبير و أثر بالغ على البنية العلائقية و العاطفية أيضا، فقد اخترقت الشبكات الافتراضية حصن الأسرة ، ودمرت أواصرها وشتت كل الأركان التي كانت تقف عليها، وأصبحت الكثير من الأسر تبكي على ذكرياتها أكثر مما تبحث عن حلول، أو تعمل على تعويض الضرر الذي لحقها. و الغريب أيضا أن هذا الإدمان لم يعد محصورا في الأبناء، فقط بل تعداه الى الأمهات و الآباء أيضا، لتصبح الأسرة مجرد عدد من الأفراد تحت مكان أو فضاء بدأ يفتقد للحميمية، ولم تسلم حتى العلاقات الاجتماعية من هذه العدوى".