بيروت: يعاني عشرات الآلاف من السوريين في مناطق تمكنت القوات الحكومية من السيطرة عليها خلال العام الحالي، من نقص في المساعدات الانسانية، جراء عجز المنظمات الدولية والاغاثية عن الوصول اليهم.

ومع انتقال مناطق عدة الى أيدي القوات الحكومية، اضطرت منظمات الاغاثة الدولية الى وقف تقديم المساعدات نتيجة عدم حيازتها على موافقة دمشق للعمل في نطاق سيطرتها. وحرم ذلك المدنيين الأكثر هشاشة من الاستفادة منها في ظل ظروف معيشية صعبة.

تقول المتحدثة باسم منظمة كير الدولية في سوريا جويل بسول لوكالة فرانس برس "بالمجمل، تأثر عشرات الآلاف من الناس جراء وقف المساعدات الانسانية". توضح "عندما نتوقف عن العمل، فهذا يعني أن شركاءنا أيضاً قد توقفوا عن العمل" لافتة الى أنّهم وفرق عملهم "خشية من التوقيف أو الاعتقال، إما غادرا المنطقة أو ما زالوا فيها لكنهم لم يصرحوا عن عملهم".

ومع مرور أكثر من سبع سنوات على اندلاع النزاع في سوريا، لا يزال أكثر من 13 مليون شخص في أنحاء سوريا بحاجة الى مساعدات انسانية، وفق الأمم المتحدة.

خلال سنوات الحرب، تم تقديم المساعدات الى ملايين السوريين عبر قناتين رئيستين: الأولى في دمشق، حيث عملت الأمم المتحدة وشركاؤها على إيصال المساعدات بعد الحصول على موافقات حكومية. والثانية في تركيا والأردن، اللتين شكلتا مقراً لمنظمات انسانية عملت على تقديم المساعدات الى المدنيين في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة من دون حيازة موافقة من دمشق.

تجمّد عمل المسار الثاني في المحافظات التي تقدمت اليها قوات النظام منذ أبريل، بعد هجمات واسعة أعقبها اتفاقات اجلاء لعشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين المعارضين الى الشمال السوري. وخسرت الفصائل المعارضة العام الحالي أبرز معاقلها في الغوطة الشرقية قرب دمشق وريف حمص الشمالي (وسط) ومحافظتي درعا والقنيطرة جنوباً.

لا يُسمح لنا بالعمل
يقول محمد الزعبي (29 عاماً) المقيم في بلدة المسيفرة في درعا لفرانس برس "توقفت كل المساعدات التي اعتادت المنظمات الدولية على تقديمها الى الجنوب بشكل كامل". يضيف "لم نكن نعلم أنها ستتوقف. حالياً هناك نقص في الطحين والامدادات الطبية والمستشفيات (الميدانية) عموماً أقفلت أبوابها بعد النقاط الطبية والعيادات الميدانية ما يؤثر سلباً" على السكان.

بحسب الأمم المتحدة، دخلت 66 شاحنة مساعدات الى الجنوب عبر الأردن خلال يونيو، فيما لم تدخل أي شاحنة في الشهر اللاحق مع سيطرة القوات الحكومية على المنطقة. وتبدو المنظمات الدولية اليوم عاجزة عن مواصلة عملها مع سيطرة قوات النظام على نحو ثلثي مساحة البلاد وفرار غالبية شركائها المحليين، وحاجتها الى موافقة مسبقة من دمشق، لم تكن بحاجة اليها خلال السنوات الماضية.

وتؤكد لجنة الانقاذ الدولية وسايف ذي شيلدرن ومرسي كور، أنها أوقفت برامج مساعدة لعشرات الآلاف من السكان في مناطق تمكنت قوات النظام من السيطرة عليها.

وتقول مديرة لجنة الانقاذ الدولية في سوريا لورين برامويل لفرانس برس "لا يُسمح لنا حالياً بالعمل في مناطق سيطرة الحكومة" بعدما تمكنت في العام 2017 من الوصول الى 300 ألف شخص في جنوب سوريا ودعم ست عيادات في الغوطة الشرقية.

تنتظر مؤسسة جفرا التي دأبت خلال سنوات على تقديم المساعدات الى اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك في جنوب دمشق، الرد على طلب تقدمت به الى السلطات لاستئناف عملها. ويؤكد مديرها وسام سباعنة لفرانس برس أن "الناس يبقون هم ذاتهم (في تلك المناطق). احتياجاتهم هي ذاتها لا بل ازدادت سوءاً".

وسيطرت القوات الحكومية في مايو على المخيم بعد طرد تنظيم الدولة الاسلامية منه. وتحول خلال سنوات النزاع رمزاً لمعاناة المدنيين وللحصار الخانق. ويخلو المخيم من قاطنيه حالياً بعد تعرضه لدمار كبير.

في مدينة تلبيسة في ريف حمص الشمالي، يشكو سامي (20 عاماً) من عدم وجود أي مرفق طبي. ويقول "قبل مجيء النظام، كان مستشفى واحد وثلاث نقاط طبية قيد الخدمة، لكنها حالياً أقفلت كلها كونها تحتاج ترخيصاً من الوزارات" المعنية.

وصول "مقيّد"&
يقتصر تقديم المساعدات حالياً في المناطق التي استعادتها قوات النظام على الهلال الأحمر العربي السوري ومنظمات محلية شريكة. ويُناط تقديم الخدمات الطبية بالمستشفيات الحكومية، في حال وجودها، والمستوصفات التابعة لها أو لمنظمات مرخصة.

لكن العديد من السكان يقولون إن المساعدات التي يتلقوها لا تغطي كامل احتياجاتهم مقارنة مع ما قدمته المنظمات الدولية سابقاً. ويخشى بعضهم التوجه الى مرافق حكومية بعدما عاشوا لسنوات تحت سيطرة الفصائل المعارضة.

وأقرّت الأمم المتحدة في أغسطس من أن "ايصال المساعدات الانسانية الى مناطق شهدت تبدلاً في السيطرة عليها لا يزال مقيداً".
ويمنع ذلك "الاستجابة في الوقت المناسب للاحتياجات الانسانية التي تبقى بمعظمها حادة بعد عبء العيش تحت الحصار لفترة طويلة".

وانخفض عدد السوريين الذين يعيشون تحت الحصار من 900 ألف في العام 2016 الى صفر حالياً. ويقتصر نشاط المنظمات الدولية حالياً على محافظة ادلب (شمال غرب) التي لوّحت دمشق على مدى أسابيع بشن هجوم عليها قبل توصل روسيا وتركيا الى اتفاق جنب المنطقة الخيار العسكري.

ومع تكرار السلطات السورية عزمها استعادة السيطرة على كامل المناطق خارج سيطرتها، تجد المنظمات الدولية نفسها أمام تحدّ كبير. ويقول مدير منظمة ميرسي كور في سوريا أرنو كيمان "السؤال الذي أطرحه على نفسي اليوم: هل سنرى تحسناً في إمكانية الوصول خلال الأشهر المقبلة، بعدما باتت الحكومة غير معرضة لأي تهديد وجودي وتكاد تربح الحرب عسكرياً؟".

ورداً على سؤال عما إذا كانت منظمته على تواصل مع الحكومة السورية لاستئناف عملها في سوريا يجيب "نعم، على غرار معظم المنظمات الانسانية الكبرى، الجميع يحاول".&
&