إيلاف من دبي: ما كانت إرادة العرب السياسية غائبة دائمًا ولا عاجزة دائمًا عن مواجهة التحديات أمام النظام العربي. فهذه الإرادة كانت موجودة فى لحظات تاريخية معينة، كما أن أزمة النظام العربي لا تكمن فى غياب هذه الإرادة السياسية، وإنما فى عجز الجامعة العربية عن التمتع بقوة دائمة تؤمن التأقلم مع أوضاع إقليمية وعالمية متغيرة. فجامعة الدول العربية اليوم هي نسخة لعصبة الامم التي أجهضتها الحرب العالمية الثانية، وقامت من أنقاضها هيئة الأمم المتحدة.

في استفتائها الأسبوعي، سألت "إيلاف" قراءها: "هل تراجع دور جامعة الدول العربية في القضايا المصيرية للعرب؟". كانت الـ"نعم" غالبةً بكل المقاييس، بنسبة 93 في المئة (688 صوتًا من أصل 743 مشاركًا)، في مقابل "لا" هزيلة، بنسبة سبعة في المئة (55 صوتًا) فقط.

ليست هذه النتيجة مفاجئة، فأي نظرة سريعة على سلوك الجامعة العربية كهيكل وحدوي عربي حيال الأزمات المتعددة التي مر بها العرب تنبئ سريعًا بعجز كلي، وبتراجع دور الجامعة في القضايا المصيرية العربية.

لا إرادة مشتركة

يقول الباحثان محمد ربيع محرم الديهي وهاني محمد عبد الرسول، في بحث موسع بعنوان "دور جامعة الدول العربية فى حل القضايا السياسية والاقتصادي"، إن المشكلة الأساسية تتمثل فى التهرب العربي من مواجهة الحقيقة التي تقف خلف ضعف العمل العربي المشترك، وهي المتمثلة في غياب الإرادة العربية المشتركة.

وبرأيهما، نالت جامعة الدول العربية بقدر لا بأس به من حالة الغضب العربي، حتى قبل اندلاع الثورات العربية والانتفاضات، "إذ نظرت إليها الكثير من الشعوب العربية على أنها منظمة حكومات، تعكس في عجزها عجز الحكومات أيضًا، خصوصًا مواقفها مع الحكومة السورية، هذا الموقف الذي جعل الكثير من الباحثين والصحافيين ومفكري السياسة في أكثر من بلد عربي ينددون بعجز الجامعة في حماية الشعوب ضد قمع الحكومات المستبدة".

يطرح الديهي وعبد الرسول فكرةً إصلاحيةً، "فعملية إعادة بناء جامعة الدول العربية وإصلاحها وتطويرها تستدعي فى جانبها الهيكلي التركيز على المواءمة المطلوبة مع معطيات الواقع العربي والدولي، وعلى الجانب الوظيفي ومن ثم فإن نقطة البدء فى التطوير والإصلاح قد تتمثل فى ضرورة تحديد بعض المجالات التي ليست مجالًا للخلاف بين الدول الأعضاء وتكثيف النشاط المشترك بشأنها ما ينعكس إيجابًا ويؤدي إلى خلق أرضية من الثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء، ويشجعها على توسيع نطاق العمل المشترك". وبرأيهما، تعزيز هذه المواءمة يعزز موقفها وقدراتها على التأثير في الوضع العربي.


أسباب الفشل

يشدد الباحث اللبناني فادي الأحمر في مقالة عناونها "جامعة الدول العربية: ما هي أسباب الفشل؟"، على ضعف جامعة الدول العربية وتراجع الدور العربي، في وقت يشهد فيه العالم العربي حوادث تغيّر من جيوسياسات الدول والمجتمعات والجماعات المكوّنة لها، "لكن اللاعبين الأساسيين من غير العرب".

يسأل الأحمر: "لماذا نجحت كل التكتلات في العالم، ولو جزئيًا، وفشلت جامعة الدول العربية كليًا؟"، فيعدد أسباب الفشل: بدء الدول العربية تكتلها الإقليمي بشكل معكوس، فالتكتلات الإقليمية في العالم تبدأ اقتصادية، ثم تتحول تكتلًا سياسيًا؛ غياب الأنظمة الديموقراطية في الدول العربية سبب رئيس في فشل جامعة الدول العربية كتكتل سياسي واقتصادي، ولا يزال؛ فشل الدول العربية في تطوير التبادل الاقتصادي في ما بينها كان عاملًا في فشل الجامعة؛ استمرار التدخّلات الخارجية لم يسمح بتطوير التكتل السياسي العربي.

يختم الأحمر: "بعد أكثر من ثلاثة وسبعين عامًا على تأسيسها، تبدو جامعة الدول العربية أكثر عجزًا من أي وقت مضى، وفشلها اليوم يضاف الى سلسلة الفشل الذي رافق تاريخها، والذي يعكس الفشل العربي في الاتحاد وفي التضامن للدفاع عن قضاياه القومية. فتاريخ الدول العربية المعاصر تاريخ تضارب مصالح وتناحر وتعدٍّ. (...) منذ سنوات، سقطت أنظمة عربية واندلعت حروب حوّلت الدول العربية ساحات صراعات إقليمية ودولية وجامعتهم تستنكر وتشجب وتدين وتطالب… فقط".

بيت للمسنين

يقول عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، إن جامعة الدول العربية تمثل الأنظمة، "وميثاقها الداخلي لا يعطي الأمين العام أي صلاحيات مستقلة عن هذه الأنظمة، وإنها تتحدث دائمًا عن إنجازات وهمية لا يلمسها الشارع العربي"، مؤكدًا أن سيرتها حافلة بالإخفاقات والإحباطات.

شدد قاسم أن ميثاق الجامعة يعمل ضد كيان الجامعة، "لأنه يعطي الصلاحيات للأنظمة ويحولها أداة في أيديها، لذلك تجدها فاقدة القدرة على المبادرة في أي قضية، حتى على صعيد المشاكل بين قطرين عربيين لا تستطيع الجامعة القيام بأي دور". لكن... ما الفائدة؟

ففي مقالة نشرتها "إكونوميست"، يقول الكاتب اللبناني خير الله خير الله: "الجامعة عفا عليها الزمن. أنشئت كي تستجيب لحقبة أربعينيات القرن العشرين، ونحن الآن في القرن الحادي والعشرين. ماتت فكرة القومية العربية".

تستنتج "إكونوميست" في المقالة: "ليست الجامعة العربية وحدها في الصراع مع نهاية عصر الأبطال، وتأكل أيديولوجيا تعدد الأطراف بسبب القومية المنبعثة. لكنها فشلت، خلافًا للاتحاد الأوروبي، في العثور على آلية لإدارة الخصومات.&

وبسبب شللها البالغ بفعل الطائفية والخلافات الإقليمية، وقفت على الخطوط الجانبية، بينما تجتاح الحرب دولها الأعضاء. وقد تطلع هذا الحامل السابق للواء مناهضة الاستعمار إلى القوى الأوروبية للقدوم وترتيب الفوضى، بل إنه دعا القوى الغربية في ليبيا إلى إرسال طائراتها إلى هناك. ربما أصبحت الفائدة الوحيدة للجامعة العربية هذه الأيام هي استخدامها كبيت مسنين لاستضافة ساسة مصر المتقاعدين".
&