باريس: استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت في باريس نظيره الأميركي دونالد ترمب وسط أجواء تصالحية سعى خلالها إلى تبديد الخلاف مع سيد البيت الأبيض إزاء مسألة انشاء جيش أوروبي غداة تغريدة ابدى فيها الاخير امتعاضه.

ويزور ترمب باريس للمشاركة في إحياء الذكرى المئوية للهدنة التي أنهت الحرب العالمية الأولى بحضور مسؤولين من دول العالم.

وسعى الرئيسان إلى التخفيف من حدة السجال الذي دار بينهما قبيل الزيارة، فأكد ترمب "أصبحنا صديقين مقربين خلال السنوات" لكن أجواء الاجتماع بدت أقل دفئا من تلك التي طبعت زيارة ترمب الأخيرة إلى باريس في تموز/يوليو 2017.

وفي مسعى على ما يبدو لاسترضاء ترمب الذي اتهم الاتحاد الأوروبي بعدم دفع مساهمته العادلة في حلف شمال الأطلسي، قال ماكرون في مستهل اجتماعهما في قصر الإليزيه إنه يشارك ترمب الرأي في "إننا بحاجة لتقاسم العبء بشكل أفضل داخل الحلف الأطلسي".

بدوره، أكد الرئيس الأميركي "نريد أوروبا قوية".

ومساء الجمعة، هاجم ترمب نظيره الفرنسي فور وصوله إلى باريس، بعد اقتراح ماكرون إنشاء جيش أوروبي.

وكتب ترمب في تغريدة بينما كانت طائرته الرئاسية تحط في باريس أن "الرئيس ماكرون اقترح للتو أن تنشىء أوروبا جيشها الخاص لتحمي نفسها من الولايات المتحدة والصين وروسيا". &

وأضاف "أمر مهين لكن ربما يترتب على أوروبا أولا أن تدفع مساهمتها في حلف شمال الأطلسي الذي تموله الولايات المتحدة بشكل كبير".

وصباح السبت أعلن الإليزيه أن الجيش الأوروبي الذي اقترح الرئيس الفرنسي إنشاءه مطلع الأسبوع، لا يستهدف على الإطلاق الولايات المتحدة، متحدثا عن "التباس" في تفسير مقترحه.

ودخل رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك السبت على خط السجال فوجه انتقادات حادة لترمب متهما إياه بأنه ضد "أوروبا موحدة وقوية".

وقال توسك من بولندا "للمرة الأولى في التاريخ، لدينا إدارة أميركية تفتقد الحماسة، وهذا أقل ما يمكن قوله، حيال أوروبا موحدة وقوية".

أقرب بكثير مما يبدو

وأفاد مستشار لماكرون أن الرئيس الفرنسي أكد خلال محادثاته مع ترمب الحاجة إلى استقلال أوروبا دفاعيا بشكل أكبر لكن ليس "لإلحاق الضرر بالولايات المتحدة". ونقل المصدر ذاته عن ترمب رده على ذلك بالقول "نحن أقرب بكثير مما يبدو".

وناقش الطرفان كذلك قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول واتفقا على أن الضغط من أجل توضيح ملابسات الجريمة قد يساهم في التوصل إلى "حل سياسي" في اليمن، حيث تقود الرياض تحالفا عسكريا ضد المتمردين الحوثيين.&

ويستظل جزء كبير من أوروبا بالدرع الأميركية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدون أن يدفع ثمنا مرضيا في نظر ترمب.

ومنذ أن أصبح رئيسا، دعا ماكرون مرارا إلى تعزيز الدفاع الأوروبي مركزا على الشكوك الاستراتيجية التي تثيرها مواقف ترمب.

وبشكل أوسع، يعكس ذلك الخلافات السياسية العميقة بين الرجلين حول البيئة والملف النووي الإيراني والعلاقات التجارية وبشكل عام شؤون العالم حيث يدافع ماكرون عن التعددية التي يرفضها ترمب.

وبعد لقائهما، وصلت زوجة الرئيس الأميركي ميلانيا ترمب إلى الإليزيه حيث استقبلتها بريجيت ماكرون.

وكان من المفترض أن يزور ترمب بعد الظهر المقبرة الأميركية في بوا بيلو في شمال فرنسا. لكنه ألغى الزيارة بسبب سوء الأحوال الجوية.

قيمة المصالحة

أما ماكرون، فالتقى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في شمال باريس خلال مراسم ارتدت طابعا رمزيا كبيرا.

وجرت هذه المراسم في موقع ريتوند حيث وقعت في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918 في عربة قطار الهدنة التي أنهت الحرب العالمية الأولى التي أسفرت عن مقتل 18 مليون شخص.

وأشار قصر الإليزيه إلى أنها "المرة الأولى منذ 1945" التي يلتقي فيها رئيس فرنسي ورئيس حكومة ألمانية في مكان توقيع الهدنة.

وأزاح ماكرون وميركل الستارة عن لوحة كتب عليها "بمناسبة الذكرى المئوية الأولى للهدنة الموقعة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918، أكد السيد إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية والسيدة أنغيلا ميركل مستشارة جمهورية ألمانيا الاتحادية، مجددا هنا قيمة المصالحة الفرنسية-الألمانية في خدمة أوروبا والسلام".

ووضعت اللوحة بجانب لوحة أخرى تعود إلى الحرب العالمية الأولى كتب عليها آنذاك "هنا في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918 سقط الغرور الإجرامي للإمبراطورية الألمانية المهزومة من قبل الشعوب الحرة التي أرادت استعبادها".

وكانت ألمانيا أصرت على إعادة عربة القطار حيث تم توقيع الهدنة إلى ريتوند من أحد المتاحف من أجل مراسم السبت. ويذكر أن العربة الأصلية دمرت خلال الحرب والعربة الموجودة حاليا هي نسخة مطابقة منها.&

وسيتوجه ماكرون وميركل لاحقا إلى باريس حيث سيشارك نحو 70 من قادة العالم الأحد في مراسم إحياء الذكرى المئوية لانتهاء الحرب عند قبر الجندي المجهول تحت قوس النصر.&