الرباط: لم يصدر عن الجزائر أي موقف رسمي بخصوص مبادرة "اليد الممدودة" التي أعلنها العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب ألقاه يوم 6 نوفمبر الحالي بمناسبة ذكرى استرجاع المغرب لصحرائه قبل ستة أيام، والذي وجه فيه الدعوة لحكام الجزائر إلى "حوار صريح ومباشر" لحل الخلافات التي تعكر العلاقات بين البلدين.
غير أن الإعلام الرسمي الجزائري، تعامل بشكل مرتبك مع دعوة العاهل المغربي، وعبر بشكل عام عن مفاجأته&بالدعوة، مع توجه عام إلى التشكيك في نوايا العاهل المغربي وإلى ربط دعوته بقرب انطلاق المسلسل الجديد للمفاوضات بين أطراف نزاع الصحراء، والتي دعا هورست كولر، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، إلى تنظيم لقائها الأول يومي 5 و6 ديسمبر المقبل في جنيف .
ووصفت صحيفة "الشروق الجزائرية" دعوة العاهل المغربي بـ"الهدية المسمومة" للجزائر. ونقلت الصحيفة عن مصدر مجهول قالت إنه "مطلع على ملف العلاقات الجزائرية - المغربية"، وصف&الدعوة التي وجهها الملك المغربي محمد السادس للجزائر من أجل فتح حوار “شفاف و مباشر” بين البلدين، "بمناورة جديدة تندرج ضمن الحملات الإعلامية المغرضة للمغرب والتي يريد، من خلالها، العاهل المغربي أن “يشيطن الجزائر” ويقحمها في ملف الصحراء الغربية".
وفي مقال آخر، أشارت الصحيفة نفسها إلى أنه "من باب الأمانة هذه هي المرة الأولى التي نلمس فيها قدرا من الجدية في دعوة للحوار حرص فيها ملك المغرب على استبعاد أي شرط مسبق للحوار بين الجزائر والمغرب مع انفتاح مطلق على أي مقترح جزائري من جهة المضمون، كما من جهة الشكل، أو من جهة مستوى التمثيل، مع استبعاد طرف ثالث وسيط، البلدان في غنى عنه". غير أن الكاتب سرعان ما عبر عن تشاؤمه من إمكانية تحسن العلاقات بين البلدين، محذرا على الخصوص من أن ذلك سيكون "في مصلحة فرنسا".
في نفس السياق، نقلت صحيفة "الشروق" بدورها عن مصدر مجهول، وصفته بـ" المصدر الدبلوماسي المسؤول"، وصفه لخطاب العاهل المغربي بـ"المناورة السياسية" قبيل انعقاد اللقاء الذي دعا إليه كولر حول الصحراء، وذكرت أن المغرب يسعى من خلال هذه الدعوة إلى تحميل الجزائر المسؤولية عن تعثر العلاقات الثنائية بينهما أمام الرأي العام الدولي. ونسبت الصحيفة للمصدر، الذي قالت إنه طلب عدم كشف هويته، قوله إن "المغرب يريد إقحام الجزائر في القضية الصحراوية رغم أنها ليست طرفا في القضية أصلا".
وتناقلت عدة صحف جزائرية، منها صحيفة "تو سور لالجيري" الناطقة بالفرنسية تصريحات مماثلة لمصدر مجهول، في انتظار الموقف الرسمي للسلطات الجزائرية، والذي تميز بالسلبية والتشكك وتوجه عام لربط دعوة العاهل المغربي بسياق الإعداد للقاء جنيف الذي دعا إليه كولر.
تجدر الإشارة إلى أن الملك محمد السادس اقترح على حكام الجزائر في خطابه قبل أسبوع بمناسبة المسيرة الخضراء "وضع آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور"، مؤكدا "أن المغرب منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين".
وقال العاهل المغربي في خطابه "أود الوقوف على واقع التفرقة والانشقاق داخل الفضاء المغاربي، في تناقض صارخ وغير معقول مع ما يجمع شعوبنا من أواصر الأخوة، ووحدة الدين واللغة، والتاريخ والمصير المشترك. فهذا الواقع لا يتماشى مع الطموح الذي كان يحفز جيل التحرير والاستقلال إلى تحقيق الوحدة المغاربية، والذي جسده، آنذاك، مؤتمر طنجة سنة 1958، الذي نحتفل بذكراه الستين".
وأضاف العاهل المغربي "ندرك أن مصالح شعوبنا هي في الوحدة والتكامل والاندماج، دون الحاجة لطرف ثالث للتدخل أو الوساطة بيننا. غير أنه يجب أن نكون واقعيين، وأن نعترف بأن وضع العلاقات بين البلدين غير طبيعي وغير مقبول". وذكر العاهل المغربي بكل المبادرات التي اتخذها لتجاوز أزمة العلاقات بين البلدين، وقال "يشهد الله أنني طالبت، منذ توليت العرش، بصدق وحسن نية، بفتح الحدود بين البلدين، وبتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية. وبكل وضوح ومسؤولية، أؤكد اليوم أن المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين. ولهذه الغاية، أقترح على أشقائنا في الجزائر إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها".
وصادفت دعوة العاهل المغربي ترحيبا واسعا واستحسانا على الصعيد الدولي، ودعا العديد من المسؤولين الأفارقة من مختلف المستويات الجزائر إلى التعامل معها بجدية وإيجابية، متمنين أن تشكل لبنة في رأب أحد التصدعات المزمنة التي تعاني منها القارة الإفريقية.
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بدعوة العاهل المغربي إلى وضع آلية مشتركة للحوار والتشاور "الصريح والمباشر" مع الجزائر، لبحث الملفات “الخلافية” العالقة، بما فيها الحدود المغلقة بين البلدين من أواسط التسعينيات من القرن الماضي.
وصرح استيفان دوغريك، المتحدث باسم غوتيريش، خلال مؤتمر صحفي الخميس الماضي أن "الأمين العام يساند دوما الحوار بين المغرب والجزائر، ويرحب بالآلية التي أعلنها العاهل المغربي الثلاثاء".