حصان خشبي عملاق، يرتدي القبعة البنية لقوات الصاعقة الهتلرية، تم عرضه في متحف في النمسا، يتمكن هذا الحصان من اشعال جدل القومية وسجالات التاريخ القريب والبعيد في هذا البلد.

إيلاف من لندن: احتفلت الدولة النمساوية الحديثة في 12 نوفمبر بمرور 100 سنة على تأسيسها. وبهذه المناسبة أهدت لنفسها متحفاً ضم أول معارضه حصاناً خشبياً عملاقاً يرتدي القبعة البنية لقوات الصاعقة الهتلرية.

وكان "حصان فالدهايم" هذا، كما يُسمى، شوهد أول مرة في تظاهرات خرجت عام 1986 حين رشح كورت فالدهايم لرئاسة النمسا مستخفاً بالإشارة الى انه خدم في الجيش الالماني خلال الحرب ونافياً عضويته في أي منظمة نازية.

فاز فالدهايم بالرئاسة ولكن النمسا تغيرت الى الأبد. ونقلت مجلة الايكونومست عن غيورغ هوفمان الخبير في المتحف الجديد الذي سُمي "بيت التاريخ النمساوي" قوله إن تلك كانت "نهاية حقبة كانت النمسا لا ترى نفسها فيها إلا كونها ضحية عدوان هتلري، وكانت تلك أول مرة تناقش فيها النمسا بصراحة مسؤوليتها المشتركة عن الجرائم النازية".

وتُعرَض في المتحف وثائق عن جيش هتلر قرب الحصان مبينة ان فالدهايم كان فعلا في قوات الصاعقة مثل حصانه.

ورغم التغير الذي حدث في النمسا فان الآراء بشأن ماضيها ما زالت منقسمة وهذا ما يفسر سبب التأخر 20 عاماً قبل ان تُنفذ فكرة تأسيس متحف وطني لتاريخها.

ولدت الجمهورية النمساوية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى على انقاض امبراطورية آل هابسبورغ التي دامت 600 عام حكموا خلالها شعوباً عديدة بينها التشيك والمجريون والبولنديون والسلوفينيون والسلوفاك.

ونظر غالبية النمساويين الى النمسا التي أُنشأت حديثاً على انها كيان شاذ بعد ان فقدت الأراضي الزراعية التابعة لها في الشرق والموانئ المطلة على البحر الادرياتيكي والمراكز الصناعية في الأراضي الشيكية.

وإزدادت هذه المشاكل المتعلقة بالهوية القومية تعقيداً بالمصاعب الاقتصادية الشديدة التي أعقبها ضم النمسا الى المانيا النازية في عام 1938 بتأييد ملايين النمساويين الذين خرجوا لاستقبال قوات هتلر بالزهور.

ورغم الفظائع التي ارتكبتها ألمانيا الكبرى بحق جيرانها والعالم، فان الحلفاء أعلنوا في عام 1943 ان النمسا "اول بلد حر يقع ضحية النازيين" بأمل تشجيع المقاومة ضد هتلر. ولكن هذا الموقف اسفر ايضاً عما سماه اليسار النمساوي بعد الحرب بالخرافة القائلة ان النمسا كانت ضحية، كما تلاحظ مجلة الايكونومست ناقلة عن العالم السياسي أنتون بلينكا قوله "ان النمسا دافعت عن رواية الضحوية هذه بنجاح لدى التعامل مع الحلفاء بعد عام 1945".

وأتاحت صورة الضحية تمييز النمسا عن المانيا لكنها يسَّرت على الحكومات السماح لنازيين سابقين بالمشاركة في الديمقراطية الجديدة. ويقول بلينكا ان هذا كان أساس الكشف عن ماضي فالدهايم بعد سنوات.

يعترف المتحف الجديد بانقسام النمساويين بين تبسيطات تقول ان كل النمساويين كانوا ضحايا واخرى تذهب الى ان كل النمساويين كانوا نازيين.

وقالت مديرة المتحف مونيكا زومر ان المتحف منبر للنقاش "ونحن لا يضيرنا بالمرة أن نبين بأنه ليس هناك دائما رأي واحد عن التاريخ".

واعربت عن الأمل بأن تحفز معروضات مثل حصان فالدهايم النقاش حول ماضي النمسا.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "الايكونومست". الأصل منشور على الرابط:

https://www.economist.com/books-and-arts/2018/11/17/a-new-museum-captures-austrias-ambivalence-about-its-past?frsc=dg%7Ce