بيروت: يدافع تنظيم الدولة الإسلامية بشراسة عن آخر جيب تحت سيطرته في شرق سوريا، بمواجهة عملية عسكرية تشنها قوات سوريا الديموقراطية بدعم من التحالف الدولي في المنطقة منذ أكثر من شهرين.

ويبدو أن حسم المعركة سيتطلب وقتًا طويلًا، لأسباب عدة، بحسب محللين، أبرزها تمرس الجهاديين في القتال واستماتتهم في الدفاع عن آخر معاقلهم بعد انحسار نفوذهم، في مقابل اعتماد قوات سوريا الديموقراطية على مقاتلين من أبناء المنطقة عوضًا من قوات النخبة فيها.

من هم الجهاديون الذين يتحصّنون في هذا الجيب؟
يتحصن في الجيب الواقع في ريف دير الزور الشرقي بمحاذاة الحدود العراقية نحو ألفي مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية، بحسب التحالف الدولي، وتعد هجين والسوسة والشعفة من أبرز بلداته.

يرجح أن العدد الأكبر من مقاتلي التنظيم هم من الأجانب والعرب وبينهم، بحسب قوات سوريا الديموقراطية، قيادات من الصف الأول. وقال متحدث باسم التحالف الدولي في وقت سابق إن اثنين من أبرز قادة التنظيم قد يكونان في المنطقة رغم أن "العديدين (منهم) فرّوا".

يقول الباحث نيكولاس هيراس من مركز الأمن الأميركي الجديد (سنتر فور إيه نيو أميركان سيكيوريتي) الذي يتخذ من واشنطن مقرًا، لوكالة فرانس برس "هناك جيش صغير من مئات المقاتلين الذين جمعهم التنظيم، بمن فيهم أفضل قناصته".

ما هي أسباب صمود التنظيم رغم الهجمات والغارات؟
يقاتل عناصر التنظيم بشراسة للدفاع عن هذا الجيب الذي تحاصره قوات سوريا الديموقراطية منذ أشهر، وتستهدفه غارات التحالف الدولي، بوصفه آخر معاقله على الضفاف الشرقية لنهر الفرات.

مُني التنظيم المتطرف خلال العامين الماضيين بهزائم متلاحقة في سوريا، ولم يعد يسيطر سوى على جيوب محدودة في أقصى محافظة دير الزور وفي البادية السورية في شرق حمص.

يربط الخبير في شؤون الجهاديين في معهد الجامعة الأوروبية تور هامينغ بين صمود مقاتلي التنظيم في هذا الجيب بكون العديد منهم من "المقاتلين القدامى الذين يحاربون معه منذ سنوات عدة، ولديهم خبرة في هذا النوع من الحروب في منطقة صحراوية".

يدرك عناصر التنظيم وفق هامينغ، أنهم عاجلًا أم آجلًا "ﺳيُقتلون جراء ﻏﺎرة أو سيعتقلون ويلقى بهم في السجن"، ما يفسّر التزامهم القتال ببسالة.

يعتمد التنظيم، وفق ما يشرح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، في القتال على "قوات النخبة، إضافة إلى الخلايا النائمة المنتشرة بكثرة" في محيطه لصدّ تقدم قوات سوريا الديموقراطية. ويقول "ليس لدى هؤلاء ما يخسرونه". ويتفوق التنظيم، وفق المرصد ومحللين، بمعرفته بطبيعة المنطقة الجغرافية أكثر من القوات المهاجمة.&

يشرح هامينغ أن مقاتلي التنظيم "يعرفون المنطقة جيدًا لكونهم ينشطون فيها منذ أكثر من خمس سنوات"، موضحًا أنها "عبارة عن خليط من صحراء وبلدات صغيرة، ما يجعل من الصعب جدًا عزلها" مقارنة بمدن أخرى، مثل الرقة، معقل التنظيم سابقًا في سوريا، حيث كان من السهل جدًا محاصرة مقاتليه.

ماذا عن الصعوبات التي تواجهها قوات سوريا الديموقراطية؟
يجمع المحللون على أن حسم قوات سوريا الديموقراطية المعركة ضد الجهاديين لن يكون سهلًا، خصوصًا مع استغلال التنظيم للظروف المناخية السيئة في مثل هذه الفترة من السنة لشن هجمات مضادة، مستفيدًا من عدم قدرة طائرات التحالف الدولي على توجيه ضربات مساندة للعمليات البرية.

يعدد المتحدث الرسمي باسم قوات سوريا الديموقراطية كينو غابريال لفرانس برس صعوبات عدة تؤخّر حسم المعركة، أبرزها إلى جانب "سوء الأحوال الجوية.. التكتيكات" التي يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية "والدفاعات المختلفة التي أنشأها والتي تؤثر على سير العمليات الهجومية".

يضيف "يقود داعش قتالًا قاسيًا وشرسًا في محاولة منه للخلاص من حالة الحصار"، لافتًا إلى استعماله "جميع أنواع الأسلحة والسيارات المفخخة والمدنيين كدروع بشرية". ويؤكد غابريال أن قواته "تستخدم كل قدراتها من وحدات خاصة وأسلحة ثقيلة والمجموعات العسكرية الموجودة".

تعتمد هذه القوات، وفق هيراس، على "مقاتلين عرب من القبائل لشن الهجمات ضد التنظيم"، الذي "حوّل تلك المنطقة إلى مصيّدة للموت"، مشيرًا إلى أن مقاتلي قوات سوريا الديموقراطية "يدركون ذلك جيدًا".

ويوضح "يريد هؤلاء المقاتلين المحليين أن يستفيدوا من علاقتهم بقوات سوريا الديموقراطية، لا أن يموتوا من أجلها" ما يجعل القتال "بطيئًا ومضنيًا، ويرتب ضغوطًا على قوات سوريا الديموقراطية".

ورغم تلك العقبات والصعوبات، يبدو التحالف الدولي واثقًا من قدرته على إنهاء تواجد تنظيم داعش في المنطقة، بعد خسارة الأخير غالبية موارده وأسلحته والهزائم الكبيرة التي لحقت به خلال السنوات الثلاث الماضية.

وقال نائب قائد قوات التحالف الدولي اللواء كريستوفر غيكا في بيان للتحالف قبل أيام "في هذه المرحلة من العملية، ليس هناك ما يكفي من داعش لإحراز أي مكاسب بارزة أو دائمة".

وذكر التحالف في البيان نفسه أن "التنظيم خسر معظم موارده المالية التي كان يعتمد عليها سابقًا لتوسيع نفوذه، وهو يعتمد حاليًا على العبوات الناسفة وتجمعات المغاور للاحتفاظ بتأثير متهالك".
&