قبل ما يقرب من ثلاثة أسابيع، سأل موقع &"إيلاف المغرب " متصفحيه إن كانت الجزائر ستتجاوب مع &الدعوة التي وجهها ملك المغرب إلى جارته الشرقية، لطي صفحة الخلاف القائم بينهما على خلفية تباين موقفهما حيال ملف الصحراء &المغربية.
إبقاء السؤال في الموقع أكثر من المدة الاعتيادية، تم لاعتبارات إحصائية وسياقية؛ فقد لاحظنا أن مؤشر الإجابات ظل مستقرا خلال الأيام الأولى ، وهو موقف يبرره انتظار المشاركين في الاستطلاع لردود فعل &جارة المغرب الشرقية .
وحيث أن الأخيرة &لم تقطع بموقف صريح &من مبادرة العاهل المغربي ، وهي ليست الأولى ، منذ توليه الحكم ، استمرارا للنهج &الذي تشبث به والده الملك الراحل الحسن الثاني الذي ظل حريصا إلى آخر مدى، على تجنب التصعيد.&
لم ترفض الجزائر مقترح العاهل المغربي بمثل الأسلوب الصارم الذي تعودت عليه في مناسبات مماثلة سابقة ، كذلك اتخذت هذه المرة موقفا يشوبه بعض الغموض والإبهام ، فسره المراقبون بالحرج الذي انتابها من جراء خطوة &المغرب ، خاصة وأن أطرافا دولية في مقدمتها الأمين العام للأمم المتحدة ، رحبت بها وأيدت وساندت ما أعرب عنه الملك محمد السادس في خطاب الذكرى ال 43 للمسيرة الخضراء . خطاب حفل بعبارات &أخوية &غلب عليها الصدق أكثر من المناورة الدبلوماسية ، وهذا ما اكسبها قوة وتأثيرا في الرأي العام الإقليمي والدولي ، الأمر الذي جعل الجزائر تنتقي عبارات الاعتذار حتى لا تظهر بصورة &الرافضة لحل أزمة طال أمدها.
ومن المؤكد أن العاهل المغربي ، لم يبادر بمقترحه، لو لم يحس بأن المزاج السياسي الدولي &لم يعد متحملا ولا متحمسا لموقف الجزائر المتصلب حيال نزاع &يقف فيه القانون والتاريخ والجغرافية إلى &جانب حق المغرب ؛ بصرف النظر عن الاعتبارات الإيديولوجية &الساذجة التي كررتها ومضغتها &جبهة البوليساريو على مدى أكثر من أربعة عقود ، شهد العالم والعلاقات الدولية &خلالها تطورات عميقة ومستجدات لم تكن واردة في ذهن أحد &في غضون سبعينيات القرن الماضي .
إن سياسة مد اليد ، وتجاوز خلافات وصراعات الماضي من لدن المغرب ، تستند في عمقها على الخشية من احتمالات المستقبل المشترك للبلدين ،بالنظر إلى التحديات القادمة على كافة الأصعدة . مستقبل محفوف بالتساؤلات المقلقة يتمنى عاهل المغرب أن يتحد البلدان الشقيقان لمواجهته ضمن الأسرة المغاربية.
في هذا السياق ، يدرك ملك المغرب ، مثل والده الراحل أن الجزائر ، ربما وقع توريطها في نزاع ، دفعت إليه في ظل أجواء الحرب الباردة ، فخيل إليها في ذلك الوقت أن تجربتها الاشتراكية &الثورية مهددة من المغرب المصنف ضمن المعسكر الغربي. وكم حاول الملك الحسن الثاني ، بدهائه الدبلوماسي ونسيج علاقاته مع قادة الدول المؤثرة في السياسة الدولية ،أن يزيل ذلك الوهم أو الخوف &الذي &تمكن من نفوس بعض الساسة الجزائريين ؛ لدرجة إنه صرح ذات يوم أنه ،أي الملك الراحل، يدرك حرج الجزائر ،وهو مستعد لإنقاذ ماء وجهها ملمحا إلى الاستعداد لتقديم تنازلات معقولة مثل تمكينها من منفذ على المحيط الأطلسي ، ضمن إستراتيجية للتعاون المشترك &ينهي نهائيا " دمل " &أزمة الصحراء بضمانة دولية.
هل أصبح أمل الملك محمد السادس ، أمام تلكأ &الأشقاء الجزائريين ، بعيد المنال؟
أجوبة المشاركين في الاستطلاع ، تذهب إلى الاعتقاد بنسبة عالية بلغت 70في المائة ، أن الجزائر لن تتجاوب مع نداء الإخوة المغربي ، بينما رأت عكس ذلك نسبة متوسطة (25 في المائة) &في حين &اختارت نسبة ضعيفة &من العينة(5في المائة ) الوقوف على الحياد &وانتظار ما ستسفر عنه الدينامية التي أطلقها خطاب العاهل المغربي.
وعلى الرغم من التشاؤم الذي هيمن على &موقف غالبية المستطلعين ؛ فإنه لا يمكن التغاضي عن نقط ضوء &ساهم خطاب ملك المغرب في ظهورها المشع ، من بينها على الصعيد الداخلي &المبادرة الشجاعة التي أطلقها عميد السياسيين &في المغرب ، عبد الرحمن اليوسفي، رئيس الحكومة الأسبق، الذي التقط إشارة ملك البلاد ، وأشار على إدريس لشكر، أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ( مشارك في الائتلاف الحكومي) أن يشرف الحزب على تنظيم تظاهرة جماهيرية في مدينة وجدة &القريبة من حدود البلدين &والتي تقترن في الذاكرة الجزائرية ، أنها شكلت القاعدة الخلفية للكفاح المسلح في الجزائر ضد الفرنسيين ؛ ففيها استقر عدد من قادة جبهة التحرير المدنيين والعسكريين &، كما أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمضى قترة مهمة من طفولته وشبابه في نفس المدينة &وما زال البيت الذي عاش فيه قائما لكنه آيل للسقوط .
ورغم سنه المتقدمة (تجاوز 94 عاما) &فإن اليوسفي، انتقل إلى وجدة وألقى &خطابا &في تجمع كبير ، قصده &كثيرون من المغاربة من مختلف المدن .
وما كان &لليوسفي أن يغامر &، بوزنه السياسي وثقله التاريخي وعلاقته الوثيقة بعدد من قادة الثورة الجزائرية ، ليقدم على خطوته لولا تلمسه لذلك الضوء الخافت في الجانب الجزائري &الذي سلفت الإشارة إليه في هذا التقرير .
السياسي المغربي ذو النظرة البعيدة ،معروف عنه أنه متريث يزن خطواته وكلماته ومواقفه ، وبالتالي فإن الأمل في المستقبل هو الذي حركه من الدار البيضاء إلى وجدة ، مرفوقا ومعززا برفاق النضال السياسي والحقوقي. أكثر من ذلك أنه نسي خلافه الصامت مع قيادة الاتحاد الاشتراكي &وقرر التحرك بتنسيق مع الحزب وهو أحد مؤسسيه &بداية عقد الستينيات من القرن الماضي.
لا بد من الإشارة إلى أن الأجواء السياسية المتفائلة بخصوص نزاع الصحراء &وإمكانية &تنقية العلاقات &الثنائية بين المغرب والجزائر ، تتزامن مع مؤشرات أخرى دالة ، تتجلى في انبعاث روح مغايرة &في العواصم المغاربية &في اتجاه إحياء اتحاد المغرب العربي . ومن اللافت في هذا الصدد أن الدعوة لاجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء صدرت عن الجزائر ، ولو أنها بخلفية التحرر من "الحرج" الذي سببته لها مبادرة ملك المغرب، الذي يؤمن أن البناء المغاربي يمر وجوبا عبر الصلح والوئام بين ضلعيه الكبيرين : بلاده &والجزائر . وهدا الأمر يسبق من وجهة نظره أي تداول جماعي في سبيل إحياء وتمتين &الصرح المغاربي.
وضمن نفس الأجواء المساعدة ن &يندرج انعقاد اجتماع بين المغرب وجبهة البوليساريو في جنيف برعاية الأمم المتحدة في شخص مبعوث الأمين العام إلى الصحراء ، وبحضور ومشاركة في النقاش من طرف الوفد الجزائري &الذي كان يكتفي في اللقاءات وجولات التفاوض السابقة بدور الملاحظ &باعتباره طرفا معنيا .
هذه المرة شدد الموفد الاممي هورست كوهلر على حضور أطوار الاجتماع &والتوقيع على محضر، وهذا يعني من جملة ما يعنيه الموقف العقلاني المغربي الذي يؤمن إن مفتاح نزاع الصحراء ، يمسكه المغرب والجزائر ولا تملك جبهة البوليساريو حتى نسخة مزيفة منه. & &
يضاف إلى تلك العوامل أن فترة انتداب بعثة &"مينورسو " في الصحراء ، تقلصت إلى ستة أشهر بدل سنة كاملة منذ الاتفاق على موقف إطلاق النار بين الطرفين عام 1991 بإشراف الأمم المتحدة .ويقال إن &الإدارة الأميركية "الترامبية" هي &التي أصرت على تقليص الفترة ، ما يدل على ضيق صدر "واشنطن" من مماطلات باتت عبثية .
تجدر الإشارة في الأخير، إلى أن ما يمكن اعتباره مستجدات في صالح المغرب راجعة بالأساس إلى الاعتدال المرن الذي يطبع مواقفه الدبلوماسية حيال القضية التي يعتبرها وطنية . هو منفتح ومصغ إلى كافة المبادرات والمساعي الحميدة المنصفة لحقوقه التاريخية في السيادة على أقاليمه الجنوبية ، بعيدا عن روح الانتقام أو التشفي من جارته الجزائرية أولا ومن تابعتها.
والمؤكد أن الرباط وقد استعادت موقعها الطبيعي في الاتحاد الإفريقي فإنها حطمت "التابو" الذي طالما استغلته جبهة البوليساريو في حملتها ضد المغرب واستغلال غيابه ، وهكذا تبين لعدد من العواصم والقادة الأفارقة ، بعد الإصغاء بعمق لوجهات النظر المغربية والاطلاع على الوثائق المغيبة من ملف الصحراء ،أن حدث تغير جذري في موقف بعض الدول التي إما أعادت النظر في &أمر الاعتراف الدبلوماسي ب" جمهورية الصحراء" ، أو أنها &صنفته ضمن ملفات الماضي.
&