في ظل الحراك الشعبي المطلبي الذي يتفشى في أنحاء أوروبا، وهو الذي يعرف باسم "السترات الصفراء"، يطرح السؤال عن تحركات المجتمع المدني في لبنان، الذي خفت صوته إعلاميًا.

إيلاف من بيروت: خفت صوت المجتمع المدني إعلاميًا في لبنان، مع إنتهاء الإنتخابات النيابية وقبلها البلدية، لتعود القوى الحزبية التقليدية والأحزاب الناشئة إلى تصدر المشهد السياسي العام في لبنان.

في الإنتخابات الأخيرة، حقق مرشحو المجتمع المدني أرقامًا جدية، خصوصًا في الشوف وبعبدا والأشرفية، غير أنهم إنكفأوا أخيرًا، ولو ظاهرياً، عن الحراك السياسي والإجتماعي والخدماتي. من هنا يطرح السؤال، أين هو المجتمع المدني اليوم؟، خصوصًا في ظل تردّي الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والبيئية التي تستوجب تحركات على مختلف الأصعدة، وفي ظل الحراك الشعبي المطلبي الذي يتفشى في أنحاء أوروبا أو ما يعرف&باسم "السترات الصفراء".

الأهداف
يقول الكاتب والمحلل السياسي معن بشور لـ"إيلاف"، إن حملات المجتمع المدني في السابق قد حققت جزءًا مهمًا من أهدافها، وهو أولًا أن تبرز صوت الغالبية الساحقة من اللبنانيين، الرافضين للأوضاع الشاذة التي تعيشها بلادهم على كل المستويات، وثانيًا أنها أطلقت نوعًا من الدينامية، سواء على مستوى الشارع أو على مستوى السلطة، وفي جو الحراك برزت فكرة الحوار لدى المسؤولين بغضّ النظر عن نتائجها، ولكن هذا الحراك دفع المسؤولين إلى أن يتلاقوا ويتدارسوا الأوضاع العامة في البلاد، وثالثًا دفعت أيضًا ببعض المسؤولين إلى الحديث عن تسوية شاملة، وإلى إطلاق مبادرة رئاسية، ولولا الحراك المدني ما كان السياسيون سيتحركون باتجاه الحوار أو المبادرات.

صعوبات
يلفت بشور إلى أن هذا الحراك واجه صعوبات من داخله أيضًا، فتعدّد الحملات واصطدامها بما يمكن تسميته "المجتمع العميق" في لبنان، إضافة إلى الدولة "العميقة" الموجودة، حيث تتحكم الاعتبارات الطائفية والمذهبية، وبالتالي هذا المجتمع العميق أجهض ويجهض العديد من مباردات الإصلاح، فالمجتمع العميق وقف بقوة أمام هذا الحراك، لكن هذا الحراك كالجمر تحت الرماد، إن خبا وهجه أحيانًا، فإنه سيعود بشكل أفضل، ولكن نتمنى أن يواكب هذه الدعوات للتحرك، تقييم عميق من قبل كل الحملات، لأسباب او لتجربة المرحلة الأولى من الحراك، كي تكون المرحلة المقبلة أكثر إنتاجًا وثمارًا.

بوصلة الحراك
ولدى سؤاله كيف يمكن تحريك بوصلة الحراك المدني شعبيًا كي يقف في وجه الفساد؟، يجيب بشور: "أعتقد أنه يجب أولًا أن تتوحد كل الحملات، وأن يخرج الجميع من الاعتبارات الذاتية أو الشخصية، وأن تكون لهذا الحراك مطالب محدّدة، لا تتوسع لتصل إلى مطالب من الصعب تحقيقها، لا بد من إنجازات محدودة، ليبني الحراك عليها، وكل هذا يتطلب خلوة عميقة بين أهل الحراك وداعميهم، لكي يدرسوا بعمق التجربة الماضية، ويستخرجوا الدروس والعبر منها لكي ينطلقوا في المرحلة الجديدة بزخم وفاعلية أكبر".

الفساد
هل يمكن القول اليوم إن الفساد والطبقة الحاكمة تغلبا&على الحراك المدني في لبنان؟، يقول بشور إن الفساد والطبقة الحاكمة من القوة بمكان يصعب اختراقه في سنوات قليلة، فهذه معركة طويلة، وإذا اعتقدنا أننا قادرون على حسمها بفترة قصيرة، نكون واهمين، ولكن أعتقد أن الطبقة الحاكمة في لبنان سيتراجع تأثيرها ودورها، وأن الفساد سيحاصر عاجلًا أم آجلًا، لأن الفساد وأسلوب التحكم بمصير البلد لا يمكن أن يعيشا في بلد شعبه حي كالشعب اللبناني.

لأي مدى عدم توحيد الجهود والمطالب للحراك المدني كان&وراء القول بأنه فشل؟، يجيب بشور بأن الحراك المدني لم يفشل، بل هدأ قليلًًا، وبدون شك تعدّد المطالب كان&أحد أسباب هذا التراخي، ولكن جدول هذا الحراك لا يزال موجودًا وسيبرز صداه في وقت لاحق.
&