منذ أربعة عقود، تتصدر إيران العناوين الرئيسية في العالم، ليس لخِيرة الأسباب دائمًا. فقد وقعت بلدان عديدة في مشكلات مختلفة مع إيران كما نعرفها اليوم، أي الجمهورية الإسلامية في إيران. في المقابل، ما كانت الجمهورية الإسلامية قادرة على إيجاد الموقع الذي تطمح إليه في النظام العالمي الذي ترفضه بوصفه من صنع "الكفار".

فصام تاريخي

فكر الذين يواجهون مشكلات مع الجمهورية الايرانية وخططوا، وفي بعض الحالات جربوا، الكثير من خيارات الخطة "أ" للتعامل مع النظام الحاكم فيها. تراوح هذه الأفكار والمخططات من الجهود المبذولة لإقناع القيادة الحالية في طهران بتغيير جوانب من سلوكها إلى الحرب الاقتصادية، مرورًا بفرض عقوبات "قاصمة"، وفي بعض الأحيان وصل الأمر إلى التفكير في العمل العسكري.

أخفقت هذه الخطط كلها في تحقيق النتيجة المنشودة، لأنها كانت تقوم على الإفتراض القائل إن الجمهورية الإسلامية دولة قومية تقوم على النمط الكلاسيكي، ومن المرجح أن تتجاوب بوصفها دولة كهذه.

لكن إيران التي انبثقت عن الثورة الإسلامية في عام 1979 عاشت ما لا يمكن أن يُسمى إلا فصامًا تاريخيًا، إذ تتضارب هويتها كقضية ثورية مع هويتها كدولة قومية.

&

&

لقراءة الدراسة كاملة:&
الدولة للأمة... أو إحياء إيران القومية على أنقاض إيران الثورية

&

الأولوية للثورة

خلاصة محصلة هذا الكلام أنها لا تستطيع التعامل كدولة قومية، الأمر الذي يتطلب ضمنًا درجة من التوافق مع الواقع، ولا هي قادرة بوصفها قوة ثورية خلاصية على فرض إرادتها على خصومها، لافتقارها إلى القوة المطلوبة لذلك.&

حين كانت إيران تصطدم في مسارها بمسائل صلبة، كانت تتمهل أو حتى تتوقف بعض الوقت، لكنها ما غيرت طريقها يومًا. وهي لم تغير الطريق لأنها لا تستطيع أن تغيره.

الفصام الذي تكلمنا عنه آنفًا قاد أيضًا سياسة إيران الداخلية إلى طريق مسدود. فالنظام الحالي غير قادر على الاستجابة لمطالب المجتمع الإيراني "الطبيعية"، مثل حكم القانون والأمن والتنمية الاقتصادية والرخاء والتنوع الثقافي، لأن هذه أشياء لا تستطيع أن تحققها إلا دولة قومية.

لكن، في إيران اليوم، تُعطى الأولوية لتحقيق هدف الثورة العالمي، أو ما يسميه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي "الحضارة الإسلامية الجديدة"، وليس للمهمة العادية للتعامل مع قضايا الخبز اليومية.

وخلاصة القول في هذا الإطار هي أنه بقدر ما يتعلق الأمر بالشعب الايراني، إن بلده عاش أربعة عقود من تدني مستويات الإنجاز، في أقل تقدير.&

خطة "ب"؟

بسبب حجم إيران السكاني وموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية وادعاءاتها التاريخية، فإنها أثبتت أنها قوية بما فيه الكفاية للصمود بوجه العديد من الخطط "أ" التي نسجت بوجهها من دون أن تغير مسارها. وبقيت قدرتها على إثارة المتاعب من دون تغيير في مناطق عديدة لا سيما الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، لم تكتسب إيران الدرجة المطلوبة من القوة الاقتصادية والعسكرية والثقافية التي تتضمن الآلية التي تدفع بالبلاد نحو اعتماد سياسة الإعتدال.

لكن... هل من الممكن تنفيذ الخطة "ب"؟

لا أحد يعرف على وجه التأكيد. لكن المؤكد في هذا الصدد أن هذه الإمكانية يجب أن تُبحث. وهذا ما نقترح عمله في هذه الجلسة بمبحث يهدف إلى فتح النقاش حول سبل حمل إيران أو مساعدتها أو حتى إجبارها على الخروج من فخ الفصام السياسي الذي نصبته لها نخبتها الحاكمة الحالية أو نصبه لها التاريخ - إذا شئتم - مخرجًا يشير إلى استيعاب إيران خبرتها الثورية لتعود دولة قومية لها حاجات أي دولة قومية وتطلعاتها وآمالها ومخاوفها وأنماط سلوكها.

دولةٌ لأمة

وكما أن لكل لغة قواعدها النحوية، فإن لكل أمة إيقاعها حين يتعلق الأمر بالتغيير والتطور التاريخيين. ليس من شأن المقاربة المتسرعة في التعاطي مع مشكلات إيران المتعددة إلا أن تؤدي إلى خيبة أمل، أو إلى ما هو أسوأ من خيبة الأمل أحيانًا.

النبأ السار هو أن الجمهورية الإسلامية في إيران فشلت في محو ثقافة الأمة والدولة في البلاد. فإن القيادة الحالية، إذ إختارت نسختها من الإسلام مجالًا وحيدًا لمرجعيتها، أخفقت في تطوير أنموذج بديل فاعل عن الدولة القومية. وهذا يجعل من مهمة مساعدة إيران على طي صفحة الثورة وإعادة فتح صفحة جديدة في تاريخها العريق بصفتها أُمة مهمة أكثر واقعية.

الهدف هو إحياء دولة ايرانية لأمة ايرانية، وتحقيق هذا الهدف يتطلب خريطة طريق يؤدي كل المهتمين بالتعامل مع "المشكلة الإيرانية" دورًا فيها.

* هذا مقتطف من دراسة قدمها أمير طاهري في ندوة خاصة، عُقدت في 27 نوفمبر 2018 في جامعة ويستمنستر اللندنية، حضرها ناشطون سياسيون إيرانيون ودبلوماسيون أجانب وأكاديميون وإعلاميون، تناولت الشأن الإيراني الداخلي والدور الإيراني الإقليمي والدولي والخيارات المتاحة للتعامل مع النظام الإيراني. وستنشر "إيلاف" الدراسة كاملة باللغتين العربية والإنكليزية.