رغم تصويت النواب التونسيين على موازنة العام 2019، فإن الرفض الواسع لها ينبئ باحتجاجات صارت مألوفة بداية كل عام جديد منذ ثورة يناير 2011 التي أطاحت ببن علي.

مجدي الورفلي من تونس: يبدو ان أزمة قانون المالية لسنة 2019 في تونس لن تنتهي، فبعد رفضه من طرف الاحزاب السياسية وكتلها البرلمانية وتأكيد بعض قطاعات المهن الحرة وعلى رأسها المحامون رفضها القاطع لعدد من أحكامه، أعلنت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين قبولها الطعن في قانون المالية الذي تقدّم به اكثر من 70 نائبا في البرلمان ينتمون الى مختلف الاحزاب الرافضة للقانون.

واعلنت الاربعاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين (هيئة تعوّض وقتيّا المحكمة الدستورية الى حين انشائها)، قبولها الطعن في الفصل 36 من قانون موازنة 2019 المتعلّق برفع السر المهني بالنسبة للمهن الحرة في حال طلبت منه مصالح الجباية بعض المعطيات، والذي أدى تبنيه الى إحتجاجات واسعة خاصة في صفوف المحامين الذين نفّذوا إضرابا بـ3 أيام ودخلوا منذ الأسبوع الماضي في إعتصامات مفتوحة بالمحاكم، بالإضافة الى عدة صيغ أخرى للتصدّي لرفع السرّ المهني.

وينص الفصل 36 من قانون المالية لسنة 2019 الذي اعتبرته هيئة مراقبة دستورية القوانين "غير دستوري"، على أنه "يمكن لمصالح الجباية طلب معلومات متعلّقة بالخدمات المسداة من قبل الأشخاص المحمول عليهم قانونا الإعتصام بواجب المحافظة على السر المهني، وهم أساسا المحامون والأطباء والصيادلة".

&مخالف لفصليْن من الدستور
&
رئيس كتلة ائتلاف الجبهة الشعبية، وهو إئتلاف يمثل المعارضة الرئيسية في تونس ومتكون من أحزاب يسارية وقومية، أحمد الصديق، اوضح في تصريح لـ"إيلاف" ان قبول الطعن كان مبنيّا على مخالفة الفصل المتعلّق برفع السرّ المهني لبعض الفصول في دستور يناير 2014 وهي أساسا الفصل 24 والفصل 49، اللذين ينصّان على حماية الدولة للحياة الخاصة والمعطيات الشخصيّة وسريّة المراسلات وغيرها.

ووفق رئيس الكتلة البرلمانية المعارضة فقد قررت هيئة مراقبة دستورية القوانين إمكانية إمضاء رئيس البلاد الباجي قائد السبي على قانون المالية ونشره بالجريدة الرسمية لكن دون فصل رفع السرّ المهني المخالف للدستور والذي سيعيده قائد السبسي ثانية الى البرلمان لمناقشة&في أجل لا يتجاوز 10 أيام من تاريخ تسلّمه قرار الهيئة، ومن ثمّ يعيده البرلمان للرئيس الذي بدوره يعيده لهيئة مراقبة دستورية القوانين التي تنظر في دستوريته قبل اعتماده رسميّا.

في المقابل، تؤكّد الحكومة ان رفع السرّ المهني يندرج في إطار تكريس الشفافية الجبائية التي تعهّدت بها لعدد من الجهات الدولية مقابل التراجع عن تصنيف تونس في قائمات الدول التي تعتبر ملاذا ضريبيا او في القائمة السوداء للدول غير المتعاونة في المسائل الضريبية كما صنّفها وزراء مالية الاتحاد الأوروبى في 2017، مع العلم ان الحكومة اقترحت كذلك رفع السرّ المهني في إطار مشروع تنقيح قانون مكافحة الارهاب وتبييض الاموال، يناقشه البرلمان حاليّا.

يُذكر ان البرلمان صادق على قانون المالية وموازنة الدولة لسنة 2019 يوم 10 ديسمبر بموافقة 113 نائبا واعتراض 36 نائبا واحتفاظ عشرة نواب، وقد شهدت الجلسة العامة مشاحنات ومشادات كلامية بين نواب المعارضة والنواب المساندين للحكومة الذين وًجّهت لهم تهم مساندة الحكومة في صياغة قانون المالية "وفق مقاس العائلات النافذة واللوبيات الإقتصادية المهيمنة في البلاد".

قانون على مقاس المتنفذين

خلافا لجدل رفع السرّ المهني تتّهم المعارضة في تونس الحكومة بصياغة قانون المالية على مقاس العائلات واللوبيات النافذة في البلاد في مقابل تمويلهم للحملات الانتخابية المقبلة لحزب حركة النهضة وحزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد المنتظر تأسيسه قريبا، بعد ان لمّح الى ذلك خلال حوار تلفزيوني نهاية الاسبوع الماضي.

وفي هذا السياق، قال رئيس كتلة "الجبهة الشعبية" لـ"إيلاف":الواضح والاكيد ان آخر إهتمامات الحكومة من خلال قانون المالية هو الشعب التونسي حيث قامت فلسفته على حماية ورعاية مصالح أقلية نافذة من رؤوس الأموال ونيل رضا أكثر ما يمكن من الداعمين الماليين المستقبليّين لحزبه".

وتحدّث أحمد الصديق عن إقرار البرلمان تأجيل ترفيع الضرائب على المساحات الكبرى الى سنة 2020 ورفض كل المقترحات التي قُدّمت لتمويل الصناديق الإجتماعية التي تعاني عجزا ماليّا بحجج&واهية خاصة مقترح المعارضة بإقرار مساهمة بنسبة 1 بالمائة من رقم معاملات البنوك ومؤسسات التأمين لتمويل الصناديق الاجتماعية، وهي نسبة يتم إقتطاعها من اجور الاشخاص الطبيعيين في تونس منذ بداية سنة 2018.

يُذكر ان الطعن الذي تقدّمت به المعارضة شمل قانون المالية برمّته بالتوازي مع الطعن في عدد من الفصول بعينها، الا ان هيئة مراقبة دستورية القوانين قبلت فقط الطعن في دستورية الفصل المتعلّق بـ"رفع السرّ المهني في حال طلبت مصالح الجباية بعض المعلومات."
& &
الحكومة تتهم المعارضة بالشعبوية

الناطق الرسمي باسم الحكومة اياد الدهماني نفى قطعيّا توجيه قانون المالية لخدمة لوبيات إقتصادية وعائلات نافذة في البلاد.

واعتبر في تصريحات إعلامية ان مقترح المعارضة بإقرار مساهمة استثنائية بـ1 في المائة على معاملات البنوك وشركات التأمين والشركات العاملة في مجال النفط والمحروقات والاتصالات لفائدة الصناديق الاجتماعية، "إجراء شعبوي" شأنه شأن مقترح الترفيع في الضريبة على المساحات التجارية الكبرى الذي تقدّمت به المعارضة.

وأوضح الدهماني ان تقديم المقترح قبل يوم واحد من المصادقة على قانون المالية لسنة 2019 تسبّب في تلاشي حوالي 500 مليون دينار (حوالي 170 مليون دولار) من البورصة في تونس، واضاف انه ليس من العدل الضريبي إقرار ضريبة على رقم المعاملات نظرا لأنها لا تعني بالضرورة تحقيق المؤسسة لأرباح بالاضافة الى ان توجه الحكومة هو عدم إقرار ضرائب سنة 2019 على عكس سنتي 2017 و2018 وهو ما جعل الكتل البرلمانية ترفض ذلك المقترح المثير للجدل.

كما اكد ان فرض ضرائب على اي مؤسسة سيؤدي ضرورة الى تضرر المستهلك بإعتبار ان قواعد الاقتصاد في العالم مبنية على ترفيع صاحب المؤسسة في الأسعار عند فرض ضريبة عليها.&

إحتجاجات يناير

شهر يناير يشهد دائما إحتجاجات شعبية واسعة في تونس، للمطالبة بالتنمية والتشغيل، خاصة ان بداية كل سنة تكون تاريخ التطبيق الفعلي لقانون المالية الجديد.

وقد اندلعت الاحتجاجات بالفعل في مناطق عدة خلال الايام الثلاثة الماضية، شملت منطقة من محافظة صفاقس، كما شملت الاحتجاجات محافظة القصرين.

ويتوقع رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعود الرمضاني خلال حديثه لـ"إيلاف" أن يكون قانون المالية لسنة 2019 أحد عوامل تفجّر الإحتجاجات.

وأوضح الرمضاني أنّ الترفيع في الضرائب على عديد المنتوجات في قانون المالية لسنة 2018 صاحبته تأكيدات من الحكومة على انها ستكون ظرفية الا ان قانون المالية لسنة 2019 لم يلغِها&مما سينتج تواصل إرتفاع اسعار بعض المنتوجات في ظلّ الارتفاع الذي يشمل كل المنتجات تقريبا في تونس بسبب تقصير الحكومة في مراقبة مسالك التوزيع ومقاومة الإحتكار.

كما إعتبر الرمضاني ان قانون المالية الجديد لم يحمل اي إجراءات لمقاومة التهرّب الجبائي مما سيُبقي الموظفين والعمال كفئة وحيدة تعتمد عليها الحكومة لتعبئة مواردها المالية، وهو ما سيُعمّق وفق تقديره "تآكل الطبقة الوسطى وتفقيرها مما يمكن ان يُنتج ثورة ثانية في تونس للمطالبة بالحقوق الاقتصادية بعد ان طالب التونسيون في ثورة يناير 2011 بالحريات".