أسامة مهدي: قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن مسؤولين وعاملين في إدارة المخيمات و3 منظمات دولية على الأقل أكدوا ان السلطات العراقية اجبرت 235 أسرة يُشتبه بأن أقاربها أشخاص ينتمون إلى داعش على النزوح الى مخيم داقوق في محافظة كركوك الشمالية بينما نُقل آخرون الى مخيمين آخرين في المنطقة.

واشارت الى انه بينما كانت الأسر تهجر، دمّرت مجموعات من "قوات الحشد الشعبي" منازلهم وأجبرت الأهل على ترك أطفالهم وسرقت ماشية بعض الأسر، كما قامت بضرب 3 رجال على الأقل كما اشارت المنظمة الحقوقية الدولية في تقرير لها اليوم تابعته "إيلاف".

وحذرت "هيومان رايتس ووتش" من ان قانون الحرب يحظر تهجير المدنيين القسري، إلا في حالات محدودة إذا كان التهجير ضروريا لحماية المدنيين أو لضرورات عسكرية، فقط لغاية فترة الحاجة لذلك. واوضحت انه بموجب "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية" فأن إصدار أمر غير قانوني بتهجير المدنيين خلال النزاع يُعَدّ جريمة حرب أما التهجير القسري غير القانوني والممنهج الذي تفرضه الدولة أو أي مجموعة منظمة قد يرتقي إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية.

الحكومة تتواطأ

وقالت لما فقيه، نائبة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش "كيف يمكن للعراق الادعاء بأنه طوى الصفحة وأنه يدعم المصالحة بينما تقوم قواته بعقاب جماعي للمدنيين؟ لا يمكن أن يؤدي تواطؤ الحكومة في تعميق انقسام المجتمع العراقي إلى أي نتيجة إيجابية".

وابلغ مدير مخيم داقوق، 30 كم جنوب كركوك، "هيومن رايتس ووتش" خلال زيارة في 23 يناير/كانون الثاني 2018، إن المخيم استقبل 220 أسرة جديدة منذ 4 يناير/كانون الثاني أغلبها من قرى في منطقة الحويجة، غرب كركوك، وجلبتهم القوات العراقية إلى مخيم داقوق بسبب أقرباء لهم يشتبه بانتمائهم لداعش.

واشارت المنظمة الى ان معظم افراد هذه الاسر قد امضوا وقتا في المخيم بين عامي 2014 و2016، عندما كانت مناطقهم تحت سيطرة داعش، وعادوا إلى منازلهم في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بعد استعادة القوات العراقية لهذه المناطق. ومع أن العديد من مجموعات الإغاثة يعمل في المخيم، فإن الخدمات الطبية والتعليمية محدودة فيه. أكد ممثل إحدى المنظمات الدولية أن القوات العراقية أجبرت 15 أسرة أخرى على الأقل على الانتقال إلى مخيمين آخرين في المنطقة.

مقابلات مع اقارب داعش

وأجرت "هيومن رايتس ووتش" مقابلات مع 24 شخصا من 19 أسرة، قالوا إنهم جُلبوا إلى المخيم بين 4 و9 يناير/كانون الثاني حيث أتت هذه الأسر من 10 قرى: اذربان، العلوية الجديدة، كرحة غازان، خريفي، كيصومة، كفاح، مفتول، مراتة، مرابطة، وسيد حميد واعترفوا جميعا، إلا شخص واحد، بأن لديهم أقارب ينتمون إلى داعش.

واوضحوا ان الحشد الشعبي والجيش جمّعا الأسر بدون سابق إنذار، وبطريقة منسّقة بناء على لوائح لديهم، وجلبوهم إلى المخيم بعد فحصهم في القواعد العسكرية. وقالوا إنهم عندما سألوا عن سبب تهجيريهم أجابهم الجنود بأنهم أبرياء ولكنهم يُنقلون إلى المخيم لأن أقرباءهم ينتمون إلى داعش.

وفي 24 يناير/كانون الثاني، قال محام وعامل حقوق في الحويجة لـ هيومن رايتس ووتش، إنه لا يوجد أي مرسوم اتحادي أو إقليمي أو أي أمر بتهجير هذه الأسر، واتفق معه قاض في الحويجة حيث أكد أنه من ناحية قانونية لم ترتكب هذه الأسر أي خطأ ولا يجب أن تعاقَب.

الحشد يعتدي على المرحلين

وتحدث مراقبون مستقلون في داقوق مع 3 رجال من نفس القرية يوم وصولهم إلى المخيم، قالوا إن قوات الحشد الشعبي ضربتهم. ورأى المراقبون ظهور الرجال التي كانت مغطاة بالكدمات. وصوّرهم المراقبون وعرضوا هذه الصور لـ "هيومن رايتس ووتش" التي قال لها أشخاص من هذه القرية إن قوات الحشد الشعبي ضربتهم، لكنهم خافوا من تقديم تفاصيل أكثر.

وقال المراقبون إنهم تكلموا مع مجموعة من الرجال والنساء من قريتين أخرتين، قالوا أيضا إن قوات الحشد الشعبي ضربتهم، وأظهرت امرأة الكدمات على ذراعيها ورِجليها، وصوّرها المراقبون.

فصل الاطفال عن والديهم

قال "أحمد" (40 عاما) وزوجته "لمى" (36 عاما) إن عناصر من وحدة "علي ألاكبر" من الحشد الشعبي والفرقة التاسعة من الجيش أتوا إلى منزلهم في 4 يناير/كانون الثاني وقالوا لهما إنهما مطلوبان لاستجواب سريع. وجعلهم أفراد من الجيش يتركان 5 من أطفالهم السبعة في المنزل وسمحوا لهما باصطحاب الأصغر سنا. بعد ذلك نقلهم المقاتلون في حافلة إلى قرية مجاورة للفحص، ثم أرسلوا لمى مع طفليها إلى داقوق. وقالت لمى "رجوتهم أن يسمحوا لي بالعودة إلى المنزل لاصطحاب أطفالي لكنهم لم يقبلوا".

واضاف أحمد إن قوات الحشد الشعبي أخذته مع 25 رجل وفتى آخرين من هذه القرية، وهم معصوبي الأعين، إلى قاعدة عسكرية حيث أُجبروا على الجلوس على الأرض الرطبة والباردة. بعد عدة ساعات نقل الجنود الرجال إلى المخيم. أمضى أحمد ولمى 5 أيام لإيجاد قريب يجلب بقية أطفالهما إلى المخيم.

مصادرة الوثائق الثبوتية

قالت إدارة المخيم والذين أجرت "هيومن رايتس ووتش" مقابلات معهم إن الشرطة المحلية العاملة في المخيم صادرت أوراق الأسر الثبوتية وتحتفظ بها كي لا يهرب أحد من المخيم. وقال مدير المخيم إنه إذا تمكن أحدهم من إيجاد أحد داخل المخيم ليكفله للحصول على إذن خروج، للذهاب إلى المستشفى مثلا، لا يُسمَح لغيره من الأسرة بالخروج، بل تبقى الأسرة في المخيم لضمان عودته.

وابلغت 3 أسر المنظمة إنهم رأوا، لدى إجبارهم على مغادرة قراهم، رجالا يرتدون زي الحشد الشعبي يهدمون منازلهم بالجرافات ويضرمون النار فيها. قالت أسرتان أخرتان إن جيرانهم الذين بقوا في القرية قالوا لهم إن يوم اقتيدوا قام المقاتلون بهدم منزلهم، لكنهم لم يعرفوا بأي وسيلة.

واوضح المنظمة انها راجعت صور الأقمار الصناعية لـ 3 قرى – كرحة غزان، كفاح وسيد حامد – أكدت هدم 8 منازل باستخدام آليات كبيرة بين 3 و9 يناير/كانون الثاني إلى هدم 21 منزلا في قرية صفراء المجاورة في نفس الفترة. 
وتمكن باحثون من زيارة منزل إحدى الأسر المهدّم في معراتة وأكدوا رواية أفراد الأسرة. رأى الباحثون آثار هدم 6 منازل على الأقل في 3 قرى أخرى – الخان، الرسولية وعاكولة – في نفس الفترة، لكنهم لم يتمكنوا من دخول القرى للحصول على تفاصيل أكثر.

جريمة حرب

ومن جانبه أكد ناشط حقوقي أن الأسر هُجّرت من 3 قرى أوائل يناير/كانون الثاني، وصور الأقمار الصناعية لإحدى القرى تؤكد حصول الهدم بين 3 و9 يناير/كانون الثاني. أما قرى المهجّرين الآخرين الذين أجريت معهم مقابلات – جنوب شرق وجنوب غرب الحويجة – لم تكن آمنة للزيارة.

واكدت المنظمة الدولية ان إحدى المعايير الدولية الأساسية أن تقع عقوبة الجرائم على مرتكبيها فقط، بعد محاكمة عادلة تحدد الذنب الشخصي أما فرض عقاب جماعي على الأسر أو القرى أو المجتمعات المحلية فمحظور كليا وقد يشكل جريمة، خاصة إذا أدى إلى نزوح جماعي.

كما يحظر قانون الحرب تهجير المدنيين القسري، إلا في حالات محدودة إذا كان التهجير ضروريا لحماية المدنيين أو لضرورات عسكرية، فقط لغاية فترة الحاجة لذلك. واوضحت انه بموجب "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"، إصدار أمر غير قانوني بتهجير المدنيين خلال النزاع يُعَدّ جريمة حرب أما التهجير القسري غير القانوني والممنهج الذي تفرضه الدولة أو أي مجموعة منظمة قد يرتقي إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية.

دعوة لتحقيق فوري

ودعت "هيومن رايتس ووتش" السلطات العراقية الى اتخاذ خطوات فورية للتحقيق في جرائم الحرب المزعومة هذه ومزاعم أخرى عن هدم ونهب وتدمير ممتلكات المدنيين وعليها محاسبة المجموعات المسلحة التي تنهب وتدمر ممتلكات المدنيين. وطالبت اللجنة التي أنشأها القانون للتعويض عن "ضحايا الإرهاب والأخطاء العسكرية" بدراسة مزاعم الضحايا حول النهب والهدم من قبل القوات المسلحة.

ومن جهتها شددت لمى فقيه نائبة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش على انه "عبر تهجير هذه الأسر قسرا تحكم السلطات العراقية على أفرادها بمستقبل قاتم في ظل ظروف اقتصادية صعبة وفرص تعليم محدودة وظروف عيش مزرية في المخيمات السجون".