«إيلاف» من القاهرة: ظهرت بوادر أزمة جديدة بين مصر وتركيا، ولكنها هذه المرة تتخذ ملامح اقتصادية، وحذرت "القاهرة" "أنقرة" من "محاولة المساس بالسيادة المصرية في ما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بها في شرق المتوسط"، مؤكدة أن ذلك محاولة "مرفوضة وسيتم التصدي لها".

وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، إن هذه التحذيرات تأتي "تعقيبًا على تصريحات أدلى بها وزير خارجية تركيا "مولود جاويش أوغلو" يوم الاثنين الموافق 5 فبراير الجاري بشأن عدم اعتراف تركيا بالاتفاق المبرم بين مصر وقبرص عام 2013 بترسيم الحدود البحرية بين البلدين للاستفادة من المصادر الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة بالبلدين في شرق البحر المتوسط".

وأضاف أبو زيد في تصريحات رسمية له، أن "اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها"، مشيرًا إلى أنها "تتسق وقواعد القانون الدولي وتم إيداعها كاتفاقية دولية في الأمم المتحدة"، مؤكدًا أن "محاولة المساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في تلك المنطقة، تعتبر مرفوضة وسيتم التصدي لها".

واندلعت الأزمة الجديدة، بعد أن أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن بلاده تخطط لبدء التنقيب عن النفط والغاز شرق البحر المتوسط في المستقبل القريب، معتبراً أن التنقيب عن هذه المصادر وإجراء دراسات عليها يعدان حقًا سياديًا لتركيا.

وأضاف أوغلو أن "الاتفاقية المبرمة بين مصر وقبرص عام 2013 بهدف استغلال المصادر الطبيعية الممتدة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لهما شرق البحر المتوسط، لا تحمل أي صفة قانونية".

وقال في حوار مع صحيفة "كاثيميريني" اليونانية، نشرته وكالة الأناضول التركية، إن "تركيا قدمت طلباً لرفض الاتفاقية، بزعم أن الاتفاقية تنتهك الجرف القاري التركي عند خطوط الطول 32، و16، و18 درجة".

 وأشار إلى أن "القبارصة الأتراك لهم حقوق غير قابلة للنقاش في جزيرة قبرص"، لافتًا إلى أن أنقرة "مصممة على حماية حقوقها ومصالحها".

 وقال أوغلو أيضًا: "لا يمكن لأي جهة أجنبية أو شركة أو حتى سفينة إجراء أي أبحاث علمية غير قانونية أو التنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري لتركيا والمناطق البحرية المتداخلة فيه".

كانت تركيا قد اجتاحت شمال جزيرة قبرص في 1974، وأعلنت ما يسمى "جمهورية شمال قبرص التركية"، ولم تعترف أي دولة في العالم بهذه الجمهورية المرتبطة مالياً وسياسياً بأنقرة، سوى الحكومات التركية، فيما يعترف العالم بدولة قبرص، التي تسيطر على ثلثي الجزيرة تقريباً.

وقال الخبير في شؤون الطاقة، الدكتور محمود عبد المنعم، إن تركيا ليس لها الحق في الاعتراض على اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص، مشيرًا إلى أن حديث وزير الخارجية التركي في هذه التوقيت يمكن وصفه بـ"المكايدة"، لاسيما بعد أن أعلنت مصر بدء انتاج حقل ظهر للغاز الطبيعي، والتوقعات بأنه سينقلها إلى مصادف الدول المصدرة للطاقة.

وأضاف لـ"إيلاف" أن الحديث التركي لا يمكن فصله عن محاولات الاستعداء المستمرة لمصر من النظام التركي بدءًا برأسه الرئيس رجب طيب أردوغان وانتهاءً بوزير خارجيته منذ اسقاط حكم جماعة الإخوان في يوليو 2013.

وأوضح أن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص سارية من العام 2013، ومنذ ذلك الوقت بدأت مصر عمليات البحث والاستكشاف، ولم تقدم تركيا أي اعتراض، إلا بعد الإعلان عن بدء انتاج حقل ظهر من الغاز الطبيعي، ما يطرح علامات استفهام كبرى حول الموقف التركي.

وأشار إلى أن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص تستند إلى الاتفاقيات والقوانين الدولية، منوهًا بأنها تعتمد إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، معتبرًا أن تسجيل الاتفاقية في الأمم المتحدة، واعلانها للرأي العالم العالمي، يقيم الحجة على تركيا ويسقط أي حقل لها في الاعتراض.

وحسب تصريحات الخبير في القانون الدولي، الدكتور عمرو النجار، فإن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تنظم الحدود البحرية بين الدول، وتنص على "النظام القانوني للبحر الإقليمي وللحيز الجوي فوق البحر الإقليمي ولقاعه وباطن أرضه، ومن ضمنها امتداد سيادة الدولة الساحلية خارج إقليمها البرى أو مياهها الداخلية أو مياهها الأرخبيلية إلى حزام بحري ملاصق يُعرف بالبحر الإقليمي، وتمتد هذه السيادة أيضاً إلى الحيز الجوي فوق البحر الإقليمي وكذلك إلى قاعه وباطن أرضه".

وأضاف لـ"إيلاف" أن الإتفاقية تنص أيضًا على أحقية الدول في استغلال حدودها بالقول: "لكل دولة الحق في أن تحدد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 13 ميلاً بحرياً مقيسة من خطوط الأساس المقررة وفقاً لهذه الاتفاقية".

وأوضح أن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص تلتزم باتفاقية الأمم المتحدة، ولم تخرقها، ولم تعتد على الجرف القاري لتركيا، كما يزعم وزير خارجيتها.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، زار العاصمة القبرصية نيقوسيا، في نوفمبر الماضي، وأكد على "موقف مصر الداعم لحقوق قبرص الشرعية في استغلال ثرواتها الطبيعية في منطقتها الاقتصادية الخالصة، وفقاً للقانون الدولي للبحار واتفاقيات تعيين الحدود التي وقعتها قبرص مع دول الجوار، ومن بينها مصر".

وتثير مفاوضات تجري حاليًا بين مصر واليونان لترسيم الحدود البحرية، ومفاوضات أخرى لتوريد الغاز القبرصي إلى مصر، حفيظة تركيا التي تعترض بشدة على بيع الغاز القبرصي قبل التوصل إلى حل سياسي للأزمة مع قبرص.