لندن: صدر الجزء الأول من عمل البروفيسور مايكل بروير الضخم ذي الأجزاء الثلاثة لتوثيق حياة نابليون بونابرت بعنوان "جندي القدر" في عام 2014 مغطياً 36 عاما بين ولادته في عام 1769 وبداية حرب الائتلاف الثالث في عام 1805، بما في ذلك تتويجه امبراطوراً على فرنسا قبل عام. وعلى النقيض من ذلك يغطي الجزء الثاني Napoleon: The Spirit of the Age "نابليون: روح العصر"، خمسة اعوام فقط من 1805 الى 1810 وهي فترة شهدت انتصارات عسكرية استثنائية خرج منها نابليون سيد اوروبا لكنه معزول سياسيا وعاطفياً أكثر من أي وقت مضى. وبدلا من الواقعة الدراماتيكية لغزو روسيا عام 1812 اختار بروير 1810، سنة طلاق نابليون وزواجه من جديدة.

هناك سير لا تُحصى لحياة نابليون ولكن قلة منها تتسم بالفهم العميق لمواطن قوته ومواطن ضعفه قائداً عسكرياً وسياسياً وإدارياً ورجل عائلة الذي يتسم به عمل بروير استاذ التاريخ الاوروبي في جامعة اوكسفورد. ويعتمد بروير المختص بفرنسا بعد الثورة واوروبا النابليونية على مصادر مطبوعة بينها الأجزاء العديدة من المراسلات النابليونية التي جعلتها مؤسسة نابليون في فرنسا متاحة قبل سنوات. ولكن قدرة الكاتب على الانتقال بسلاسة من تفاصيل التكتيكات العسكرية الى حالة نابليون الذهنية هي التي تميز السيرة الجديدة. وهذا ما تؤكده معركة اوسترليتز اواخر 1805 التي يُعتقد انها اكبر انتصارات نابليون. ويوضح بروير ان الحملة كانت مغامرة كبيرة لثلاثة اسباب هي خوضها خارج موسم الحملات العسكرية وبقوات أقل عدداً من قوات اعدائه النمساويين والروس وعلى مسافة ابعد بكثير من كل المعارك الأخرى.

ومع ذاك انتصر نابليون بسبب تخطيطه الدقيق وتمرس قواته في المعارك واستعداده لتوزيع المسؤوليات على ضباط موهوبين. وبذلك تمكن من محاصرة احد الجيوش النمساوية في اولم ثم مواجهة جيش استرالي ـ روسي مشترك في اوسترليتز في الجمهورية التشيكية حالياً وتدميره بخطة عسكرية بارعة اعتمدت على التوقيت.

ولكن ايقاع العمليات العسكرية واتساع سلطوة نابليون مع كل انتصار اقترن بتحديات جديدة لسلطته. وفي غضون اشهر من هزيمة النمسا وروسيا واجه نابليون بروسيا التي انتصر على جيوشها في يينا وآوشتادت رغم الأخطاء التي ارتكبها جنرالاته.

ويرى بروير ان هذا دليل على اهمية نابليون بوصفه موجهاً للعمليات مشيرا الى ان نابليون بعد هذه المعارك كان سيد المانيا ولم تعد تواجه هيمنته على القارة سوى قوتين هما روسيا المتجددة قوتها وبريطانيا اكبر قوة بحرية في العالم.

وتوالت الانتصارات على الروس والنمساويين ولكن انتصار نابليون على الروس في معركة ايلاو عام 1807 كان بثمن باهظ حيث كانت خسائر الفرنسيين اكبر بكثير من خسائر الروس. وامتد سلطان نابليون من البرتغال الى حدود روسيا ولكن قراره توسيع هيمنته في الشرق وغزو اسبانيا اضعف النواة الداخلية لامبراطوريته ، كما يقول بروير.

هنا ادرك نابليون ان لا احد من اشقائه وشقيقاته وريث يُعتمد عليه ولحماية سلالته من الانقطاع أقدم على طلاق الامبراطورة جوزفين ، حبه الأول والأخير ، لأنها لم تنجب له اطفالا. وطلقها على مضض. 

كان نابليون يفضل ان تكون زوجته البديلة اميرة روسية لكنه قبل بنمساوية هي ماري لويز ابنة الثامنة عشرة ، حين رفض قيصر روسيا طلبة يد اميرة من بلاطه. 

ويقول المؤرخ العسكري الأكاديمي سول ديفيد ان مؤلف الجزء الثاني من سيرة نابليون يبدي قدرة ممتازة في تناولة سياسة نابليون الداخلية وخاصة "الأزمة اليهودية" التي فجرها نشر مقالة معادية للسامية في عام 1807 زعمت ان تحرير اليهود في الثورة الفرنسية كان خطأ لأنهم يستغلون حريتهم لتحقيق ارباح طائلة من الربا.

وكان نابليون مع تحرير اليهود ولكنه رغم ذلك وصفهم بالقول انهم "أمة داخل أمة" ويحتاجون الى تصحيح. واتخذ اجراء تصحيحياً ذلك عام 1808 بفرض قيود على القروض التي يمنحها اليهود واسعار الفائدة التي يتقاضونها ولكن في بعض المناطق وليس في سائر انحاء الامبراطورية.

وفي الوقت الذي يبدي المؤلف بروير اعجابه بانجازات نابليون كقائد عسكري وعقل تشريعي فانه يعترف باطوار الامبراطور الغريبة واحكامه الخاطئة في احيان كثيرة. ولكن محصلة جزئه الثاني من سيرة نابليون هي صورة انسانية. ومن الجائز ان تكون أفضل سيرة كتُبت لحياة نابليون برأي المؤرخ ديفيد مشيراً الى ان بروير يختتم هذا الجزء بالقول ان نابليون "لم يكن بنظر هيغل روح العصر فحسب بل الروح التي تتسيد التاريخ ايضاً".

 

اعدت "ايلاف" هذا التقرير بتصرف عن "الديلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط التالي

https://www.telegraph.co.uk/books/what-to-read/finest-biography-napoleon-ever-written/