يبدو أنّ عدم التوافق داخل البرلمان التونسي على 4 مرشّحين، يعمّق تعطيل إنشاء المحكمة الدستورية التي نصّ دستور البلاد الجديد على أن تُحدث بعد أجل سنة فقط من اجراء الانتخابات في 2014.


مجدي الورفلي من تونس: رغم تنصيص الدستور في احكامه الإنتقالية على إرساء المحكمة الدستورية في اجل أقصاه سنة من الإنتخابات التشريعية التي تم إجراؤها في 26 أكتوبر 2014، الا ان مسار إحداثها لم يتجاوز تبني البرلمان لقانونها، فيما لا تزال مرحلة إنتخاب وتعيين أعضائها معطّلة داخل البرلمان الذي ينتخب 4 أعضاء من جملة 12 عضوا في المحكمة الدستورية.

يفرض قانون المحكمة الدستورية في فصله العاشر تعيين أعضاء المحكمة "تباعا" من طرف البرلمان أولا، يليه المجلس الأعلى للقضاء واخيرا رئيس البلاد، مما يجعل إنطلاق تعيين المجلس الاعلى للقضاء، والباجي قائد السبسي، لأعضاء في المحكمة الدستورية رهين إستكمال البرلمان لعملية إنتخاب اول 4 اعضاء فيها.

تقدّمت الكتل النيابية في البرلمان بأسماء لمرشحيها في المحكمة الدستورية خلال السنة الماضية، وقد شهدت عملية فرز ملفّات الترشّح لعضوية المحكمة جدلا كبيرا لتنتهي بقبول 8 أسماء مرشحة من مختلف الكتل النيابية لعضوية المحكمة الدستورية من المنتظر ان يتم إنتخاب 4 من بينهم يوم اليوم الثلاثاء، خلال جلسة عامة إنتخابية سيعقدها البرلمان، تفيد كل المؤشرات انها لن تُفرز حصول اي مرشح على اغلبية الاصوات المطلوبة.

عدم التوافق

انتخاب البرلمان لمرشّحيه الأربعة لعضوية المحكمة الدستورية يتطلّب توفر أغلبية الأصوات عبر تصويت 145 نائبا لكل مرشّح من جملة 217 نائبا، إذ ينصّ الفصل 11 من قانون المحكمة الدستورية على ان ينتخب البرلمان الأعضاء الأربعة بالاقتراع السري وبأغلبية الثلثين، فإن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية يفتح باب الترشيح مجددا لتقديم عدد جديد من المرشحين.

المكلفّ بالإعلام صلب مكتب البرلمان وهو نائب عن حركة نداء تونس، محمد بن صوف أكد في تصريح لـ"إيلاف" انه تم عقد عديد إجتماعات لرؤساء الكتل النيابية في البرلمان لمحاولة التوافق بخصوص 4 مرشحين قبل المرور الى الجلسة العامة للإنتخابية، بإعتبار انه لا يمكن لاي كتلة نيابية تمرير اي مرشّح بمفردها.

وفق بن صوف، فإلى الساعة لم يحصل اي توافق بين الكتل النيابية المختلفة، بخصوص أسماء يقع التصويت لها من مختلف الكتل خلال الجلسة الإنتخابية ليوم الثلاثاء وهو ما سيتمّ تداركه من خلال مواصلة رؤساء الكتل النيابية النقاشات حتى اثناء إنعقاد الجلسة الانتخابية للتوصل الى اتفاق بخصوص 4 اسماء تمثّل مرشحي البرلمان لعضوية المحكمة الدستورية.

وتتوزع مقاعد البرلمان الـ217 أساسا الى 68 نائبا عن حركة النهضة فيما تتكون كتلة نداء تونس، الذي أسسه الرئيس الباجي قائد السبسي في 2012، من 56 نائبا، لتليه كتلة حركة مشروع تونس المنشقة عن نداء تونس بـ21 نائبا ومن ثم الجبهة الشعبية المعارضة بـ15 نائبا لتليه الكتلة الديمقراطية المعارضة كذلك بـ12 نائبا ومن ثمّ كتلة الوطني الحرّ بـ 11 نائبا، اما عدد النواب غير المنتمين لكتل، فهو 14 نائبا.

سيناريو مألوف

النائب بالبرلمان عن تحالف الجبهة الشعبيّة المعارضة الجيلاني الهمامي اكد في تصريح لـ"إيلاف" ان تشبّث الكتل النيابية بمرشّحيها منع في كل مرة التوصّل الى إتفاق بالتصويت لفائدة اي مرشّح من طرف اغلب الكتل وضمان حصوله على أغلبية الأصوات المطلوبة.

يتوقع النائب المعارض ان يُعاد سيناريو التعطيل الذي شهدته عملية إنتخاب رئيس هيئة الإنتخابات، او حتى أن يكون التعطيل اكبر خلال انتخاب اعضاء المحكمة الدستورية.

يذكر ان البرلمان فشل خلال 4 جلسات عامة إنتخابية في نوفمبر 2017 من إنتخاب رئيس لهيئة الإنتخابات بسبب عدم حصول أي من المرشحين على الأغلبية المطلوبة المتمثلة في 109 أصوات التي يتيح تولي منصب رئاسة الهيئة الشاغر منذ ماي 2017، وقد تم التوصل في النهاية الى انتخاب محمد التليلي المنصري رئيسا لها بعد إتفاق بين حركتي "النهضة" و"النداء" و"الوطني الحرّ".

الحسابات السياسية

الخبير الدستوري قيّس سعيد إعتبر في حديث مع "إيلاف" انه لا يمكن الحديث عن دخول الدستور التونسي (حيز التطبيق) قبل تنفيذ كل ما ورد في أحكامه الإنتقالية الذي نص على تركيز المحكمة الدستورية سنة بعد أول انتخابات تشريعية تلت المصادقة على الدستور.

يرى سعيّد ان التأخير المستمرّ في تركيز المحكمة الدستورية يعود اساسا الى الحسابات السياسية لكل طرف حزبي داخل البرلمان وخارجه وقراءاة تلك الأطراف للتوازنات السياسية المنتظرة داخل المحكمة الدستورية.

يذهب الخبير الدستوري الى انه لم يكن من باب الصدفة التنصيص في الفصل العاشر من قانون المحكمة الدستورية على لفظ "تباعا" في ترتيب الجهات التي تنتخب وتعيّن أعضاء المحكمة الدستورية بداية من البرلمان مرورا بالمجلس الأعلى للقضاء نهاية برئيس الجمهورية.

فذلك الترتيب في تقدير قيس سعيّد، يحيل على لعبة سياسية شبيهة بلعبة الورق لينتظر كل طرف وضع الاطراف الأخرى لاوراقها ليكون الطرف الاخير في ذلك الترتيب هو الذي يقرأ كل التوازنات داخل المحكمة الدستورية، وبإعتبار ان البرلمان اول جهة ستكون مصدرا لأعضاء المحكمة فسيتشبّث كل طرف سياسي بمرشحه تحسّبا لأي تعيينات مرتقبة من طرف المجلس الاعلى للقضاء ورئيس الجمهورية.

يذكر ان اهم صلاحيات المحكمة الدستورية تتمثل في البت النهائي في طلب إعفاء رئيس الجمهورية التي تصدر عن البرلمان بموافقة أغلبية ثلثي النواب.

مواصلة العمل بقوانين غير دستورية

اهمّ إنعكاسات تأخر تركيز المحكمة الدستورية وفق الخبير الدستوري قيس سعيّد، يتمثّل في مواصلة القضاء إصدار احكام وفق قوانين لا تتماشى مع الدستور الجديد لتونس في حين انه لو كانت المحكمة الدستورية موجودة يمكن لاي مواطن الدفع بعدم دستورية أي قانون على هامش قضية لا يتعلّق موضوعها الأصلي بدستورية القانون في حدّ ذاته ولكن بإعتباره السند القانوني للبت في تلك القضية.

فبعد الدفع بعدم دستورية أي قانون امام اي محكمة، يقع تعليق النظر في القضية وترفع المسالة للمحكمة الدستورية وان اقرت بعدم دستورية القانون يتوقف العمل به ويحال للبرلمان لتنقيحه وملائمته مع دستور يناير 2014 وهي صلاحية لا تختصّ بها الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين التي تقوم بجزء من مهام المحكمة الدستورية، واساسا مراقبة مشاريع القوانين الجديدة دون القوانين السارية.

يذكر انه بعد حلّ "المجلس الدستوري" إبان ثورة يناير 2011، وبعد المصادقة على الدستور الجديد في 2014، تم وضع هيئة وقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين الى حين تركيز المحكمة الدستورية.

أعلنت تلك الهيئة الوقتية عن قصورها في البتّ في دستورية قانونين تقدّمت المعارضة بطعن فيهما، الاول قصور عن البتّ في دستورية تعديل قانون المجلس الأعلى للقضاء في افريل 2017 بسبب عدم توفر نصاب مجلسها واحالته على الرئيس الذي وقعه ونُشر في الجريدة الرسمية.

فيما تمثل القصور الثاني في طعن المعارضة في "قانون المصالحة" مع فاسدي نظام بن علي المثير للجدل، وهو القانون الذي اعلنت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عن قصورها البتّ في دستوريته في أكتوبر 2017 بسبب "تعادل تصويت اعضاء مجلسها" واحالته كذلك على الرئيس الذي أمضاه وتم نشره في الجريدة الرسمية.