اتهمت منظمة حقوقية دولية قوات أمن إقليم كردستان العراق الشمالي بمهاجمة متظاهري الإقليم المطالبين بدفع رواتبهم، واعتقال صحافيين بشكل تعسفي كانوا يغطون الاحتجاجات، مؤكدة أن هذه الممارسات تهدف إلى إسكات الانتقادات، ووصفت محاولة السلطات إرغام المواطنين على التخلي عن حقوقهم الأساسية في الاحتجاج بأنها دليل على القمع.

إيلاف: قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن قوات أمن حكومة إقليم كردستان العراق الشمالي احتجزت ما لا يقلّ عن 84 متظاهرًا و4 صحافيين في أواخر آذار الماضي، فيما يبدو أن كثيرًا من الاعتقالات تعسفية، لأنها تمت بسبب ممارسة أشخاص لحقهم في حرية التجمع السلمي أو بسبب تجاهل حقهم بموجب القانون العراقي في المثول أمام قاض في غضون 24 ساعة. 

وقال 12 شاهدًا إن قوات الأمن ضربت عديدًا من الأشخاص أثناء محاولة احتجازهم خلال المظاهرات في مدن عقرة ودهوك وأربيل، إضافة إلى اعتقالات في مدن أخرى، منها شيلادزة وسوران وزاخو.

وقد استخدمت قوات الأمن القوة غير القانونية والتهديدات لإجبار بعض المتظاهرين والصحافيين على فتح هواتفهم وتقديم كلمات العبور الخاصة بحساباتهم في "فايسبوك"، واحتجاز المعتقلين لمدة تصل إلى يومين قبل الإفراج عنهم جميعًا من دون تهم، باستثناء واحد. 

اضطر البعض إلى التوقيع على تعهد بعدم حضور "الاحتجاجات غير القانونية". وقال أحد الصحافيين إن قوات الأمن أخبرته أنه لم يعد مسموحًا له بتصوير الاحتجاجات، وقد رفض الصحافي التوقيع على التزام بعدم القيام بذلك.

إسكات الانتقادات
قالت لما فقيه نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" إنه "يبدو أن التكتيكات العنيفة التي استخدمتها قوات إقليم كردستان للرد على الاحتجاجات السلمية تهدف إلى إسكات الانتقادات برغم الإدّعاء الرسمي باحترام حرية التعبير والتجمع، ومحاولة السلطات إجبار الناس على التخلي عن حقوقهم الأساسية في الاحتجاج هو دليل على القمع".

وأشارت إلى أنه في 25 مارس 2018، بدأ موظفو الخدمة المدنية، ومعظمهم من المدرسين وعمال الرعاية الصحية، بالاحتجاج أيامًا في جميع أنحاء إقليم كردستان العراق، بسبب عدم دفع الأجور، حيث دفعت حكومة الإقليم إلى موظفي الخدمة المدنية رواتب شهرية مخفضة كل بضعة أشهر لمدة 3 سنوات، بسبب إجراءات التقشف. وقال أحد المدرسين للمنظمة إنه تقاضى أقل من نصف راتبه لمدة 4 سنوات، ولا يمكنه أن يعيل زوجته وبناته الثلاث.

تفنيد الرواية الرسمية
وقال ديندار زيباري، رئيس "اللجنة العليا للمتابعة والرد على التقارير الدولية"، في 27 مارس "اعتقلت قوات الأمن عددًا من المتظاهرين، واتُهِموا بالتحريض على العنف، وسُلموا إلى المحكمة". وأشار إلى أن الاحتجاجات كانت بدون تصريح قانوني".. وأضاف إن "الأحزاب السياسية اختطفت الاحتجاجات، وحاولت تشجيع العنف، وأنه لم تُرفع دعاوى قضائية ضد قوات الأمن، واتهم المتظاهرين بمهاجمة عنصر أمن".

لكن 12 شاهدًا حضروا الاحتجاجات في عقرة ودهوك وأربيل بين 25 و28 مارس فندوا هذه الرواية، قائلين إن المتظاهرين لم يكونوا مسلحين، ولم يهاجموا أي عناصر أمن، حيث تؤكد مقاطع فيديو شهاداتهم. وتظهر لقطات فيديو للاحتجاج في 25 مارس في أربيل قوات الأمن تطلق الغاز المسيل للدموع على حشد بدا مسالمًا، فيما بدا مقطع فيديو آخر لهذا الاحتجاج يظهر ضابطًا بملابس مدنية يصفع متظاهرة أثناء قيامها بالتصوير. 

كما تظهر مقاطع فيديو صورها محتجون في احتجاج 26 مارس في دهوك واحتجاج 28 مارس في دهوك واحتجاج 28 مارس في اربيل عناصر أمن بالزي الرسمي يدفعون المتظاهرين بوحشية ويمسكون بهم، ولكن بدا أن هذه المقاطع لا تظهر أي محتجين مهاجمين أو مسلحين.

قابلت هيومن رايتس ووتش أحد الصحافيين، والذي كان يصور الاحتجاج في عقرة في 27 مارس لمحطة محلية، فقال إن عناصر من القوة الأمنية "الأسايش" اقتربوا منه صباحًا، واقتادوه إلى مكتب الأسايش، حيث احتجزوه مع 14 متظاهرًا. وأكد أنهم طلبوا منه فتح هاتفه، وراجعوا مقاطع الفيديو التي التقطها، وحذفوها. وأضاف الصحافي: "قالوا لي إنه غير مسموح لي بتصوير المحتجين وحذروني 'إن فعلت ذلك مرة أخرى، فلن يحصل لي خير'". كما قال الصحافي "طلبوا مني التوقيع على تعهد بأن لن أصور أي احتجاج آخر. لكني رفضتُ التوقيع". بعد 4 ساعات، أُطلِق سراحه بدون تهمة.

قوات الأمن اعتدت بالضرب على صحافيين
من جانبه قال صحافي آخر إنه عندما وصل إلى الاحتجاج في عقرة في 27 مارس، تجاهل عناصر الأسايش تصريح دخوله قائلين إنه لا يمكنه التصوير، ثم وصل 3 من أعضاء البرلمان، وشجّعوه على التصوير بغضّ النظر عن أي شيء، ولكن فجأة بدأ حوالى 10 من عناصر الأسايش بضربه، ثم اقتادوه إلى مكتبهم، حيث سألهم المدير لماذا كان ينزف.

أبلغ الصحافي "هيومن رايتس ووتش" قائلًا: "أجبته أن رجاله فعلوا ذلك بي، ولكنه تجاهل ذلك، وأخبرهم أن يأخذوني إلى المستشفى، وهو ما فعلوه بعد ساعة، وهناك قال لي الطبيب إن أنفي مكسور، وسيحتاج إجراء جراحة".

وقابلت المنظمة صحافيًا ثالثًا في الاحتجاج نفسه، والذي اعتُقل مع صحافيين اثنين آخرين صباحًا، ولكن أفرِج عنه ظهرًا، من دون إجباره على توقيع أي شيء أو إخباره بعدم تصوير الاحتجاجات.

من جهتهم قال 9 متظاهرين جميعًا إن قوات الأسايش ضربتهم أثناء احتجازهم، وتمكن 2 من الهرب وتجنب الاعتقال، بينما أُفرِج عن 2 آخرين في غضون ساعتين، ولكن احتُجز 5 منهم لمدة تتراوح بين 12 ساعة ويومين.

وقال 3 من أصل 5 إنه لم يُسمح لهم بالاتصال بأسرهم أو بمحام. طلب عناصر الأسايش من معتقليْن كلمات العبور الخاصة بهواتفهم وحساباتهم في فايسبوك، وحاولوا فتح هاتف آخر. وأكد الحمسة أنه أثناء إطلاق سراحهم من دون تهم طلب منهم الأسايش التعهد بعدم المشاركة في مظاهرات غير قانونية، فرضخ 3 لذلك، ورفض 2 التوقيع على التعهد، ونفوا جميعهم استخدام القوة ضد عناصر قوات الأمن.

يتطابق هذا الرد العنيف مع رد مماثل على احتجاجات في مدينة السليمانية وحولها في ديسمبر 2017، حيث احتجزت قوات الأسايش صحافيين ومتظاهرين لفترات طويلة من دون اتهام، وأجبرت بعضهم على التعهد بعدم المشاركة في الاحتجاجات شرطًا للإفراج عنهم.

سلطات الإقليم ملزمة بحماية الحق في التجمع والتعبير
وشددت "هيومن رايتس ووتش" على أن قوات الأمن ملزمة بحماية الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي. وبرغم أنه يبدو أن منظمي الاحتجاج لم يسعوا إلى الحصول على إذن، كما يقتضي القانون المحلي، إلا أن القانون الدولي يحمي الحق في التجمع السلمي، مع قيود لا يسمح بها إلا في ظروف محدودة.

ينص قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي (رقم 23/1971) على وجوب مثول جميع المعتقلين أمام قاضي تحقيق خلال 24 ساعة من الاحتجاز.

ويعتبر الاحتجاز تعسفيًا بموجب القانون الدولي إذا لم يكن مصرحًا به بشكل واضح بموجب القانون المحلي، أو ينطوي على احتجاز أشخاص بسبب ممارستهم لحقوقهم الأساسية، مثل حرية التجمع، أو ينتهك الحمايات الإجرائية الأساسية، مثل حق المعتقلين في المثول أمام قاض.

وأكدت لما فقيه نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" أن "من حق سكان إقليم كردستان التعبير السلمي عن إحباطهم من الأزمة الاقتصادية، ولا ينبغي على الحكومة الردّ على ذلك بتقييد الاحتجاجات والصحافة، ناهيك عن التهديدات والضرب والاعتقالات التعسفية وعمليات التفتيش غير القانونية للمتظاهرين الذين يطالبون بأجور منصفة".