خلف إجماع لجنة الصحة في البرلمان المصري على قانون يسمح بإجراء تجارب أدوية جديدة على مواطنين مصريين خلف جدلًا بين ممانع لأسباب أخلاقية وإنسانية ومشجع بداعي تشجيع البحث وتوفير ثمن استيراد الأدوية.

إيلاف من القاهرة: سادت حالة من الجدل داخل الشارع المصري وفي الأوساط الصحية والدينية، عقب إعلان لجنة الصحة في مجلس النواب عن موافقته بالإجماع على أول قانون لتنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية «التجارب السريرية» في مصر، والمقدم من قبل الحكومة، حيث تباينت الآراء ما بين الرفض والقبول لمشروع القانون.

يرى الفريق الرافض أن القانون الجديد يحوّل المرضى المصريين إلى فئران تجارب، ويؤدي إلى قتل العشرات من المرضى يوميًا، في حين يؤكد الفريق المؤيد للقانون والحكومة، أن التجارب السريرية تدخل مصر إلى عالم إنتاج الدواء، وتوفر الأموال الباهظة جراء استيراد الأدوية من الخارج.

نص القانون
يتضمن القانون (المعني بالبحوث الطبية الإكلينيكية التي تجري على الإنسان) 35 مادة، حيث عنيت المادة الثالثة على ألا يقتصر إجراء البحث الطبي على مجموعة معيّنة من البشر أو على الفئات المستحقة حماية إضافية، إلا إذا كان البحث ضروريًا، ويتعلق بأمراض خاصة بهم، ومع توافر المبررات العلمية والأخلاقية للاستعانة بهم، وشرط الحصول على الموافقة المستنيرة منهم أو ممن يمثلهم قانونيًا.

واهتم الفصل الخامس بمراحل الأبحاث الطبية الإكلينيكية، التي سيتم إجراؤها على 4 مراحل، المرحلة الأولى: وهي مرحلة التجارب الأولى على البشر، والتي فيها يتم اختيار مجموعة من المتطوعين يتراوح عددهم ما بين عشرين إلى ثمانين متطوعًا، يجري تقسيمهم إلى مجموعات صغيرة، يتكون كل منها من 5 أفراد، شريطة أن يكون الانتقال من مجموعة إلى أخرى بعد التأكد من أمان نتائج التدخل الطبي على المجموعة التي تسبقها. وتهدف هذه المرحلة إلى التأكد من أمان التدخل الطبي. 

أما المرحلة الثانية فيجري فيها البحث الطبي الإكلينيكي على مجموعة أكبر من المتطوعين، يتراوح عددهم ما بين 200 إلى 300 متطوع ممن يعانون من المرض المستهدف من البحث الطبي الإكلينيكي. وتهدف هذه المرحلة إلى المساعدة على معرفة كيفية عمل التدخل الطبي واستكمال ما تم بحثه في المرحلة الأولى. 

المرحلة الثالثة يجري فيها البحث الطبي الإكلينيكي على مجموعة من المتطوعين يتراوح عددهم ما بين المئات والآلاف، وتهدف إلى معرفة فعالية التدخل الطبي مقارنة بأفضل العلاجات المتاحة. أما المرحلة الرابعة (وتعرف بمرحلة ما بعد التسويق) فتتضمن المراقبة الآمنة المستمرة للدواء بعد حصوله على تراخيص التداول. وتتم المرحلتان الأولى والثانية فقط على التدخلات التي تنشأ خارج جمهورية مصر العربية، فيسمح بإجراء المرحلتين الثالثة والرابعة بعد مراجعة واعتماد نتائج المرحلتين الأولى والثانية اللذين تم إجراؤهما في بلد المنشأ.

حقوق الخاضعين للبحث
استعرض الفصل الثاني عشر المسؤولية والعقوبات، حيث يعاقب بالسجن، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه، كل من أجرى بحثًا طبيًا إكلينيكيًا من دون الحصول على موافقة مستنيرة من المتطوع، ومن الممثل القانوني عن الفئات المستحقة؛ حماية إضافية للمبحوثين وموافقات الجهات المحددة بهذا القانون. 

وإذا ترتب على ذلك حدوث عاهة مستديمة، تكون العقوبة السجن المشدد، والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد على 500 ألف جنيه، وتكون العقوبة بالسجن المشدد الذي لا تقل مدته عن 10 سنوات وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، إذا ترتب على الفعل الموت. 

ويعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من الباحث الرئيس وراعي الدراسة، حال عدم الالتزام بأي حكم من أحكام المادتين 20 و22 من هذا القانون. ويعاقب بغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 50 ألف جنيه كل من الباحث الرئيس وراعي البحث حال عدم الالتزام بتقديم الرعاية الطبية اللازمة إلى أي من المتطوعين أثناء البحث الطبي وبعده، فإذا ترتبت على وقوع الجريمة المشار إليها في الفقرة السابقة آثار جانبية على المتطوع، فيضاعف الحدان الأدنى والأقصى المقرران.

حجج الرافضين ضعيفة
من جانبه فقد أكد الدكتور أحمد عماد، وزير الصحة المصري، أن القانون يسمح بتجربة الأدوية الجديدة على المرضى؛ للتأكد من قدرة الدواء على علاج بعض الأمراض المصاب بها المريض، وفي حال نجاح التجربة يتم اعتماد الدواء بشكل رسمي.

وأشار إلى أن القانون الجديد وافق عليه الأزهر والكنيسة، والنقابات الطبية المعنية، وأساتذة الجامعات والبحث العلمي، وبالتالي فإن المعترضين على القانون لديهم مصالح وأغراض ضد تقدم البلاد، ولا يمتلكون حججًا قوية لرفض القانون.

وقال عماد في تصريحات له: "إن التجارب التي تجري لإخراج أي دواء، لا بد أن تمر بمراحل، المرحلة الأولى هي ما قبل الإكلينيكية، وهي التي تتم التجارب فيها على الحيوانات، ثم بعد ذلك 4 خطوات، منها إجراء التجارب على 20 مريضًا أو شخص سليم، ويجب أخذ موافقة مستنيرة من المريض أو الشخص السليم الذي سيتم إجراء البحث عليه، ونشرح له أبعاد الأمر ومخاطره حال وجود مخاطر، ويجب أخذ موافقة موثقة منه، والحصول على بصمة يده، ثم تعرض على المجلس الأعلى للبحوث الطبية للموافقة، والتي تضم أساتذة الجامعات بنسبة 95%، وتتكون من 15 عضوًا".

وشدد على أن القانون الجديد يمنع التجارب غير الشرعية، وتهريب الجينات المصرية إلى الخارج، حيث نص مشروع القانون على السجن المشدد من 10 إلى 15 سنة، والغرامة بمليون جنيه لمن يخرج عينات التجارب إلى الخارج أو يستخدم المرضى كفئران تجارب.

جلسات استماع
في حين لفت الدكتور مجدي مرشد، عضو لجنة الصحة في مجلس النواب، إلى أن "البرلمان عقد جلسات استماع لعدد من المتخصصين في الطب وصناعة الدواء، وتم التأكد من توفير القانون الأمان الكامل للمرضى، حتى لا يتحوّلون إلى فئران تجارب"، مشيرًا إلى أن "البرلمان قد استجاب لكل الملاحظات حول مشروع القانون المقدم من الحكومة أخيرًا"، ومؤكدًا أننا "في مصر نحتاج وضع قانون لتقنين التجارب السريرية التي تتم في السر من دون عقاب أو رقابة من الدولة، كما يحدث في جميع دول العالم".

أضاف الدكتور مرشد إن القانون يعطي المصري حقه، وفيه فصل كامل عن حقوق المتطوعين الذين يطبق عليهم البحث، حيث يترتب على ذلك القضاء على ظاهرة (فئران التجارب)، ولن يكون المصريون بعد هذا القانون فئرانًا للتجارب.

وأكد عضو مجلس النواب، لـ"إيلاف"، أن البرلمان لن يوافق على مشروع القانون بشكل نهائي في الجلسة العامة، إلا بعد التأكد تمامًا أنه يصب في مصلحة المرضى، وأنه لن يؤدي إلى فقدانهم حياتهم بشكل عشوائي كما يتخوف البعض.

ضمانات كافية
في السياق عينه يرى الدكتور محمد سعد، أستاذ الطب الإكلينيكي في جامعة القاهرة، في تصريح لـ"إيلاف"، أن مشروع القانون ليست فيه ضمانات كافية للحفاظ على صحة المرضى، حيث من الممكن أن يتوفى المريض نتيجة حدوث مضاعفات خطيرة في الدواء تحت التجربة، فقد تصل النسبة في بعض الأحيان إلى 90%، ومن الصعب تطبيق العقوبات على المتسبب في الوفاة بحجة الحصول على موافقة المريض.

وطالب الدكتور محمد سعد، الحكومة والبرلمان، بالتأني في إصدار القانون، ومراجعة كل القوانين المطبقة في البلاد الغربية، وتحديدًا القانون الأميركي، الذي يعتبر الأمثل، لأنه يحتوي على ضمانات كافية تحمي حقوق المرضى في مصر.

وأشار إلى أن القانون الجديد سيطبق على المرضى المحكوم عليهم بالإعدام، وأصحاب الأمراض المزمنة، وهو ما يعتبر انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان.

موقف الأزهر
على الجانب الآخر فقد أكد الدكتور محي الدين العفيفي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن مشروع القانون لم يعرض بعد على مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء في الأزهر لأخذ الرأي الشرعي فيه، وفقًا لنص المادة السابعة من الدستور.

وقال العفيفي لـ"إيلاف" إن "القول الحاسم في شرعية القانون يتوقف على الإطلاع على نصوصه، وبالتالي من الخطأ التعليق عليه بشكل عام الآن".