موسكو: في ذروة التوتر بين اسرائيل وايران، تدعو روسيا الى الحوار وتضاعف اتصالاتها بين البلدين اللذين تقيم معهما علاقات مميزة، لتجد نفسها في موقع الوسيط بينهما.

يقول المحلل الروسي الكسي مالاشنكو لفرانس برس "بالمختصر المفيد يجد الكرملين نفسه اليوم جالسا بين كرسيين"، في اشارة الى ايران واسرائيل، مضيفا "انه وضع معقد وصعب لروسيا التي تقيم علاقات جيدة مع العدوين اللدودين".

وشهدت الاراضي السورية ليلة الاربعاء الخميس تدهورا خطيرا اثر تعرض منطقة الجولان السورية المحتلة لوابل من القذائف من الاراضي السورية، ما دفع اسرائيل الى الرد بشن عشرات الغارات الجوية على اهداف ايرانية في سوريا.

واكدت اسرائيل ان غاراتها تأتي ردا على قصف ايراني للقسم المحتل من هضبة الجولان السورية.

وسارع الكرملين الى الاعراب عن "قلقه" داعيا البلدين "الى ضبط النفس"، والعمل على حل خلافاتهما "بالطرق الدبلوماسية فحسب".

وبعيد دخولها عسكريا في النزاع السوري عام 2015 تحولت روسيا الى لاعب اساسي في الشرق الاوسط.

وقال الكسندر كريلوف المتخصص في الشؤون الخارجية في جامعة مغيمو الروسية "ان دور الوساطة الروسي يلقى ترحيبا كبيرا في المنطقة، وهذا الدور مرشح لان يتعزز" في حال تفاقم النزاع بين اسرائيل وايران.

وتابع كريلوف ان الدور الروسي يزداد اهمية "بسبب العلاقات الجيدة التي تقيمها روسيا مع لاعبين ترفض قوى اساسية التحادث معهم مثل حماس وحزب الله وايران والاكراد..".

وتحولت موسكو بذلك الى وسيط بين اسرائيل وايران اللتين تقيمان علاقة عداوة منذ عقود.

وعشية وقوع الضربات الاخيرة استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاربعاء في موسكو رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو للمرة الثانية منذ مطلع السنة الحالية.

واعلنت موسكو ان سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي كان في طهران الخميس لمناقشة تداعيات القرار الاميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي الايراني. واوضحت موسكو ان البلدين سيقيمان "تعاونا وثيقا" بشأن هذا الملف.

علاقات ثقة

وفي مؤتمر صحافي عقده في موسكو، اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان موسكو حذرت كل الاطراف من "مغبة القيام باي عمل يشكل استفزازا".

واعتبر الخبير الجيوسياسي فيودور لوكيانوف الخميس ان اللقاء بين نتانياهو وبوتين عشية الضربات "يؤكد ان روسيا قادرة على لعب دور اساسي"، مضيفا "بامكان موسكو في هذا الاطار استخدام علاقات الثقة التي تقيمها مع البلدين لمساعدتهما على التواصل وتجنب تجاوز المواجهة لحدود معينة".

واضاف لوكيانوف انه اذا كانت روسيا تعتبر الهواجس الامنية لاسرائيل "مشروعة" فانها تعتبر ايضا ان ايران "شريك لا غنى عنه بالنسبة الى ملفات عدة خصوصا الملف السوري".

وبدات العلاقة بين روسيا وايران بالتحسن مع انتهاء الحرب الباردة. وفي الوقت الذي كان المجتمع الدولي ينظر الى ايران على انها دولة منبوذة اقامت روسيا علاقة معها منذ منتصف التسعينات وعملت على استئناف تنفيذ عقد بناء مفاعل بوشهر النووي في جنوب ايران بعد ان تخلت عنه المانيا.

بالنسبة الى سوريا، تعتبر ايران على غرار روسيا، دولتين داعمتين لنظام الرئيس السوري بشار الاسد. وبالتعاون مع تركيا تشكل هذه البلدان الثلاثة رافعة لمحادثات استانا التي اتاحت خفض التوتر العسكري في سوريا العام الماضي من دون التوصل الى تقدم بشأن التسوية السياسية.

ويرى الخبير مالاشنكو ان روسيا ستبذل كل ما في وسعها للابقاء على علاقات جيدة مع اسرائيل وايران، خصوصا ان الضربات الاسرائيلية "لا تهدد على الاطلاق" الدور الروسي في سوريا.

الا ان هذا الخبير يقول محذرا ان لهذه الاستراتيجية حدودها. وقال "مهما حسنت النيات فان احدا لن يستطيع حاليا جمع ايران واسرائيل على طاولة واحدة".

كما قال لوكيانوف بهذا الصدد "في حال عملت اسرائيل على التصدي للدور الروسي المهيمن في سوريا فان موسكو لا بد ان تتخذ موقفا" ازاء هذا الامر.

واضاف "الا ان احتمال حدوث هذا الامر يبقى ضعيفا لان اسرائيل تعرف ان روسيا هي التي تضع شروط اللعبة في سوريا".