بيروت: للمرة الأولى منذ أكثر من سبع سنوات، تلتقي قوى إقليمية ودولية ذات مصالح متناقضة معنية بالنزاع السوري، على دعم عودة القوات الحكومية حصراً الى منطقة جنوب سوريا الاستراتيجية، وفق ما يقول محللون.

وتكتسب هذه المنطقة التي تضم بشكل رئيسي محافظتي درعا والقنيطرة، خصوصيتها من أهمية موقعها الجغرافي الحدودي مع اسرائيل والأردن، عدا عن قربها من دمشق. ولكل من هذه الأطراف الثلاثة، بالاضافة الى داعميها من روس وايرانيين وأميركيين، مصالح أو تطلعات فيها.

وبعد سيطرته بالكامل على دمشق وريفها في أبريل، بدأ الجيش نقل تعزيزات الى درعا التي شكلت مهد الاحتجاجات السلمية ضد النظام في مارس 2011 قبل اندلاع النزاع المسلح، والى محافظة القنيطرة المجاورة. وألقى الجيش الأسبوع الماضي منشورات تنذر بعملية عسكرية وشيكة وتدعو الفصائل المعارضة إلى إلقاء السلاح.

ويقول الباحث في مركز عمران للدراسات نوار أوليفر لوكالة فرانس برس "الجبهة الجنوبية هي أول مثال على توافق دولي لعودة النظام (..) من الواضح أن هناك توافق بين الأميركيين والإسرائيليين والأردنيين والروس، على أن الخيار الأفضل هو انتشار قوات النظام من دون الدخول في عملية عسكرية".

ويحضر مستقبل الجنوب السوري على جدول محادثات تقودها روسيا مع اسرائيل من جهة والولايات المتحدة والأردن من جهة أخرى. فقد دعت موسكو قبل أسبوع واشنطن وعمان الى عقد لقاء "بأسرع ما يمكن" للبحث في هذه المسألة التي حضرت أيضا في اتصال هاتفي جمع الخميس رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويتحدث الباحث المتخصص في الشؤون السورية في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر عن "تشكّل شبه إجماع دولي على عودة دمشق الى الجنوب السوري، ولكن مع إبعاد حليفها الايراني عن الحدود".

منطقة "عازلة"

ويميز المحللون بين جبهتين رئيسيتين لقوات النظام، إحداها مع اسرائيل (القنيطرة) والاخرى مع الفصائل المعارضة (درعا).

وتسيطر فصائل معارضة على سبعين في المئة من مساحة محافظتي درعا والقنيطرة، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان. ويتواجد تنظيم الدولة الاسلامية في جيب في جنوب غرب درعا. كما ينتشر نحو 500 من مقاتلي حزب الله والمستشارين الايرانيين في مثلث درعا القنيطرة وريف دمشق الجنوبي الغربي.

ويقول أوليفر "من المهم جداً بالنسبة للإسرائيليين والأميركيين، الضغط على الإيرانيين، وهذا ما يحصل باشتراط خروجهم من هذه المنطقة". لكن هيلر يتحدث عن "عدم ثقة بعض الأطراف بقدرة دمشق على كبح جماح شريكها الإيراني وإلزامه على الابتعاد عن تلك المنطقة الحساسة".

ويرى الباحث في المعهد الأميركي للأمن نيكولاس هيراس ان واشنطن تريد من خلال أي صفقة "وضعاً يمكن للاسرائيليين التعايش معه، وهو الأمر الأصعب، لأن ذلك يعني أنه لا يمكن للأسد دعوة الايرانيين وحزب الله للتمركز في المنطقة".

وحصل في مايو تصعيد غير مسبوق بين اسرائيل وايران في سوريا، بعدما أعلنت اسرائيل قصف عشرات الأهداف "الايرانية" رداً على على صواريخ قالت إنها ايرانية أُطلقت من جنوب سوريا على هضبة الجولان المحتلة. 

وتسعى اسرائيل، بحسب هيراس، الى إقامة منطقة عازلة في القنيطرة بهدف "توفير حارس على الجانب السوري من مرتفعات الجولان".

"يربح بلا حرب"

وتشهد منطقة جنوب سوريا وقفاً لاطلاق النار أعلنته موسكو مع واشنطن وعمان منذ يوليو، بعدما أُدرجت في محادثات استانا برعاية روسية وايرانية وتركية كإحدى مناطق خفض التصعيد في سوريا.

ويقول هيراس "السرّ القذر الذي لم يعد يخفى على أحد، هو أن الحكومة الأميركية أدركت من اليوم الأول أن منطقة خفض التصعيد لن تكون الا خطوة مؤقتة نحو صفقة أوسع مع روسيا، تهدئ المخاوف الأردنية.. وتبقي الاسرائيليين سعداء".

ويضيف "يريد الأردنيون أن يربح الأسد من دون حرب، وهذا ما تقدمه روسيا تماماً عبر عملية المصالحة".

وتشكل عمليات المصالحة التي تقودها موسكو في مناطق عدة بين الفصائل المعارضة والنظام، وفق هيراس، "الفرصة الأفضل بالنسبة للاردنيين لتجنب هجوم" يرتب تدفق مزيد من اللاجئين الى أراضيهم، علماً أنهم يستضيفون أكثر من 660 ألف لاجئ سوري وفق الأمم المتحدة.

وتريد روسيا وفق ما يوضح أوليفر، "أن تعيد شرعية النظام.. عبر السيطرة على المدن الرئيسية والمعابر" التي يعد معبر نصيب مع الأردن أبرزها.

ويقول محللون ان في اعادة فتح المعبر مصالح تجارية متبادلة بين البلدين. وتعد السيطرة على جنوب سوريا "مسألة وجودية" بالنسبة لدمشق وفق هيراس.

الا ان وزير الخارجية السوري ليد المعلم رفض السبت الحديث عن اتفاق. وقال إن أي اتفاق مشروط بانسحاب الولايات المتحدة من التنف، في اشارة الى قاعدة تستخدمها واشنطن لتنفيذ عمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بعدما شكلت سابقاً قاعدة لتدريب مقاتلين معارضين.

في هذا الوقت، يترقب السكان بقلق التطورات. ويقول أحمد أبو حازم، أحد سكان مدينة درعا، "النظام كما ينقل الاعلام، استقدم تعزيزات ويريد اقتحام درعا. الدول الخارجية تعقد اجتماعات يومية، أما الشعب فلا يعرف ماذا سيحدث".

وتبدو الفصائل المعارضة التي يعمل معظمها تحت مظلة النفوذ الأميركي الأردني بعيدة أيضاً عن مضمون هذه المحادثات. ويقول مصدر قيادي في "الجبهة الجنوبية"، ائتلاف فصائل معارضة، لفرانس برس "لسنا في اجواء المفاوضات الراهنة"، متخوفاً من حصول اتفاق مصالحة يخرج بموجبه المعارضون من المنطقة.

ويضيف "لدى كل عائلة معتقل أو شهيد على الاقل، كون أهالي درعا أول من ثاروا ضد النظام، والمناخ العام يظهر عدم ثقة المدنيين بالنظام أو روسيا".

ويقول القيادي في فصيل "قوات شباب السنة في درعا" أبو سيف من جهته إن "القرار عند ثوار الجنوب متخذ بالبقاء والمواجهة وعدم السماح للنظام وأعوانه بالدخول".