غزة: في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة، والأزمة المالية التي يعاني منها مواطنو القطاع، تبدو اسواق غزة مع اقتراب العيد في "اسوأ حالاتها" منذ سنوات، وفق الخبراء الاقتصاد هناك، الذين حذروا من ضغوطات تثقل كاهل سكان القطاع، الامر الذي ينذر بانفجار لا احد يعرف مداه.

يجلس هاني اللحام مع زوجته وأطفاله الثلاثة في كوخ صغير على شاطئ قطاع غزة لتناول الافطار بعد صيام يوم طويل، لكنه يعبر عن مرارة مع اقتراب عيد الفطر المبارك لأنه لا يملك الا القليل من المال للاحتفال او تغطية الاحتياجات الاساسية.

بين السلطة وحماس
وهاني واحد من نحو 60 ألف فلسطيني في قطاع غزة يتلقون رواتب من حكومة التوافق الفلسطيني المعترف بها دوليا وقد توقفوا عن العمل بأمر من السلطة، بعد سيطرة حماس بالقوة على القطاع في 2007 اثر فوزها الكاسح في الانتخابات التشريعية قبل ذلك بسنة.


وتم إخلاء العائلة من منزلها المستأجر في خان يونس جنوب القطاع، وتعيش الآن في كوخ صغير على شاطئ البحر شمال مدينة غزة، حيث لم يتلق هاني راتبه الشهري وقيمته 1700 شيكل (475 دولار تقريبا) منذ عدة أشهر والذي يفترض أن تدفعه الحكومة الفلسطينية.

راتب لا يكفي
وأخيرا، دفعت السلطة الفلسطينية الاسبوع الماضي جزءا من الراتب الشهري لموظفيها في القطاع قبل أيام من العيد الفطر، لكنه لا يغطي احتياجاتهم الأساسية.

وقال هاني (55 عاما) الذي عمل في قسم الامن والحماية بوزارة الداخلية حتى 2007 قبل ان يتحول لمرتبات "اسير محرر" لوكالة فرانس برس "لو رجع راتبي سأستأجر شقة، سئمت من هذه العيشة، هذه كارثة، غزة تنهار".

وما زاد الطين بلة، ان البلدية المحلية تحاول هدم كوخه وكشك صغير اقامه بجانبه لبيع القهوة والشاي للمارة، لأنها بنيت على الساحل دون حصوله على الموافقات اللازمة.

أين نذهب؟
"أين نذهب؟ هل نحرق انفسنا؟" تتساءل زوجته نور (33 عاما) وهي تحتضن اطفالها الثلاثة. 

ومع الحصار الخانق الذي فرضته اسرائيل على قطاع غزة، فإن الموظفين ظلوا عالقين لأكثر من عقد من الزمان في انتظار انتهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق مصالحة بين حركتي حماس وفتح للسماح لهم بالعودة إلى العمل.

الفلسطينيون ضحايا الصراع
وتؤكد حماس التي حققت فوزا كاسحا في الانتخابات البرلمانية عام 2006 ان لها الحق في الحكم. لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وصف سيطرتها على القطاع بـ"الانقلاب".

وفي مسعى لإجبار حماس على التخلي كليا عن حكم القطاع وفي مواجهة النقص المالي، سعى عباس على ما يبدو لتقليص مرتبات موظفيه في غزة وتقليص الدعم للوزارات بما فيها الصحة والتعليم.

 وفي آذار/مارس 2017، حسمت السلطة نحو 30 بالمئة من أجور موظفيها في غزة واحالت الألاف منهم للتقاعد المبكر، وبعد عام توقفت عن دفع هذه الرواتب دون تفسير.

بوادر حلٍ
وفي نيسان/ابريل وعد عباس في جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني في رام الله بأن يتم دفع الرواتب في غضون أيام قليلة، لكن لم يحدث أي شيء. 

وأخيرًا ، في الخامس من حزيران/يونيو تم دفع 50 بالمئة من راتب شهر واحد قبل العيد. 

وبرر مسؤولون في الحكومة عدم دفع رواتب غزة بمسألة "فنية"، فيما واجهت الحكومة نقصا ماليا طويل الأجل ازداد سوءا بسبب الضغوط من الحكومة الاميركية.

وحذرت حماس من ان "استمرار إجراءات عباس الانتقامية ضد اهلنا في غزة وقطع رواتب موظفي السلطة مؤخرا، تكرس الانقسام وتمهد لفصل الضفة عن غزة تنفيذا لصفقة (الرئيس الامريكي دونالد) ترمب".

لكن عاطف ابو سيف الناطق باسم حركة فتح اعتبر ان اجراءات السلطة "ليس عقوبات، لكنها للتأثير على الانقسام وتقويضه".


ينذر بانفجار
وشكلت أزمة الرواتب "ضغطا اضافيا على المواطن في غزة" حسبما يقول جمال الفاضي استاذ العلوم السياسية مضيفا ان "خفض الرواتب واستمرار الانقسام والحصار، كلها ضغوطات تنذر بانفجار لا احد يعرف مداه". 

ورأى ان حماس "تريد تخفيف الضغوطات لذا دعمت مسيرات العودة" في الاحتجاجات على طول الحدود الإسرائيلية التي بدأت نهاية آذار/مارس حيث قتل نحو 129 فلسطينيا بنيران الجيش الإسرائيلي.

وأدى خفض الرواتب الذي يقول محللون ان السلطة الفلسطينية سعت من ورائه للضغط على حماس، الى انهيار الوضع الاقتصادي للغزيين.

أوضاع غزة
وتبدو اسواق القطاع رغم اقتراب العيد في "اسوأ حالاتها" منذ سنوات، وفق الخبير الاقتصادي ماهر الطباع.

وتظاهر مئات الفلسطينيين في رام الله الاحد للمطالبة بدفع الرواتب في غزة وهي خطوة نادرة للمعارضة في المدينة التي تعتبر مركز حكومة عباس.

وحذرت الأمم المتحدة من أن اوضاع غزة حيث يعيش مليونا شخص قد تنفجر مرة أخرى. وشهد القطاع ثلاثة حروب مع إسرائيل منذ عام 2008.

مناشدات
صابرة أبو علي (67 عاما) مريضة بفشل كلوي، وبما أن راتب أولادها الاربعة الذين يتولون اعالتها توقف في آذار/مارس، فإنها لا تستطيع توفير الرعاية اللازمة.

وتقول "لا أملك المال اللازم للعلاج، أحصل على غسيل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع في مستشفى الشفاء (في غزة). ولا أحصل حتى على 30 شيكل أحتاجها كل يوم للتنقل". وسألت المرأة باكية "كيف يمكنك أن تتركنا يا أبو مازن؟" 

اما ياسر الموظف في وزارة الصحة ، فقال إنه لا يستطيع تحمل تكاليف الحياة الأساسية. "لدي ديون للسوبر ماركت ، محل الخضار، الصيدلية ، رسوم الجامعة لابنتي ورسوم المدرسة للأولاد".

وبمجرد أن حصل على دفعة من راتبه وسدد دفعة القرض المصرفي ودفع فواتير الكهرباء والهاتف، تبقى لديه 75 شيكل. 
ويقول إن وضعه المالي "القاسي" دفع زوجته إلى تركه وأخذ الأطفال والعودة إلى منزل عائلتها.

ويخلص ياسر الى القول "الانتحار أفضل من هذه الحياة المهينة".