وقع السرطان أخيرًا في شباك العنكبوت... بعدما كشف أطباء في سويسرا وألمانيا علاجًا له يعتمد بصورة أساسية على جزيئات مستمدة من الخيوط التي يفرزها العنكبوت.

إيلاف من برلين: يمكن لجزيئات بوليمر معين، (البوليمرات هي مواد مصنوعة من سلاسل طويلة ومتكررة من الجزيئات. هذه المواد لها خصائص فريدة من نوعها، اعتمادًا على نوع وكيفية الترابط فيما بينها)، مستمد من خيوط العنكبوت أن يفعّل العلاج المناعي في المرضى الذين يعانون من الأمراض السرطانية.

ويعتقد الباحثون أن مستقبل مكافحة الأورام السرطانية يكمن في العلاج المناعي وليس في الطرق العلاجية الأخرى. وهي طريقة تعمل على تفعيل نظام المناعة الجسدي ضد الخلايا السرطانية. ومعروف في الطب أن الخلايا السرطانية تستخدم آلية خاصة لتحييد الخلايا المناعية في الحرب التي قد يشنها الجسم ضدها.

وكتب العلماء الألمان من جامعة بايرويت وميونخ والعلماء السويسريون من جامعتي جنيف وفرايبورغ ان الجزيئات المستمدة من بروتينات خيوط العنكبوت تسللت في التجارب المخبرية إلى داخل الخلايا المناعية في الجسم وفعلتها في عملية قتل الخلايا السرطانية.

وبالتعاون مع شركة"امسيلك" الألمانية، التي تتخصص منذ سنوات باستخدام خيوط العنكبوت في مختلف المجالات، تم انتاج جزيئات من نسيج العنكبوت، تفعّل العلاج المناعي في الأمراض السرطانية ومرض السل. 

وكتب العلماء في مجلة" بيوماتيريالز" (المواد البيولوجية) أن الجزيئات المستمدة من خيوط العنكبوت يمكن أن تفعل اللقاحات المختلفة ضد العديد من الأمراض الاستوائية أيضاً.

إنتاج بوليمرات خيوط العنكبوت مخبريًا

وكتب الباحث البروفيسور توماس شايبل، رئيس قسم المواد البيولوجية في جامعة بايرويت، انهم انتجوا البوليمرات المستمدة من خيط العنكبوت مخبريًا بطريقة بيوتكنولوجية. وحولوا بعد ذلك هذه البوليمرات إلى"عربات ناقلة" للأدوية المضادة للأمراض السرطانية والسل مباشرة إلى داخل الخلايا المناعية في الجسم.

وفعّلت هذه العقاقير الخلايا المناعية وأعادت لها قدرتها على مقارعة الخلايا السرطانية والبكتيريا. وأضاف شايبل أن فريق العمل الألماني السويسري المشترك أزال عقبة دائمة من أمام طريقة العلاج المناعي للسرطان.

والخلايا المناعية من نوع الليموفوسايت - تي التي فقدت القدرة على مقارعة الخلايا السرطانية بحاجة إلى "بيبتيد" معين يتسلل إلى داخلها كي تستعيد قدرتها القتالية. وإذ فشلت طرق حقن الأدوية اللازمة لتفعيل الخلايا المناعية في الدم حتى الآن، نجح فريق العمل الألماني السويسري باستخدام "البوليمر" المستمد من خيوط العنكبوت لتسريب هذا الببتيد إلى داخل الخلايا المناعية.

إنجاز يعد بلقاح أيضاً

ويؤكد البروفيسور شايبل ان ببتيد خيوط العنكبوت غير سام بالنسبة للجسم، ولم يتكشف عن أعراض جانبية خطيرة، كما يتقبله جسم المريض دون أن يلفظه. وربما سيحتاج فريق العمل إلى وقت طويل، وإلى تجرب أخرى، إلى أن يضع الطريقة في خدمة الطب، إلا ان فريق العمل متفائل. وقال شايبل انهم توصلوا إلى طريقة واعدة لتفعيل العلاج المناعي، ومن الممكن ان يؤدي هذا النجاح إلى تراجع الابحاث في المجالات العلاجية الأخرى.

وهذا ليس كل شيء، لأن الانجاز يعد أيضاً بابتكار لقاحات ضد مختلف الأمراض السرطانية والسل. ويمكن ان يتم ذلك عن طريق تسريب البيبتيد من بوليمر خيوط العنكبوت إلى داخل خلايا الليمفوسايت-ب المناعية. ومعروف ان هذه الليمفوسايت تحرر الأجسام المضادة التي تتعرف على الخلايا الغريبة وتقتلها.

حفظ اللقاحات في البلدان الحارة

ويضيف البروفيسور شايبل ان نقل وحفظ اللقاحات المضادة للأمراض المعدية في البلدان الحارة معضلة كبيرة. فهذه اللقاحات تفقد الكثير من فاعليتها في درجات الحرارة المرتفعة، كما أن حفظها في ثلاجات كبيرة مكلف جداً بالنسبة لهذه البلدان الفقيرة. وهنا يمكن تسريب جزيئات هذه اللقاحات داخل"بيتيد" خيوط العنكبوت، لأن هذه الخيوط لا تتأثر بالحرارة وتحفظ هذه اللقاحات من العطب.

وكان شايبل، بحسب تعبيره، وضع"حجر الأساس" لصناعة القلوب البشرية من نسيج العنكبوت. وجاء في تقرير له في العام الماضي على صفحات مجلة "المواد الوظيفية المتقدم" ان فريق عمله استخدم بروتينات معينة في خيوط العنكبوت لانتاج أنسجة قلبية يمكن أن تدخل في إنتاج قلوب كاملة صناعية، ويمكن ان تستخدم في ترميم القلوب بعد تعرضها للجلطات.

واعتبر البروفيسور توماس شايبل القلب المصنوع من نسيج العنكبوت انجازاً طبياً واعداً. وقال ان فريق العمل استخدم جهاز الطبع الثلاث الابعاد(المجسم) في إنتاج الأنسجة القلبية من بروتينات خيوط العنكبوت. وهي أنسجة مناسبة جداً لجسم الإنسان ولايرفضها نظام المناعة الجسدي.

ويعود الفضل إلى البروفيسور توماس شايبل أيضاً في استخدام نسيج العنكبوت لتغليف أقراص (كبسولات) الأدوية. واستخرج شايبل وزميله اندرياس باوش مادة من خيوط العنكبوت، و طوراها صناعياً، لتحويلها إلى مادة لتغليف المواد الحيوية الأخرى.