تدور الشكوك منذ سنوات حول انتشار الأمراض السرطانية بين الطيارين والمضيفات أكثر من انتشارها بين الآخرين، لكن دراسة اميركية جديدة تثبت ذلك.

ايلاف من برلين: يعتبر أفراد طواقم الطائرات من أكثر أصحاب المهن تعرضاً للإشعاعات (1,8 ميليسيفرت سنوياً)، إلا أن هذه الإشعاعات ليست السبب الوحيد في ارتفاع نسبة السرطانيات بينهم، كما تكشف ذلك الدراسة الجديدة من جامعة هارفارد. 

وكتب فريق العلماء في مجلة "انفايرومنتال هيلث" أنهم رصدوا إصابات بين الطيارين والمضيفين والمضيفات ترتفع عن المعدل المعروف بين أصحاب المهن الأخرى، خصوصاً في مجالات سرطان الثدي وسرطان الرحم وسرطان عنق الرحم وسرطان الجلد وسرطان الأمعاء وسرطان الغدة الدرقية.

أجرى فريق العمل دراستة على طواقم الطيران في الولايات المتحدة، ولكن من غير المعتقد ان تختلف النتائج عنها في أوروبا أو غيرها. وهذا، لأن القضية تتعلق بالاشعاعات والتوتر النفسي والطيران الليلي والوزن وعادات التدخين وتعاطي الكحول، وغيرها من العوامل المساعدة على نشوء الأورام السرطانية.

إذ قاست وزارة الصحة الألمانية، في دراسة لها شملت 40 ألفاً من أفراد طواقم الطيران، أنهم يتعرضون إلى جرعة إشعاعات تبلغ 2,5 ميليسيفرت في السنة. 

وحددت الوزارة الحد الأعلى تعرض الإنسان للإشعاعات بنحو 20 ميليسيفرت، كما قاست ان الألماني الاعتيادي على الأرض يتعرض إلى إشعاعات قدرها 2,1 ميليسيفرت سنوياً.

وتكشف هذه الأرقام ان الاشعاعات اذن ليست العامل الوحيد الذي يجعل الطيارين والمضيفين اكثر عرضة للسرطانات. 

علماً ان السفر جواً لايمثل أية خطورة بالنسبة للمسافرين والسياح، لكنه يصبح خطراً بسبب الطيران الدائم كما هي الحال مع طواقم الطيران.

مخاطر سرطان أكثر بـ15%

وأجرى العلماء دراستهم الحالية على 5300 فرد من أفراد طواقم الطيران، وكانت الإناث تشكل الغالبية بينهم. وقارنت نتائج الدراسة بدراسة أخرى أجرتها وزارة الصحة الأميركية وشملت 5000 فرد من الطيارين والمضيفات.

درس فريق العمل الأوضاع الصحية لهؤلاء الطيارين والمضيفات طوال سنوات، كما استفسروا منهم عن أمراضهم النفسية والجسدية الأخرى. وتوصلت الباحثة ايلين ماكنيلي وزملاؤها، من جامعة هارفرد للصحة العامة، إلى ان نسبة الأمراض السرطانية، من مختلف الأنواع، هي أعلى بين طواقم الطيران من غيرهم. 

ورصد فريق العمل ان نسبة الأمراض السرطانية بين العاملين في الجو ترتفع بنسبة 15% عن نسبتها بين أصحاب المهن الأخرى والبشر العاديين. ونطرح هنا نسب الأمراض السرطانية التي رصدها العلماء بين العاملين جواً مراعين وضع نسبة نفس السرطان بين البشر الاعتياديين بين قوسين.

كانت نسبة الإصابة بسرطان الثدي (اناث) تبلغ 3,4% بين المضيفات (2,3%)، وبسرطان الرحم 0,15% بين المضيفات (0,13%)، وسرطان عنق الرحم1%(0,7%)، وسرطان الأمعاء0,47% (0,27%) وسرطان الغدة الدرقية 0,67% (0,56%).

فرق واضح في حالة سرطان الجلد

ويعرف القاصي والداني الدور الذي تلعبه الاشعاعات، واشعة الشمس فوق البنفسجية أيضاً، في اصابة سرطان الجيد، ولهذا فقد كان تأثير الاشعاعات على بشرة الطيارين والمضيفات أكثر وضوحاً.

وكانت نسبة الاصابة بالميلانوما (سرطان الجلد الاسود) تبلغ 2,2% بين أفراد طواقم الطيران، وهذا أكثر من ضعف النسبة بين البشر الاعتياديين. بل ان نسبة أمراض الجلد السرطانية المختلفة التي أصابت الطيارين والمضيفات بلغت أربعة أضعافها بين الآخرين، وقفزت إلى 7,4%. وكانت أمراض الجلد السرطانية عموماً اكثر انتشاراً بين الإناث منها بين الذكور.

وذكرت الباحثة إيرينا موردوخوفيتش، التي شاركت في الدراسة، أن الربط بين انتشار هذه الامراض بين افراد طواقم الطيران وبين أعمارهم وأوزانهم تؤكد نتائج هذه الدراسة. لأن نسبة الاصابة بالسرطان بين الطيارين والمضيفين كانت أعلى بين البدناء والمسنين والمدخنين.

وربما تدخل عوامل اخرى، فضلاً عن الإشعاعات والبدانة والتدخين، في تفسير أسباب هذه الظاهرة. مثال ذلك التوتر النفسي الناجم عن الطيران، والنوم المتقطع والمضطرب، وربما استنشاق بعض الروائح في جوف الطائرة من قبل أفراد طواقم الطيران.
ورصدت الدراسة ان مخاطر الإصابة بالأمراض السرطانية، في حالة المضيفات، ربما تتعلق بالحالة الأجتماعية أيضاً، لأن هذه النسبة كانت أعلى بين الممرضات دون أطفال وبين المضيفات اللاتي ولدن ثلاثة أطفال أو اكثر.

مخاطر الابتسامة الدائمة

شيء جميل أن يستقبل الإنسان الآخرين على الدوام بابتسامة لطيفة، لكن الابتسامة الدائمة، بالضد من إرادة الشخص، تتسبب له بجملة أمراض نفسية تبدأ بالصداع وتنتهي بالتوتر والاكتئاب. ولاشك أن المضيفات من أكثر العاملات اللاتي ترسم الابتسامة الدائمة على وجوههن رغم منغصات المسافرين.

هذا في الأقل ما يؤكده البروفيسور الألماني ديتر زابف الذي أجرى دراسة على 4000 شخص من "الملزمين" برسم الابتسامات الدائمة على وجوههم لأسباب مهنية. وشملت الدراسة مضيفات الطائرات والممرضات والمعنيين بالمقعدين والعجزة الذين تجبرهم مهنهم على مواجهة الإهانات والتهم والأمزجة المختلفة للبشر بابتسامة. 

وتمت مقارنة أجوبة المشمولين بالدراسة مع جوبة عدد مماثل من البشر الذين لا تتطلب مهنهم"الابتسامات الدائمة"، فتبين أن أفراد المجموعة الأولى أكثر عرضة بـ50% للتوتر النفسي والصداع والقلق من أفراد المجموعة الثانية.

جدير بالذكر ان الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض يحمي الأرضيين من الاشعاعات الكونية، لكن هذه الحماية تقل في الارتفاعات العالية، ومثل ذلك الطيران على ارتفاع 10 آلاف متر. ويمكن لهذه الإشعاعات أن تتخلل خلايا الجسد وتؤدي إلى اضطراب تكوين الحمض النووي وربما إلى موت الخلايا أو انمساخها في خلايا سرطانية.