كشف النقاب في بغداد اليوم عن قيام عصابات للإتجار بالبشر بالتواصل الكترونيًا لبيع الفتيات وتهريبهن إلى خارج العراق واستغلال الأطفال في شبكات للتسول.. بينما أعلنت السلطات عن اعتقال 525 متهمًا بتجارة وترويج المخدرات في بغداد وإصدار 100 أمر بالقبض على آخرين عام 2018.

إيلاف: قال مجلس القضاء الأعلى إن القوات الأمنية قد ألقت عبر متابعة وإشراف قضائي القبض على العديد من العصابات التي اعترفت ببيع فتيات وتأجير أطفال واستخدامهم للتسول، منوهًا بأن محاكم الجنايات قد أصدرت عقوبات رادعة بحق المدانين.

وقال قاضي محكمة تحقيق منطقة الدورة في بغداد محمد العبدلي إن "أكثر جرائم الإتجار بالبشر تتم حاليًا عن طريق موقع التواصل الاجتماعي كـ"فايسبوك"، حيث يتم عرض الضحايا عبرها، ويبدأ التفاوض هناك.. مستدركًا بالقول إن معظم هذه المواقع مراقبة من قبل مكاتب الإتجار بالبشر في بغداد، وغالبًا ما يتم استدراج المتهمين من أجل الوصول إلى الشخص المعني الذي عرض الضحية على مواقع التواصل الاجتماعي للتفاوض معه حول المبلغ.

عن قيمة المبالغ التي تباع بها الضحايا، كشف العبدلي في حديث مع مجلة القضاء&الصادرة اليوم، تابعته "إيلاف"، أنها &تتراوح ما بين 3 إلى 4 آلاف دولار أميركي .. موضحًا أن "الخلايا الأمنية تجري اتفاقًا مع أصحاب تلك الحسابات، وعند التسليم يتم إلقاء القبض عليهم متلبسين بالجرم".. وأشار في هذا المجال إلى قضية تخص امرأة في بغداد، عرضت فتاة أثيوبية الجنسية للبيع، بعدما جلبتها من لبنان لتعمل خادمة معها في المنزل، وبعد مرور 6 أشهر تم عرضها للبيع عن طريق إحدى صفحات فايسبوك بمبلغ 4 آلاف دولار، لكن مكتب الإتجار بالبشر ألقى القبض عليها بعد عملية أمنية، وتم تصديق أقوالها قضائيًا.

الإتجار بالبشر يتفشى في العراق

أضاف أن "متهمين آخرين يعملون بالإتجار بالبشر، ويقومون بالسمسرة والبغاء، ألٌُقي القبض عليهم، وتم الحكم على عدد منهم بالسجن لمدة 15 سنة، وآخرون حكموا بالسجن المؤبد. أما الباقون فتم تصديق أقوالهم، ومن ثم عرضت أوراقهم على محكمة الموضوع لينالوا جزاءهم العادل. وأوضح أن "هؤلاء يقومون بشراء فتيات بمبلغ 5 ملايين دينار عراقي (حوالى 4 آلاف دولار)، ومن ثم يقومون بالسمسرة والبغاء وإخراجهن في حفلات خاصة وملاه، ومن ثم عرضهن للبيع لأكثر من شخص".

وأكد أن كشف هذه الشبكة كان عملية صعبة احتاجت وقتًا طويلًا وسرية تامة، وأنجزت بالجرم المشهود. وعبّر عن اعتقاده بأن تكون هذه الجهات مدعومة من قبل جهات معينة لم يذكرها.. منوهًا بأن هذه الشبكة اعترفت ببيع فتيات إلى دول الكويت وقطر والإمارات لغرض العمل في الأندية الليلية، وتتم عملية نقلهن وتزويجهن من أجل تسفيرهن إلى خارج العراق، كما أثبت التحقيق ذلك.

وأشار إلى أن الأحكام بحق المتهمين في هذه العصابة قد وصلت إلى السجن 15 عامًا والسجن المؤبد، مؤكدًا أن هذه الأحكام حدت بنسبة كبيرة من هذه الجريمة، لكنها موجودة في الوقت الحالي.. موضحًا أن معظم من يقومون بالإتجار بالبشر يعتبرونها عملية مباحة وطبيعية، حتى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي من دون أي خوف أو رادع أو رقابة، لكن بعد التحري عن مواقعهم وأماكنهم ورصد 13 منزلًا لهم ألقي القبض عليهم.

لفت القاضي العبدلي إلى أن التسول يأتي أيضًا ضمن عملية الإتجار بالبشر، منوهًا بأنه في بغداد ألقي القبض على عصابة كانت تعمل على استدراج الأطفال، بعد نزوح أهاليهم من محافظتي صلاح الدين ونينوى، بسبب الأحداث التي مرت على هاتين المحافظتين، اللتين سيطر عليهما تنظيم داعش عام 2014، حيث إن قسمًا من الأطفال فقدوا أولياء أمورهم، ما جعلهم يتسولون. &
&
وأضاف أنه "أثناء مسك الأطفال في حالة التسول، وبعد الكشف على أجسادهم، تبيّن أن هناك تعذيبًا وكيًّا بالسجائر في مناطق من أجسادهم من قبل أشخاص يستخدمونهم في التسول. وخلال التحقيق معهم ذكر أحدهم أن والديه متوفيان، ولا يوجد معيل له، موضحًا أن إحدى النساء خلال الحرب مع داعش جلبته إلى بغداد، وتركته في الشارع، وبعد ذلك تعرف إليه أحد الأشخاص، فقام بأخذه إلى منزله، حيث تبيّن في ما بعد أنه يحتوي على 50 طفلًا يتم توزيعهم قرب الإشارات المرورية لممارسة التسوّل، إلى أن تم نصب كمائن لهم، وتبيّن أنهم يتسوّلون لمصلحة شبكات واسعة.. موضحًا أن قسمًا من الأطفال يتم تأجيرهم إلى أشخاص لمدة أسبوع واحد للعمل في التسول لقاء مبلغ يصل إلى 250 ألف دينار عراقي، وتنطبق على هذه الحالات جريمة الإتجار بالبشر، لكون هؤلاء تم بيعهم لقاء مبلغ مالي.

وعن الأحكام التي تصدر بحق المدانين بالإتجار بالبشر، أشار القاضي العبدلي إلى أن المحاكم تسجن المدانين 15 عامًا. وقد تصل إلى المؤبد بحسب المادة السادسة لقانون الإتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 التي حددت عقوبة المدانين، مشيرًا إلى أنه كون أكثر الدعاوى تخص النساء فيطبق عليهن هذا القانون، وهي السجن المؤبد وغرامة مالية قدرها 15 مليون دينار عراقي (14 ألف دولار)، ولا تزيد على 25 مليون دينار عراقي (حوالى 23 الف دولار).

اعتقال 525 متهمًا بتجارة وترويج المخدرات في 2018
كما أعلنت السلطة القضائية العراقية اعتقال 525 متهمًا بتجارة وترويج المخدرات في بغداد، وإصدار 100 أمر بالقبض بحق آخرين من المتعاطين والمروّجين والمتاجرين بها خلال عام 2018.

وحذر قضاة متخصصون في مكافحة المخدرات في تصريحات لصحيفة "القضاء" اليوم &تابعتها "إيلاف" من تزايد هذه الظاهرة.. مشيرين إلى أن معظم المتعاطين يتحوّلون خلال فترة قصيرة إلى مروّجين، لما لهذه التجارة من رواج يحقق أرباحًا، لا سيما للعاطلين عن العمل.

وأشاروا إلى تسجيل حالات للتعاطي والترويج للمخدرات في إحدى مدارس بغداد وجامعات أهلية، فضلًا عن ترويجها في بعض المقاهي، مؤكدين ضرورة الاستعانة بقوات مكافحة الإرهاب لمواجهة هذا الخطر وضرب تجار المخدرات.

وقال قاضي التحقيق المتخصص في قضايا المخدرات في جانب الرصافة من بغداد عقيل ناظم إنه قد تم القبض على 306 متهمين ما بين تاجر مروج ومتعاطٍ خلال عام 2018 وحده، موزعين بين 216 تاجرًا ومروّجًا و90 متعاطيًا، وتمت إحالة معظمهم على المحاكم المختصة، وصدرت بحقهم أحكام وصلت إلى السجن المؤبد.

وأشار إلى أن غالبية المتعاطين للمخدرات تتحوّل بعد فترة زمنية إلى مروجين بهدف الكسب المادي، لكون الترويج لهذه المواد يدرّ أرباحًا كبيرة، وكذلك ليتمكنوا من الحصول على هذه المواد المخدرة ليتعاطوها بسبب الإدمان عليها.

وعن أنواع المخدرات المنتشرة، أوضح القاضي المتخصص أنه تم تسجيل تعاطي وتداول أنواع كثيرة من المخدرات، لكن يحتل الكرستال المرتبة الأولى لهذه التجارة، تليه الحبوب، ثم تأتي بعدها مادة الحشيشة، إضافة إلى أنواع أخرى. ووصف الشبكات التي تدير تجارة المخدرات في بغداد بأنها تنظيمات خيطية يصعب الوصول إليها".. مستدركًا بالقول "لكنه تم مع ذلك تفكيك العديد منها والقبض على أفرادها، وغالبًا ما يكون تجار المخدرات حذرين في تعاملهم، ولا يتم البيع إلا للشخص الموثوق فيه، وأن يكون مزكى من شخص آخر.. كاشفًا عن ارتباطات بين الشبكات في بغداد والمحافظات الجنوبية".

وعن مصدر هذه المخدرات، أوضح القاضي أنها تدخل العراق من بعض الدول، ومنها إيران ولبنان وبعض دول الخليج، منوهًا بأن الأهوار الجنوبية تشكل ممرًا لعبور هذه المواد. وأشار إلى أنه غالبًا ما يخرج التجار من العراق بجوازات رسمية، ويدخلون عن طريق التهريب، ويتم إدخال المواد عبر أكياس من الأرز أو الطحين.

وعن أساليب الترويج أشار إلى أن معظم&المتعاطين يتحوّلون إلى مروّجين بعد فترة قصيرة ليقوموا بترويج المخدرات إلى أصدقائهم، فضلًا عن قيام بعض المقاهي بترويج المخدرات عبر النارجيلة أو ما تعرف بالشيشة، وذلك بخلط مادة الحشيشة مع التبغ أو تدخينها بشكل مباشر في أماكن خاصة، وعادة لا يتم تقديم هذه العروض لأي شخص إلا من كان مصدر ثقة.. مبيّنًا أن هناك طرقًا أخرى للترويج عن طريق النوادي الليلية وفتيات الهوى، بحجة أن مادة الكرستال مقوٍ جنسي.

وأضاف القاضي أن بعض تجار المخدرات يعتمدون في نقل بضاعتهم وترويجها على العناصر النسوية، وخاصة الفتيات، من محافظة إلى أخرى أو من منطقة إلى ثانية، لعدم خضوعهن للتفتيش في السيطرات والمفارز الأمنية، إضافة إلى اعتمادهم على بعض العناصر الأمنية لكونهم يحملون باجات تسهل لهم المرور في السيطرات من دون تفتيش.&

وكشف القاضي المختص عن القبض على مجموعة من المروّجين يقومون بالترويج للمخدرات أمام إحدى المدارس المتوسطة في بغداد ليقوم البعض من الطلاب بالخروج من المدرسة، وأخذ المواد لتعاطيها، فضلًا عن وجود معلومات تشير إلى وجود حالات للتعاطي والترويج داخل جامعتين أهليتين في العاصمة بغداد.&

وعن مناطق العاصمة بغداد التي سجلت انتشارًا أكثر للمخدرات ذكر القاضي أن "مناطق الرصافة، وتحديدًا مدينة الصدر والمناطق المحيطة بها، احتلت المرتبة الأولى، تليها مناطق الشعب وحي أور والزعفرانية وشارع فلسطين والجادرية والكرادة، حيث سجلت هذه المناطق أعلى نسبة لترويج وتعاطي المخدرات.

وأكد القاضي المختص تفكيك العديد من الشبكات المختصة بالمخدرات، أبرزها شبكة في منطقة الزعفرانية في ضواحي بغداد، مكونة من سبعة أفراد، يتولاها شخص يدعى "القائد"، والذي قام بقتل أحد أفراد مفرزته لمحاولته الهرب وبصحبته مواد مخدرة.. منوهًا بوجود شبكات تديرها عائلات، وغالبًا ما يطلق لقب "الحجي" أو "السيد" على التجار الكبار، فيما تخوض هذه الشبكات صراعات في ما بينها.

وشدد قاضي تحقيق المحكمة المركزية المتخصص في قضايا المخدرات على ضرورة تعديل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 20 لسنة 2017 لتشديد العقوبات، لا سيما أن البعض من مروّجي المخدرات سبق وأن أفرج عنهم بموجب قانون العفو، ثم عادوا مجددًا إلى التعاطي أو الترويج والمتاجرة، كما دعا إلى تشديد عقوبة المتاجرين والمروّجين للمخدرات لتصل إلى الإعدام.&
كما طالب وزارة الداخلية بتوفير الدعم وتطوير قسم مكافحة المخدرات، مرجحًا الاستعانة بقوات مكافحة الإرهاب لضرب عصابات المخدرات والقبض عليها.

من جانبه، قال القاضي سعد طاهر القاضي المتخصص في قضايا المخدرات في جانب الكرخ من العاصمة إن محكمة تحقيق الكرخ سجلت القبض على 220 متهمًا بقضايا المخدرات ما بين تاجر ومروج ومتعاطٍ خلال عام 2018 غالبيتهم تمت إحالتهم على المحاكم المختصة، فيما لا يزال قسم منهم رهن التحقيق.

وأشار إلى القبض على عصابة للمخدرات في بغداد بكمين محكم ضبطت بحوزتهم 4 كيلوغرامات من مادة الحشيش المخدرة، فضلًا عن نصف كيلوغرام من مادة الكرستال.

وأوضح القاضي أن مناطق الدورة والبياع والإسكان والشعلة هي المتصدرة في انتشار المخدرات في جانب الكرخ من العاصمة. ونوه بأن تجار المخدرات حذرون جدًا في تعاملاتهم، ولا يتم البيع لأي شخص، ما لم يكن مصدر ثقة، وقد يلجأ المتاجر إلى تقسيم المادة إلى كميات صغيرة خشية القبض عليه.

وبيّن أنه تم تفكيك إحدى الشبكات في بغداد، التي كانت تتولاها إحدى الفتيات، حيث غالبًا ما يتم الترويج للمخدرات من قبل فتيات فضلًا عن القبض على فتيات بتهمة التعاطي.

عزا القاضي أسباب انتشار المخدرات إلى إغراء الضحية عن طريق رفاق السوء، فضلًا عن ضعف الوضع الاقتصادي لبعض الشباب والبطالة، إضافة إلى قلة الثقافة والوعي. وشدد على ضرورة تعديل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 وتشديد العقوبات بحق المروّجين والمتاجرين وإنشاء مصحات ومراكز خاصة لمعالجة المتعاطين.

يذكر أن تجارة المخدرات راجت في العراق بعد أحداث عام 2003 جراء التراخي الأمني الذي ساد في تلك الفترة، وفي عام 2017 بعد انشغال الدولة بمواجهة تنظيم داعش والإرهاب، أصبحت المخدرات مصدر تمويل لكثير من الشخصيات السياسية والحزبية لما تدرّه من أموال ضخمة. &
&
وكان يتم تصنيف العراق من الدول النظيفة في مجال تعاطي المخدرات حتى الغزو الأميركي عام 2003، لكن التقرير السنوي للهيئة العراقية لمكافحة المخدرات أشار إلى أن العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية بابل وكربلاء والمثنى والقادسية تأتي في مقدمة المحافظات العراقية في عدد المدمنين.

كما أكد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات أن العراق تحوّل إلى محطة ترانزيت لتهريب المخدرات من إيران وأفغانستان نحو دول الخليج العربي، منوهًا بتحوّله تدريجيًا إلى بلد مستهلك لها.
&