الرباط: اعتبر حكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين المغربي &(الغرفة الثانية بالبرلمان) ،أن هيئة الإنصاف والمصالحة التي اعتمدتها بلاده قبل 15 سنة، فتحت الباب "أمام بروز جيل جديد من هيئات الحقيقة والمصالحة كآليات غير قضائية لتسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".
وأضاف بنشماش في افتتاح ندوة دولية حول "تجارب المصالحات الوطنية" انطلقت اليوم الخميس، في الرباط، ينظمها مجلس المستشارين بتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن ما ميز التجربة المغربية هو أنها تأسست في ظل "استمرارية نفس النظام السياسي كمؤشر على أن العنصر الحاسم في استحداث آليات من هذا النوع يتمثل في توافر الإرادات وخاصة إرادة الدولة وإرادة القوى الفاعلة في المجتمع لمواجهة الماضي".

وسجل بنشماش في الندوة المنظمة على مدى يومين، بتنسيق مع رابطة مجالس الشيوخ والشورى في إفريقيا والعالم العربي، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن المصالحة السياسية والاجتماعية، تسبقها أشكال أخرى من المصالحة، والتي ذكر منها "فتح النقاش الصريح والواسع النطاق حول حقيقة ما جرى ولماذا جرى وخاصة ما يتعلق بالاستهتار بالحقوق والتمزق الثقافي وإنكار التاريخ وتشويه الذاكرة الجماعية".

وذكر رئيس مجلس المستشارين المغربي &أن المصالحة في آخر المطاف هي "نتيجة ومسارات منها مسار الحقيقة ومسار الديمقراطية ومسار ترسيخ ضمانات عدم تكرار ما جرى ومسار استرجاع الثقة، ومن تم فهي محصلة كل هذه المسارات ولا تتأتى بمجرد الدعوة إليها".
من جهتها، قالت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، إن مسار المصالحة بالمغرب "اتسم بالتدرج، قبل أن يكون قرارا سياسيا وإراديا من طرف الملك في يناير 2004، حين أحدثت هيئة الأنصاف والمصالحة".

وأضافت بوعياش موضحة أن المسار "انطلق منذ عقد التسعينات، وشمل العفو الشامل والعام على المعتقلين السياسيين، ووضع هيئة التحكيم المستقلة التي اعتمدت مقاربة جبر الضرر"، مؤكدة أن البرلمان لعب "دورا تشريعيا مهما، حيث تم إلغاء ظهير كل ما من شأنه، الذي استعمل للحد من حرية التعبير والتجمهر".
وزادت المسؤولة المغربية مبينة أن مصادقة البرلمان على قانون الانتخابات "مهد المصالحة مع أحزاب المعارضة، وتم تعيين أول مرة رئيس للحكومة من حزب معارض(عبد الرحمن اليوسفي) فكانت لحظة انطلاق التناوب السياسي"، معتبرة أن مسار الإنصاف والمصالحة بالمغرب "مسار سياسي بامتياز، سواء بإقرار الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومواصلة تعويض الضحايا وذوي الحقوق وجبر أضرارهم".
وشددت بوعياش على أن استثنائية التجربة المغربية تكمن في "تفعيل توصيات ومقررات جبر الضرر، من خلال إدماج الضحايا وذوي الحقوق، وتأهيلهم صحيا وتسوية وضعيتهم الادارية والمالية"، حيث بينت أن حوالي 28 ألف ضحية أو ذوي الحقوق استفادوا من حوالي "2 مليار درهم( 200 مليون دولار )، كتعويض مالي" .

وأضافت أن مسار المصالحة في المغرب أدى إلى دمج حوالي "100 ألف ضحية أو ذوي الحقوق اجتماعيا بالتنسيق مع القطاعات الحكومية عبر إدماج المؤهلين علميا في وظائف حكومية، ومنح السكن ورخص النقل وعقد اتفاقيات شراكة مع العديد من المؤسسات وخاصة المتخصصة في التكوين المهني".
من جانبه، وصف روجي نكودو دانغ، رئيس برلمان عموم أفريقيا، التجربة المغربية في المصالحة ب"المثال الناجح في أفريقيا للسلام"، مؤكدا أن ماضي القارة السمراء "رأى مشاهد مرعبة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".

وأكد دانغ حاجة دول القارة الأفريقية ومجتمعاتها إلى تعزيز "ثقافة السلام بين مكوناتها"، مبرزا أن دول غرب أفريقيا من المناطق الأكثر حاجة للسلام &من أجل تحقيق السلم والاندماج الاجتماعي.

ودعا رئيس برلمان عموم أفريقيا إلى تكاثف الجهود لدعم المصالحة في البلدان الأفريقية، مبرزا أن أهم خطوة بالنسبة للقارة هي "التركيز على وضع خطة لتعزيز الحكامة من أجل تطوير أفريقيا"، مطالبا الدول بالاستفادة من التجربة المغربية واستثمار الظروف الإيجابية من أجل "السلام والأمن والديمقراطية بمنطقتها".