الرباط: عقدت &فيديريكا موغيريني، الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي المكلفة الشؤون الخارجية وسياسة الأمن، اليوم بالرباط سلسلة لقاءات عمل مع كبار المسؤولين المغاربة، شملت كلا من رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ووزير المالية محمد بنشعبون، ورئيسي غرفتي البرلمان، وذلك في سياق الزيارة التي بدأتها مساء أمس للرباط على إثر تصويت البرلمان الأوروبي بالأغلبية الساحقة صباح أمس على اتفاقية التعاون الفلاحي مع المغرب يسري مفعولها على كامل التراب الوطني المغربي بما في ذلك المحافظات الصحراوية.

وأعلنت المسؤولة الأوروبية، التي استهلت زيارتها للرباط مساء أمس بلقاء مع ناصر بوريطة، وزير الخارجية والتعاون، أن هذه الزيارة تستهدف إعادة فتح جميع ملفات التعاون بين الاتحاد الأوروبي والمغرب على ضوء المعطى الجديد المتمثل في تصويت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة على اتفاقية تعاون فلاحي تشمل المحافظات الصحراوية.

وقالت موغيريني في تصريح لها صباح اليوم بالرباط عقب اجتماعها مع رئيس مجلس النواب المغربي، أن تصويت البرلمان الأوروبي بأغلبية كبيرة لصالح الاتفاق الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوروبي، "هو تجسيد لثقة الاتحاد الأوروبي في الدور المهم الذي يقوم به المغرب على صعيد المنطقة وعلى الصعيد الإفريقي والدولي، ولثقته في الاستقرار والديمقراطية التي تنعم بهما المملكة"، مشيرة إلى أن هذه المصادقة تعتبر نتيجة عمل مشترك وتنسيق بين الجانبين.

وفي تصريحات أدلت به خلال لقاء صحافي مشترك مع وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي عقب اجتماعهما مساء أمس بالرباط، أكدت موغيريني أن المصادقة على الاتفاق الفلاحي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بأغلبية ساحقة، سيمكن من بدء مرحلة جديدة في العلاقات القائمة بين الجانبين.

وأعربت موغيريني عن "قناعتها" حيال "إمكانية إعادة إطلاق الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي على أسس جديدة، وإعطائها دفعة أخرى، من أجل كتابة فصل جديد إيجابي وأكثر كثافة، للتاريخ الطويل القائم بين الاتحاد الأوروبي والمملكة".

وأوضحت موغيريني أن المغرب، فضلا عن اضطلاعه بدور محوري على مستوى الجوار المتوسطي، يعد "شريكا استراتيجيا للاتحاد الأوروبي منذ خمسين سنة"، مسجلة أن الاتحاد الأوروبي والمغرب يتطلعان حاليا إلى تحقيق قفزة نوعية في العلاقات التي تجمعهما من أجل بناء شراكة ذات بعد إقليمي، لاسيما على مستوى الحوض المتوسطي والعالم العربي وإفريقيا، والتي ترقى إلى مستوى انتظارات المواطنين بضفتي المتوسط وتتيح بلوغ الأهداف المشتركة لكلا الطرفين.

وأضافت موغيريني أن هذه الشراكة الجديدة المدعمة ستمكن، أيضا، من تحقيق تقارب أكثر أهمية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، والذي يندرج في إطار مواصلة الإصلاح الذي شرع فيه المغرب من خلال إقرار دستور 2011، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي مستعد لمساندة المملكة، لاسيما في مجال ضمان الأمن الوطني.

من جهة أخرى، ذكرت موغيريني بالأهمية التي ما فتئ العاهل المغربي الملك محمد السادس يوليها للشباب والتشغيل والتكوين المهني، مشيرة إلى أن هذه المجالات ستشكل مواضيع اشتغال مثمرة للغاية في المستقبل بين الاتحاد الأوروبي والمملكة.

وارتباطا بمسألتي الأمن والهجرة، أوضحت موغيريني أن هذه المرحلة الجديدة ستتيح مناقشتهما بشكل أكبر، وذلك قصد تمكين الاتحاد الأوروبي من الاستفادة من العمل الجيد والخبرة المغربية وتبادل التجارب في هذين المجالين، ومن ثم الحصول على نتائج جيدة بكل من المغرب وأوروبا.

من جانبه ، قال ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، خلال اللقاء الصحافي المشترك مع موغيريني، إن مصادقة البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة على الاتفاق الفلاحي مع المغرب، يبرهن على المكانة الخاصة التي تحظى بها المملكة لدى الاتحاد الأوروبي كشريك استراتيجي له خصوصيته.

وأوضح بوريطة أن مصادقة البرلمان الأوروبي على هذا الاتفاق هو "تجربة تظهر أن المغرب يعد شريكا مهما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وبأن هذا الأخير يأخذ بعين الاعتبار المصالح العليا للمملكة"، مضيفا إلى أن مصادقة البرلمان الأوروبي على اتفاقية التعاون الفلاحي بأغلبية ساحقة "تؤكد أن أي اتفاقية يتعين لزاما أن تضم الأقاليم الجنوبية للمملكة كأساس لأي شراكة قوية".

وأكد الوزير بوريطة أن هذه المصادقة تأتي في أعقاب تعرض الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي خلال السنتين الأخيرتين "لهجومات ومناورات ومحاولات للمساس بها وبمناعتها القانونية، وذلك من خلال التشكيك في الاتفاقيات الأساسية التي تتضمنها"، مضيفا أن زيارة موغيريني تأتي في توقيت مهم تسوده رغبة أكيدة في تجاوز هذه المرحلة واستشراف مرحلة جديدة، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق في هذا الإطار حول إعادة تحريك آليات التعاون والشراكة التي توقفت منذ سنة 2016، وذلك عبر جعلها تشتغل من جديد قصد إعادة منح الشراكة الحمولة القوية الذي كانت تتضمنها بناء على المكتسبات التي تمت مراكمتها طوال مدة طويلة، وبناء على العلاقات التاريخية التي لطالما جمعت المغرب بالاتحاد الأوروبي.

وذكر وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي بالخصوصية التي تحظى &بها بلاده لدى الاتحاد، وذلك بالنظر لموقعها الجغرافي الاستراتيجي في جوار أوروبا، والاستقرار الذي تنعم به، وتوفرها على رؤية اقتصادية واضحة تطمئن مختلف شركائه.

وأضاف أن الدور الجوهري الذي يضطلع به المغرب على مستوى العالم العربي وإفريقيا، هو عنصر من بين عناصر أخرى تجعل من المملكة اليوم الشريك المرغوب فيه من طرف الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن مصادقة البرلمان الأوروبي اليوم على هذا الاتفاق يعد بمثابة تصويت واضح ونوعي لفائدة مقاربة استراتيجية ينتهجها المغرب بشراكة مع الاتحاد.

من جانبه ، عبر سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، عقب لقائه صباح اليوم مع موغيريني، عن ارتياحه للمصادقة على الاتفاق الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوروبي والذي يكرس تشبث المغرب بحقوقه كاملة ويتوج مجهودات مختلف المؤسسات الوطنية في هذا الإطار.
وقال بيان صادرعن رئاسة الحكومة أن المباحثات التي أجراها العثماني مع موغيريني تناولت مختلف أوجه التعاون المغربي- الأوروبي، خاصة في إطار الإصلاحات الكبرى التي تباشرها الحكومة في مجالات الحماية الاجتماعية والتعليم والصحة وغيرها.

كما عقدت موغيريني صباح اليوم اجتماعا مع عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية المغربي، بمقر وزارته بالرباط. وأشار بيان لوزارة الداخلية إلى أن هذا الاجتماع شكل "مناسبة للمسؤولين من أجل التطرق لقضايا ذات الاهتمام المشترك، لاسيما تلك المرتبطة بالتعاون الثنائي في مجال تدبير الهجرة ومكافحة الإرهاب".

وأضاف البيان أن الجانبين تباحثا حول مسألة الضغط القوي للهجرة في منطقة غرب الحوض المتوسطي خلال سنة 2018، وأهمية الجهود المبذولة من طرف السلطات المغربية لمواجهة تدفقات الهجرة غير الشرعية، علما بأن المغرب تبنى استراتيجية متعددة الأبعاد ترمي بالخصوص إلى تقنين ومصاحبة الاندماج. واتفق المسؤولان، حسب البيان، على العمل سويا من أجل تعزيز وتقوية التعاون الأمني بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، قصد ترسيخ السلم والأمن في الفضاء الأوروبي المتوسطي وجواره بمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء.