طالبت منظمات حقوقية مصرية ودولية الحكومة، بضرورة إنشاء آلية وطنية لمكافحة التعذيب، بعد إدانة ضباط شرطة في وقائع تعذيب مواطن حتى الموت.

أصدرت محكمة جنايات سوهاج في صعيد مصر، أمس الاثنين الموافق 11 فبراير 2019 حكما بمعاقبة رئيس مباحث مركز طهطا سابقا، ومعاون المباحث، ورئيس فرع بحث الشمال بسوهاج، بالسجن 3 سنوات لكل منهم وألزمتهم بالمصاريف الجنائية، كما عاقبت مفتش الصحة بمركز طهطا بالحبس لمدة سنة والعزل من الوظيفة لمدة عامين، وألزمته بالمصاريف الجنائية في قضية تعذيب متهم حتى الموت.

ترجع وقائع القضية إلى شهر يوليو من عام 2016، عندما تلقت مديرية أمن سوهاج إخطاراً من مركز شرطة طهطا، بورود بلاغ من احد المواطنين، يقيم بقرية الشيخ زين الدين، بوفاة شقيقه عمدة القرية، ولم يتهم أحدًا بالتسبب في ذلك، وتم العثور على المجني عليه جثة هامدة على أريكة بمنزله وبه آثار إصابات في رأسه.

وألقى ضباط مباحث مركز شرطة طهطا القبض على عدد من الأشخاص المشتبه فيهم في الحادث، ومن بين المتهمين سائق توكتوك يدعى "محمد صالح"، حيث تبين أنه يقوم بقضاء متطلبات واحتياجات العمدة، وأن هناك اتصالات متعددة على تليفون العمدة به، وتم القبض عليه واحتجازه بمركز الشرطة، وتوفي&أثناء استجوابه، والتحقيق معه في القضية

من جانبه، وقع مفتش الصحة الكشف على جثة المجني عليه، ورجح أن يكون سبب الوفاة أزمة قلبية، في حين كشفت تحقيقات النيابة قيام 3 ضباط شرطة، منهم ضابط برتبة عقيد، وضابطان برتبة نقيب، وآخران مجهولان بتعذيب المجني عليه لنزع اعتراف بقتل العمدة، وأحدثوا به الإصابات التي أودت بحياته، حسب ما جاء بتقرير الصفة التشريحية للمجني عليه، وقام الطبيب بالتزوير في المحرر الرسمي الخاص بسبب الوفاة لإبعاد شبهة التعذيب عن الضباط على غير الحقيقة، وانتهت تحقيقات النيابة إلى توجيه تهمتي التعذيب والتزوير للمتهمين

وقالت المنظمة &المصرية لحقوق الإنسان، إن التعذيب من أخطر الانتهاكات التي يتعرض لها الإنسان لما يمثله من امتهان لكرامة الإنسان وإيلاماً لضحاياه سواء نفسية كانت أو بدنية، مشيرة إلى أن التعذيب أدانه المجتمع الدولي كجرم يُرتكب في حق الكرامة الإنسانية، كما حرمه القانون الدولي تحريماً قاطعاً أياً كانت الظروف التي أدت الى وقوع هذه الجريمة، فهو من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان وأشدها قسوة على الإنسان لما فيه من اعتداء على حقه في السلامة الجسدية، كما أنه يؤدي إلى إهدار الكرامة الإنسانية والاعتداء على أدميته، فضلا عن كونه قد يؤدي إلى وفاة الضحية أو تعرضه لعجز دائم يقعده عن العمل.

وأضافت المنظمة في تقرير لها حصلت إيلاف على نسخة منه، أن العديد من المواثيق الدولية &قد أكدت على أهمية هذا الحق باعتباره أسمى&الحقوق على الإطلاق ، فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في متن مادته الثالثة على أن "لكل فرد حقا في الحياة والحرية والأمان على شخصه"، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية &السياسية الذي نص في متن مادته السادسة على أن "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان ، و على القانون أن يحمي هذا الحق و لا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً".

&كما نصت مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، و التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 ديسمبر 1979 على أنه "لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى و في الحدود اللازمة لأداء واجبهم".

وطالبت المنظمة بتعديل قانون العقوبات والإجراءات الجنائية، حتى تتطابق مع اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها مصر وأصبحت قانوناً داخليا، إلى جانب إعادة النظر في ما يتعلق بإحالة المتهمين في قضايا التعذيب وفقًا للمادة 129 من قانون العقوبات الخاصة باستعمال القسوة، والتي تجعل العقوبة غير رادعة.

من جانبه، قال الدكتور حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة، أن التعذيب إحدى الجرائم التي يجب القضاء عليها بشكل كامل لكونه ينتهك أبسط حقوق الإنسان الأساسية إلا وهو حقه في الحياة والحرية والأمان الشخصي، لاسيما وان دستور 2014 نص في المادة 55 "على تجريم التعذيب وإساءة المعاملة".

وطالب أبو سعدة في تصريح لـ"إيلاف" الحكومة المصرية بتعديل التشريعات الخاصة بجريمة التعذيب، والتي تشمل قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، بما يتوافق مع الدستور المصري الجديد واتفاقية مناهضة التعذيب حتى تتناسب العقوبة مع الجرم المرتكب

كما طالب أبو سعدة &بالتوقيع على البرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب بما يسمح بإنشاء آلية وطنية لمكافحة التعذيب.

وتسبب التعذيب في أزمة سياسية بين الحكومة المصرية، ومنظمة "هيومن رايتس ووتش"، مؤخرًا على خلفية تقرير أصدرته المنظمة الدولية قالت فيها إنها أجرت مقابلات مع بعض المواطنين المصريين الذين سبق اتهامهم في قضايا إرهابية، وأنهم أهدرت حقوقهم وتعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة من بعض أعضاء النيابة العامة وضباط الشرطة خلال مرحلتي الضبط والتحقيق لحملهم على الاعتراف بوقائع تلك القضايا، بما يشكل مخالفة "لاتفاقية مناهضة التعذيب" وغيرها من دروب المعاملة التي صدقت عليها مصر.

وقال النائب العام المصري: "بالفحص تبين أن تقرير المنظمة تضمن 9 وقائع نسبت جميعها لحالات متهمين لم تفصح المنظمة عن أسمائهم الحقيقية أو بيانات عن القضايا التي ضبطوا على ذمتها، بل أشارت لهم بأسماء مستعارة على نحو قاصر يصعب معه الاستدلال عليهم ولذلك استغرقت التحقيقات وقتا وجهدا كبيرين&من محققي النيابة العامة للوصول لتلك الشخصيات، والوقوف على حقيقة الوقائع المنسوبة لأعضاء النيابة وضباط الشرطة في التقرير، وللوصول إلى حقيقة أسماء الحالات بإجراءات بينت أن المعنيين بتلك الحالات يقطنون في 5 محافظات هي القاهرة والجيزة والإسكندرية والبحيرة والغربية، وتوصلت النيابة للأسماء الحقيقية لأصحاب الأسماء المستعارة في تقرير المنظمة والقضايا التي اتهموا فيها".

وتابع: "أثبتت التحقيقات بعد سؤال من تم استدعاؤهم من تلك الحالات عدم صحة الوقائع المنشورة بتقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" المنسوبة لمحققي النيابة وضباط الشرطة بجمهورية مصر العربية، حيث استمعت النيابة لأقوال كل منهم في حضرة محاميه وقطعوا جميعا بعدم إجرائهم أي لقاءات مع من يعمل لدى تلك المنظمة، ونفوا تعرضهم لأي تعذيب أو تعدٍ مما ورد بتقريرها، واستبان من تحقيقات نيابة استئناف القاهرة في ما تضمنه التقرير من وقائع مزعومة بأن أصحاب تلك الحالات منحوا أثناء التحقيقات القضائية كافة الضمانات المقررة قانونا".

وأشار التقرير إلى أن "تقرير الطب الشرعي أثبت عدم وجود أي آثار تعذيب عليهم، كما أن المنظمة استندت الى معلومات نشرت ببعض المواقع الإلكترونية دون التأكد من صحتها، وأوصت النيابة المنظمة بتوخي الدقة في ما تنشره من بيانات بشأن حقوق الإنسان في مصر".

وفي 16 أكتوبر الماضي، أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات، بيانا للرد على منظمة "هيومان رايتس ووتش"، تنتقد فيها التقارير التي تقوم بنشرها حول الإدعاءات بالتعذيب والاختفاء القسري في مصر، ووصفت الهيئة تقارير المنظمة&بـ"المنحازة والمسيسة وغير المهنية ولا الموثقة وتخفي وتحرف الحقائق".

وقالت الهيئة في تقرير لها إن "المنظمة نشرت تقريراً يوم 11 أكتوبر 2018 حول تعذيب مزعوم لمواطن مصري أميركي يُدعى خالد حسن، تناولت فيه إدعاءات بتعرضه للتعذيب والاختفاء القسري، وبالإضافة إلى ما ورد في التقرير من مغالطات، فإنه تعمد أيضا عدم ذكر الحقائق كاملة، بل وتجاهل عرضا وافيا لمسار الحوار الخاص بشأن حالة المتهم (خالد حسن) بين الهيئة العامة للاستعلامات وبين المنظمة، سواء عن طريق المراسلات عبر البريد الإلكتروني، أو خلال المكالمات الهاتفية التي استغرقت وقتاً طويلاً في النقاش".