يحل رامبرانت وفيرمير وفنانو العصر الذهبي الهولندي ضيوفًا على اللوفر أبوظبي، ضمن معرض يقدم روائع فنية من مجموعتي لايدن واللوفر، يفتح بابه أمام زواره في يوم 14 فبراير الجاري، ويستمر إلى 18 مايو المقبل.

"إيلاف" من دبي: ينقل عن رامبرانت قوله: "لا أستطيع أن أرسم بالطريقة التي يريدون مني أن أرسم بها، وهم يعرفون ذلك أيضًا. ستقولون إن عليّ أن أكون عمليًا وأحاول الرسم كما يريدون أن أرسم. حسنًا، سأبوح بسرٍ: حاولت، وحاولت جاهدًا، ولم أنجح. أنا بكل بساطة لا أستطيع… وهذا ما أصابني بشيء من الجنون".

ومن رحم هذا "الجنون"، أنتج رامبرانت للعالم سلسلة لوحاته الشهيرة التي تصوّر الحواس، والتي تظهر براعة الفنان الشاب ومهارته في رسم الملامح والتعابير وتجسيد الألوان في الأيام التي عاشها في لايدن، وصولًا إلى أعمال لاحقة ابتكرها في أمستردام، بما في ذلك لوحته الذاتية المشهورة والمرسومة بدقّة عالية، "صورة شخصية ذاتية بعينين مظللتين"، و"مينرفا في حجرة الدراسة" وهي لوحته الشهيرة للإلهة مينرفا (اللوحتان من مجموعة لايدن).

تُعرض اللوحتان إلى جانب لوحات أخرى لبعض كبار الفنانين من دائرة رامبرانت الفنّية، وهي تبيّن تأثير فناني هذه المجموعة على أعمال بعضهم البعض، ضمن معرض جديد بعنوان: "رامبرانت وفيرمير والعصر الذهبي الهولندي: روائع فنيّة من مجموعتي لايدن ومتحف اللوفر"، يستضيفه متحف اللوفر أبوظبي بين 14 فبراير و18 مايو.

مسيرة رامبرانت الفنيّة

جالت "إيلاف" في أرجاء المعرض في اللوفر أبوظبي، والذي يضم 95 لوحة وقطعة فنية، منها أكثر من 20 عملًا لرامبرانت، ويسلط الضوء على مسيرته الفنّية في مدينتيّ لايدن وأمستردام في هولندا وعلى علاقته بخصومه وأصدقائه، بمن فيهم يوهانس فيرمير، ويان ليفنز، وفرديناند بول، وكاريل فبريتيوس، وجيرار دو، وفرانس فان مييرس، وفرانس هالس.

يتتبع المعرض مسيرة رامبرانت الفنيّة انطلاقًا من آخر القطع الفنيّة التي استحوذ عليها اللوفر أبوظبي للفنان بعنوان "رأس شاب، متشابك اليدين: رسم تمهيدي لصورة المسيح"، إلى جانب "صورة نصفية لرجل عجوز ملتحٍ" (مجموعة لايدن) التي تُعرض للمرة الأولى في صندوق عرض صُمم خصيصًا لها بطلب من مالكها السابق، رجل الأعمال آندرو ويليام ميلون.

كما يعرض اللوفر أبوظبي لوحتيّ يوهانس فيرمير، صانعة الدانتيل (متحف اللوفر باريس) وامرأة شابة جالسة إلى آلة موسيقية قديمة (مجموعة لايدن)، المرسومتين على نفس القماش، إلى جانب بعضهما البعض أول مرة منذ 300 عام.

يقدّم الحوار الذي يقوم بين هذه اللوحات لمحة عن حركة التبادل الثقافي التي رسمت معالم العصر الذهبي الهولندي.


رامبرانت فان راين- رأس شاب، متشابك اليدين: رسم تمهيدي لصورة السيد المسيح، نحو (١٦٤٨-١٦٥٦).
ألوان زيتية على لوح من خشب السنديان - أبوظبي، اللوفر أبوظبي

قام رامبرانت بتشكيل المادة بضربات فرشاة عريضة، فرسم الخطوط الأولية لصورة السيد المسيح، مفعمة بالإنسانية والتواضع. استلهم الوجه من نموذج حي لا شك أنه ينحدر من مجتمع يهود أمستردام. ونجده أيضا في ستة رسوم أولية أخرى ولوحة للسيد المسيح.

يتخطى الحدود الجغرافية

تعليقًا على المعرض، يقول رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، محمد خليفة المبارك: "هذا العام تحتفي دولة الإمارات بقيم التسامح باعتبارها أساسًا للانفتاح والتبادل الحضاري، وفي هذا الإطار، يأتي معرض رامبرانت وفيرمير والعصر الذهبي الهولندي ليسلط الضوء على أهمية التبادل الثقافي، الذي يتخطى الحدود الجغرافية، وليبيّن مكانة الإبداع البشري في قلب التاريخ النابض، لا سيما مع تقديم أكبر مجموعة للفنان الشهير في منطقة الخليج للمرة الاولى".

في أثناء التجول في المعرض، تستوقفك لوحة رامبرانت الشهيرة "رأس شاب، متشابك اليدين: رسم تمهيدي لصورة المسيح" التي استحوذ عليها اللوفر أبوظبي مؤخرًا. ويقول مدير متحف اللوفر أبوظبي، مانويل راباتيه: «يترافق المعرض مع برنامج من الفعاليات الثقافية، يبرزان معًا التزام متحف اللوفر أبوظبي بتسليط الضوء على اللحظات البارزة في تاريخ البشرية في إطار سعيه ليكون مركزًا للتبادل الثقافي العالمي".

في أبوظبي، سيتمكّن الزوار من تأمّل العديد من أعمال رامبرانت والمجموعة الفنيّة التي عاصرته، فضلًا عن العديد من الأمثلة عن الفنون الجميلة لمدرسة لايدن، ولوحتين لفيرمير، مما يسمح لهم بالاطلاع على مدى مساهمة الثقافة الهولندية في تاريخ اللوحات الفنيّة على الصعيدين الأوروبي والعالمي.

أروع الأعمال الفنيّة

يعتبر رئيس متحف اللوفر باريس ومديره جان لوك مرتينيز أن "تنوّع زوار اللوفر أبوظبي الذين يأتون من الإمارات وأوروبا والهند والعديد من الدول الأخرى، والدهشة التي نراها على وجوههم في خلال تجوّلهم في المتحف، يؤكدان على التزام اللوفر أبوظبي بتقديم تاريخ الفن العالمي.&

فالمتحف يقدّم في هذا المعرض، وهو الخامس منذ افتتاحه، أروع الأعمال الفنيّة من مجموعة لايدن المدهشة إلى جانب لوحات هولندية بارزة من مجموعة متحف اللوفر باريس، بما في ذلك لوحة صانعة الدانتيل ليوهانس فيرمير. أن مجموعة لايدن استثنائية، عُرضت في مختلف أنحاء العالم، من باريس إلى أبوظبي وشانغهاي وسانت بيترسبرغ".

يقول توماس كابلان، مؤسس مجموعة لايدن: "تعتبر عائلتي أن متحف اللوفر أبوظبي يمثل المبادرة الثقافية الأهم في أيامنا هذه. نكرّم من خلال هذا المعرض الموهبة الاستثنائية لرامبرانت وفيرمير، اللذين يلهمان الفنانين والجمهور من جميع أنحاء العالم حتى الوقت الحاضر. فنحن نرى أن قدرة لوحات رامبرانت على ملامسة الروح تمثّل أكثر من أي فنان آخر هذا المشروع الفرنسي الإماراتي الذي يهدف إلى تعزيز مبدأ التسامح والحضارة البشرية المشتركة".


فرانز فان مييريس الأكبر (١٦٧٥-١٦٨١)
فتاة تطعم ببغاء (١٦٦٣)، ألوان زيتية على خشب. نيويورك، مجموعة لايدن.

العصر الذهبي

تطلق تسمية "العصر الذهبي الهولندي" على فترة وجيزة من القرن السابع عشر، استمرت 150 عامًا (1600 - 1750)، حين كانت الجمهورية الهولندية الجديدة، المستقلة حديثًا عن النظام الملكي الإسباني، تُعتبر الدولة الأكثر ازدهارًا في أوروبا، لا سيما بسبب ما شهدته من تطوّر في التجارة والعلوم والفنون.

أنتج فنانو تلك الحقبة ما يقدر بخمسة ملايين لوحة في الاقل، بين عامي 1600 و1700. وانتشرت المتاحف في سائر أنحاء هولندا لترسم معالم الازدهار والعظمة. فالتجارة العالمية التي قادتها شركة الهند الشرقية الهولندية، إلى جانب التطورات العسكرية والتقدم الذي طرأ على عالمي الفنون والعلوم، كلها عوامل أعطت الأراضي المنخفضة، أي المنطقة الساحلية لشمال غرب أوروبا التي تضم بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، ميزة هامة في جميع أنحاء أوروبا والعالم أجمع.

في ذلك العصر، كان رامبرانت فان راين ويوهانس فيرمير في طليعة حركة فنية جديدة تصور الإنسان وحياته اليومية بطريقة أكثر واقعية. فكان مشغل رامبرانت ينتج لوحات بورتريه وأعمالًا بحسب الطلب، يبيعها للطبقة الوسطى وللزعماء السياسيين وقادة الأعمال، ناهيك عن عملاء عالمين. وكان رامبرانت نفسه مقتنيًا للوحات، وكانت أعمال مايكل أنجلو المفضلة لديه، فأنفق الكثير على مقتنياته إلى أن أجبر على اشهار إفلاسه في عام ١٦٥٦. وعرض منزله وما يتضمنه من محتويات للبيع في المزاد العلني من أجل تسديد ديونه.

يعلق المنسق العام لقسم الفن الهولندي والفلمنكي في متحف اللوفر باريس بليز دوكو قائلًا: "قد يظن المرء أحيانًا أن المعلمين القدماء يمثلون الماضي فقط وأننا في عصرنا هذا بحاجة إلى إضفاء طابع جديد على حياتنا. بيد أن ذلك يعني أن حاضرنا يفتقد إلى الجذور الراسخة، وهو ما يتعارض مع فكرة الاستمرارية التاريخية. فهولندا في القرن السابع عشر تُعتبر، من نواحٍ عديدة، رائدة في عالمنا، إذ لا يزال رامبرانت، كما فيرمير، مصدرًا حيًا للإبداع الذي ينبض بالحياة".

تنسيق المعرض

عمل على تنسيق المعرض كل من بليز دوكو، المنسق العام لقسم الفن الهولندي والفلمنكي في متحف اللوفر باريس، ولارا ييغير-كراسلت، المنسقة العامة لمجموعة لايدن والمتخصصة في الفن الهولندي والفلمنكي في القرن السابع عشر.

ترى كراسلت أن "معرض رامبرانت وفيرمير والعصر الذهبي الهولندي يسلط الضوء على تطوّر الرسم الذي يصوّر تفاصيل الحياة اليومية في القرن السابع عشر في هولندا، كما يظهر بوضوح في لوحات مجموعة لايدن التي تعود للفنانين الذين عُرفوا بالرسم الدقيق".

تعود اللوحات والرسومات والقطع المعروضة بشكل رئيس إلى مجموعة لايدن ومجموعة متحف اللوفر باريس، فضلًا عن قطع مُعارة من متحف ريكس في هولندا والمكتبة الوطنية الفرنسية. وتضم القطع الفنيّة المعروضة من مجموعة لايدن: "امرأة شابة جالسة إلى آلة موسيقية قديمة" ليوهانس فيرمير (نحو 1670-1672)، و"صورة شخصية ذاتية بعينين مظللتين" لرمبرانت فان راين (1634)، و"عالم يُقاطَع أثناء كتابته" لجيرار دو (نحو 1635)، و"صبي يرتدي قبعة وعمامة (صورة شخصية للأمير روبرت من بالاتينات)" ليان ليفنز (نحو 1631)، و"شبل في حالة استرخاء لرامبرانت" فان راين (نحو 1638-1642).


رامبرانت فان راين - صورة شخصية لامرأة جالسة متشابكة اليدين (١٦٦٠)، ألوان زيتية على قماش. نيويورك، مجموعة لايدن. تصوير إيلاف


فاعليات ثقافية

أما أبرز القطع الفنيّة المعروضة من مجموعة متحف اللوفر باريس فتشمل "صانعة الدانتيل" ليوهانس فيرمير (نحو 1669-1670)، و"صورة شخصية ذاتية" لجيرار داو (نحو 1660-1665)، و"إليعازر وريبيكا عند البئر" لفرديناند بول (نحو 1645-1646) وهي هدية قدمتها مجموعة لايدن لمتحف اللوفر في عام 2017، وصدفة منقوشة (نحو 1660-1680).

يشمل المعرض أنموذجًا مصغّرًا نادرًا لسفينة حربية هولندية من القرن السابع عشر من متحف ريكس في هولندا، وهي المرة الأولى التي تصل فيها قطعة مماثلة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.

يترافق المعرض مع مجموعة من الفاعليات الثقافية التي ينظمها اللوفر أبوظبي. وتشمل الفاعليات التي تمتد على فترة المعرض عروضًا سينمائية عملت على تنسيقها الفنانة الإماراتية هند مزينة. ويستمر المعرض في اللوفر أبوظبي من 14 فبراير إلى 18 مايو 2019.