أنقرة: عندما اعتقلت السلطات التركية زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان قبل عقدين، اعتبر ذلك ضربة قاصمة لحركته الانفصالية المتمردة لكن الخبراء يشيرون إلى أنه لا يزال يتمتع بنفوذ كبير كلاعب أساسي في أي اتفاق سلام مستقبلي مع الجماعة المحظورة.&

وأسس أوجلان الحزب المدرج على لوائح الإرهاب في أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عام 1978 مع مجموعة من الطلبة في مسعى للحصول على حكم ذاتي للأكراد.&

وتحوّل الحزب إلى جماعة مسلحة في العام 1984 تهدف لإقامة دولة كردية مستقلّة. ومنذ ذلك الحين، قتل أكثر من 40 ألف شخص خلال حركة تمرد حزب العمال الكردستاني.&

وقبل اعتقاله عام 1999، عاش أوجلان في المنفى في سوريا إلى أن توصلت دمشق وأنقرة إلى اتفاق في 1998 أُجبره على المغادرة. وألقى عناصر من الاستخبارات التركية القبض عليه أخيرا في كينيا خارج السفارة اليونانية في نيروبي بتاريخ 15 فبراير 1999.&

ويقبع أوجلان الآن في سجن سيء الصيت على جزيرة إمرالي قبالة اسطنبول فيما لا يزال رغم عزلته التامة تقريبا يعد شخصية مرجعية بالنسبة للقضية الكردية ليس في تركيا فحسب بل في المنطقة بأكملها.&

وبحسب أليزا ماركوس، مؤلفة كتاب "الدم والمعتقد: حزب العمال الكردستاني والكفاح الكردي من أجل الاستقلال"، "شكل توقيف أوجلان في البداية ضربة قاصمة للمنظمة لأنه كان يمسك بيده كل المفاتيح المتعلقة بحزب العمال الكردستاني وأنشطته وفجأة اختفى".

وتابعت "إضافة إلى ذلك، تسبب قراره وقف الحرب والتخلي عن استقلال كردستان -- كما أعلن خلال محاكمته -- بمزيد من الإرباك".&

لكن حزب العمال الكردستاني تمكن من التكيّف. ويعود ذلك "جزئيا إلى أن أوجلان كان قادرا على التواصل من السجن عبر مقابلات ولقاءات مع محاميه"، بحسب ماركوس.&

منع الزيارات

وفي 2013 مثلا، دعا أوجلان عبر نواب وسطاء من حزب الشعوب الديموقراطي المناصر لقضية الأكراد، إلى وقف لإطلاق النار للسماح بإجراء محادثات السلام بينه وبين أنقرة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية.&

وانهار وقف إطلاق النار الهش في 2015 واندلعت المواجهات الدامية في جنوب شرق البلاد مجددا. وفي أعقاب انقلاب 2016 الفاشل، كثّفت أنقرة حربها على "الإرهاب" بموجب حالة الطوارئ التي أعلنت عنها واتخذ القرار "رسميا يمنع جميع الزيارات إلى إمرالي، سواء من قبل محاميه أو أفراد عائلته"، بحسب ما أفاد أحد محاميه وهو إبراهيم بيلمز.&

لكن يذكر أن أوجلان لم يتمكن من رؤية محاميه منذ العام 2011.&

ووفق حزب الشعوب الديموقراطي، هناك أكثر من 300 شخص في السجن مضربين عن الطعام للمطالبة بالسماح لأوجلان بالتواصل مع عائلته ومحاميه. وبين هؤلاء ليلى غوفين، وهي نائبة عن حزب الشعوب الديموقراطي.&

وتواصل غوفين (55 عاما) إضرابها الذي بدأته في الثامن من نوفمبر رغم أنه تم الإفراج عنها الشهر الماضي بانتظار محاكمتها. وفي مسعى لاسترضاء المضربين عن الطعام، سمحت السلطات التركية لمحمد، شقيق أوجلان، بزيارته الشهر الماضي لأول مرة منذ 2016.

وقال بيلمز إن "الإضراب عن الطعام هذا أحرج الدولة لأن المطالب مشروعة. ولهذا السبب، أُرسل شقيق أوجلان (لزيارته) في إمرالي". وأضاف المحامي "لا معلومات لدينا سوى ما قاله لنا محمد"، لكن أوجلان أراد أن يعرف الناس أنه "بخير".&

"ارتباط معنوي"

وبحسب بيلمز، هناك "ارتباط نفسي معنوي" بين أوجلان والشعب الكردي إذ "يستمدون القوة من بعضهم البعض" ما يعني أن زعيم حزب العمال الكردستاني لا يزال يحتفظ بنفوذه وشعبيته.&

ويرى حميد بوز أرسلان من "معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية" ومقره باريس، أن "المفارقة هي أنه على المدى البعيد يتكون انطباع بأن اعتقاله خدم حزب العمال الكردستاني والقضية الكردية".

وأضاف بوز أرسلان أن حزب العمال الكردستاني بات أكثر شعبية الآن عما مضى حين توقيف أوجلان. وقال "خلال السنوات العشرين الأخيرة، تحول حزب العمال الكردستاني إلى واحد من مرجعين رئيسيين في الفضاء الكردي في المنطقة، إلى جانب الحكومة الكردية العراقية".&

ويتجاوز تأثير أوجلان الحدود التركية إذ يطلق عليه أتباعه الموالون له "آبو" أو "ساروك" (أي الزعيم) فيما تُرفع صوره في المناطق الواقعة في شمال سوريا والخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.

ومنذ عودة العنف في 2015، شدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لهجة خطاباته في ما يتعلق بالمقاتلين الأكراد ما زاد من صعوبة التوصل إلى حل للنزاع عبر التفاوض.

لكن بوز أرسلان شدد على أن الظروف خاضعة للتغيير على الدوام مؤكدا أنه في حال أراد إردوغان استئناف المحادثات "فلا محاور أمامه" سوى أوجلان.&