مدّ إمام الدرعية، قبل الدولة السعودية، سلطانه إلى المغرب العربي، في نسج لعلاقات دولية مبكرة، هي أنموذج التواصل الدولي السعودي.

إيلاف من دبي: في مقالة بعنوان الإمام النجدي والسلطان العلوي، كتب الصحافي السعودي محمد الساعد أن الدولة السعودية الأولى التي تأسست في عام 1744، على يد الامام محمد بن سعود، لم تكن ثورة للبدو كما تصورتها القوى الإقليمية المحيطة بالجزيرة العربية حينها، "ولم تكن أيضًا تجمعًا عشائريًا سيذوب مع الزمن كما تمنى خصومها، لقد ظن الكثير من أعداء إمارة الدرعية الناشئة أن باستطاعتهم إخماد الحركة الإصلاحية التي نشرتها "الدرعية" في وسط نجد، بالتشويه والتحريض تارة، أو بإرسال الجيوش تارة أخرى، إلا أن كل ذلك لم يفلح أبدًا".

للاطلاع على المقال: الامام النجدي والسلطان العلوي!

يضيف الساعد أن "الدرعية" رسخت وجودها في محيطها والإقليم بإنشاء علاقات عربية ودولية مع القوى المسيطرة على العالم في ذلك الوقت. وكما هي الاستراتيجية السعودية دائمًا، كانت للعلاقة مع الفضاء الخليجي والعربي أولوية كبرى فنجحت الدرعية في بناء علاقات مع حكام وشيوخ ساحل الخليج العربي، ومدت يديها بالسلام إلى أقصى المغرب العربي حيث السلطنة العلوية... فكيف كان ذلك ولماذا!

علماء مغاربة

بحسب الساعد، في إثر انتشار الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية منطلقة من إمارة الدرعية، بعث الإمام عبد العزيز الأول ابن الامام محمد بن سعود في عام 1811 رسالة إلى عدد من الدول الإسلامية وسلاطينها وحكامها شارحًا فيها توجه الدعوة الإصلاحية وبناءها الفقهي والعقائدي، وكان من ضمن ممن تلقوا الرسالة مجموعة من علماء تونس، وكذلك السلطان سليمان العلوي، سلطان الدولة العلوية في المغرب، فاهتم بمضامينها ولم يستسلم للدعاية التي أُلصقت بالدعوة، بل تعامل معها بالحكمة والعقل.

وللتقصي أكثر حول مفاهيمها الإسلامية وليفرق بين ما أشيع عنها وبين حقيقتها، أرسل مجموعة من العلماء المغاربة الذين عادة ما يترأسون وفود حجاج السلطنة للاطلاع على أفكار هذا التوجه الجديد والحكم عليه في منبته.

عادت بعثة العلماء إلى المغرب بمعلومات وافية عن الدعوة الإصلاحية وتوجهاتها، واطلعوا السلطان سليمان على ما سمعوه وما رأوه، ووقعت الرؤية الدينية التي ضمنها الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في خطابه موقعا حسنا لدى السلطان سليمان الذي كان مؤمنًا بها.

لا تخالف إيمانه

بحسب الساعد، تقول المصادر المغربية، وتحديدًا كتاب الخطاب الإصلاحي في المغرب التكوين والمصادر للباحث عبد الإله بلقزيز، إن السلطان سليمان لم يجد في موقف الحركة الإصلاحية النجدية ما يخالف ما يؤمن به شخصيًا، فأقدم على إجراءات مهدت لنشر الفكر الإصلاحي النجدي في السلطنة المغربية، "وعُد ذلك أول تنظيم يقوده المخزن لإصلاح التدين السائد في المغرب وإعادة النظر في بعض الممارسات التي كانت منتشرة في البلاد آنذاك".

وختم الساعد مقالته بالقول إن تلك كانت إرهاصات مبكرة جدًا للعلاقات السعودية المغاربية المستمرة منذ مئتي عام، بدأت على يد الإمام النجدي والسلطان العلوي بانفتاح فقهي ورؤية بعيدة المدى، جمعت الشرق بالمغرب العربي من دون رفض للأفكار ولا مواقف مسبقة، واستمرت لليوم عبر ملوك الدولتين السعودية الثالثة والمغربية بشراكة سياسية واجتماعية وثقافية عميقة.