بدأ مجلس النواب أولى خطواته العملية لتعديل الدستور المصري الحالي، فيما تباينت الآراء القانونية والسياسية حول كون تلك التعديلات تعطي الرئيس كل السلطات، خاصة التنفيذية والتشريعية، والرقابة على السلطة القضائية والحريات الإعلامية، وتبقي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في السلطة حتى 2034.

إيلاف من القاهرة: تباينت الآراء السياسية والقانونية في مصر حول مناقشة مجلس النواب المصري التعديلات الدستورية التي تقدم بها ائتلاف دعم مصر، إذ أكد البعض أن التعديلات تعطي سلطات كاملة لرئيس الجمهورية في مراقبة السلطة القضائية والإعلام &والحريات العامة، كما تعيد إلى الرئيس سلطة تعيين وزير الدفاع.&

في الوقت نفسه يرى فريق آخر أن التعديلات الجديدة لا تمسّ&نظام الحكم في مصر، القائم على شبه الرئاسي، مؤكدًا أن المواد المتعلقة بسلطة البرلمان في تعيين وإقالة الحكومة غير مطروحة للتعديل، الأمر نفسه ينطبق على المواد المتعلقة بالاستفتاءات وحل مجلس النواب. ويرى الخبراء أن تعديل فترة حكم الرئيس من أربع سنوات إلى سنة لا يمسّ نظام الحكم في مصر.

تضم التعديلات &المطروحة على مجلس النواب المصري حاليًا 12 مادة معدلة، إضافة إلى 8 مواد جديدة تقدم بها رئيس ائتلاف "دعم مصر" عبد الهادي القصبي إلى رئيس مجلس النواب رسميًا.

التمديد لولايتين جديدتين
من أبرز التعديلات، منح الرئيس عبد الفتاح السيسي الحق في الترشح لولايتين رئاسيتين أخريين بعد انتهاء ولايته في 2022، كما تمنحه صلاحيات واسعة على السلطات القضائية، وتنشئ مجلسًا جديدًا يهيمن على جميع السلطات القضائية، كما تمنح الجيش صلاحيات جديدة، مثل حمايته مدنية الدولة.&

وكانت المادة 200 من دستور مصر، الذي أُقر عام 2014، تنص على أن "القوات المسلحة مِلك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات، ويحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، ويكون للقوات المسلحة مجلس أعلى، على النحو الذي ينظمه القانون.

تضيف التعديلات الجديدة إلى صلاحيات أو مسؤوليات القوات المسلحة ما يلي: "صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد".

شق إعلامي
وتعيد التعديلات المقترحة الإعلام المصري إلى سيرته الأولى؛ ليكون أقرب إلى وضعه المؤسسي في عهد مبارك. وتتضمن التعديلات إنشاء مجلس الشيوخ، الذي سيصبح مقاربًا في مهامه لمجلس الشورى في السابق، والذي لم تكن له سلطة تشريعية كبيرة، لكنه كان يمارس حقوق الملكية على المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة، ومن المرجّح أن يمارس مجلس الشيوخ الدور نفسه، &هذا إلى جانب إلغاء الهيئة الوطنية للصحافة، التي كانت تمتلك المؤسسات الصحافية، والهيئة الوطنية للإعلام، التي تمتلك الإذاعة والتلفزيون الحكوميَّين، وفقًا لما ورد في تقرير اللجنة العامة. ومن المتوقع عودة منصب وزير الإعلام، أو سيكون اسم المنصب في الغالب وزير الدولة للإعلام.

يرى مؤيدو التعديلات أنها لا تكرّس لسلطات حكم الفرد، لأنها لم تتطرّق إلى المواد التي توازن في الصلاحيات بين الرئيس ومجلس النواب، ومنها المادة (137) التي تنص على أنه "لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب إلا عند الضرورة، وبقرار مسبب، وبعد استفتاء الشعب، ولا يجوز حل المجلس للسبب نفسه الذي حلّ من أجله المجلس السابق، ويصدر رئيس الجمهورية قرارًا بوقف جلسات المجلس"، وهناك المادة (146) التي نصت على الآتي: "يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة، وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة غالبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة غالبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا، عُدّ المجلس منحلًا، ويدعو رئيس الجمهورية إلى انتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يومًا من تاريخ صدور قرار الحل".

وفي جميع الأحوال يجب ألا يزيد مجموع مدد الاختيار المنصوص عليها في هذه المادة على ستين يومًا، وفي حال حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته وبرنامجها على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له. أما في حال اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز أكثرية مقاعد مجلس النواب، فيكون لرئيس الجمهورية، بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل.

المحاسبة ممكنة برلمانيًا
يؤكد مؤيدو التعديلات أن مجلس النواب لا يزال قادرًا على محاسبة رئيس الجمهورية، حسب نص المادة (161) التي نصت على: "يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناءً على طلب مسبب وموقّع من غالبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثي أعضائه، ولا يجوز تقديم هذا الطلب للسبب نفسه خلال المدة الرئاسية إلا مرة واحدة، وبمجرد الموافقة على اقتراح سحب الثقة يطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في استفتاء عام، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء، فإذا وافقت الغالبية على قرار سحب الثقة، يُعفى رئيس الجمهورية من منصبه ويُعد منصب رئيس الجمهورية خاليًا، وتجري الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يومًا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء، وإذا كانت نتيجة الاستفتاء الرفض، عُدّ مجلس النواب منحلًا، ويدعو رئيس الجمهورية إلى انتخاب مجلس جديد للنواب خلال ثلاثين يومًا من تاريخ الحل".

نظام الحكم محصن &&
قال الدكتور صلاح حسب الله، عضو ائتلاف دعم مصر والمتحدث الرسمي لمجلس النواب، إن التعديلات الجديدة لا تمسّ نظام الحكم في مصر، مشيرًا إلى أن جميع المواد المتعلقة بصلاحيات مجلس النواب والقضاء والقوات المسلحة، والسلطة التنفيذية، متمثلة في رئيس الحكومة، لم يتم المساس بها، وبالتالي فإن نظام الحكم في الدستور بعد التعديل المنتظر هو نظام شبه رئاسي، يعطي صلاحيات واسعة إلى رئيس الوزراء في إدارة الحكومة والسلطة التنفيذية، فلا يحق لرئيس الجمهورية إقالة رئيس الوزراء من دون الحصول على موافقة غالبية مجلس النواب.

أضاف لـ"إيلاف" أن التعديلات هدفها المزيد من استقرار الدولة، وإعطاء المزيد من الحرية وتمثيل المرأة والشباب في البرلمان، لاسيما وأن دستور 2014 جاء في فترة صعبة، وكان يوضع لأهداف معينة، وبالتالي فإنه يتضمن أمورًا تحتاج تعديلًا مع استقرار الدولة، أهمها تمثيل المرأة، ومعظم دول العالم شهدت تغيّرات عديدة في دساتيرها، لاسيما بعد مراحل الاستقرار.

وعن أزمة المادة الانتقالية فيقول نصها: "يجوز لرئيس الجمهورية الحالي عقب انتهاء مدته الحالية إعادة ترشحه على النحو الوارد في المادة 140 المعدلة من الدستور". وقال إن جميع المواد المطروحة للتعديل والمستحدثة سوف تأخذ وقتها الكافي من المناقشات تحت قبة البرلمان، ومن السابق لأوانه حاليًا الحديث عن مصير بعض المواد، ومنها مادة حكم الرئيس.

استثناء للسيسي
على الجانب الآخر، يرى الدكتور رجب عبد المنعم، الفقيه الدستوري، أن تمديد فترة الرئاسة لـ6 سنوات أمر يتنافى مع أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو، اللتين دعتا إلى تكريس الحق في تعدد الحكام في مصر، كما يحدث في جميع الدول المتقدمة، بعيدًا عن سلطة الحاكم "الإله".

وأضاف لـ"إيلاف" أن الاقتراحات للتعديلات الدستورية ستعطي الرئيس عبد الفتاح السيسي استثناءً؛ لكي يتولى فترتين رئاسيتين مرة أخرى، مدة كل منهما ست سنوات، والرئيس الذي سيأتي بعد ذلك سيحكم مصر فترتين فقط، وهذا الاستثناء لم يتم في أي من دساتير العالم المتقدمة.

لفت إلى أن التعديلات الدستورية تحوّل النظام في مصر إلى نظام رئاسي حاكم بشكل حقيقي، خاصة أن مجلس النواب لم يمارس صلاحياته الموجودة في الدستور في ما يتعلق بإقالة وتعيين الحكومة، فالشواهد السابقة تؤكد أن الرئيس مارس سلطاته كافة في تغيير الحكومات السابقة من دون تدخل من البرلمان، بل الكارثة هي أن البرلمان نفسه لم يقدم استجوابًا واحدًا ضد وزير في الحكومة من أجل تغييره، رغم سوء الأحوال الاقتصادية التي يمر بها المواطن، وفشل الحكومة في حلها.

وذكر أن التعديلات الجديدة أعطت الرئيس سلطات واسعة على السلطة القضائية، تمكنه بأن يعيّن على شؤونها المشتركة مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية يترأسه رئيس الجمهورية، وعند غيابه يحل محله وزير العدل، ويختص بالنظر في شروط تعيين أعضاء الجهات والهيئات، إلى جانب تملكه السلطات الكاملة على وسائل الإعلام، من خلال تعيين وزير للإعلام، وإلغاء المجلس الأعلى للإعلام.