موسكو: تسعى روسيا التي شكل مواطنوها واحدة من أكبر مجموعات المقاتلين في تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، منذ فترة طويلة لإعادة أبناء "الجهاديين" وفي بعض الأحيان زوجاتهم، بعدما فعلت كل شيء "لقتل" هؤلاء "في أماكنهم".

ومع الهزائم التي مني بها التنظيم الجهادي الذي بات محاصرا في جيب صغير في الشرق السوري ويقترب من السقوط نهائيا، تواجه دول عدة مشكلة إعادة عائلات المقاتلين. لكن موسكو نظمت أولى عمليات الإعادة الجماعية هذه قبل أكثر من عام.

&وحطت الدفعة الأخيرة التي أقلتها طائرة "ايليوشين 74" مطلع فبراير في مطار رامينسكوي القريب من موسكو، ونزل منها أمام عدسات المصورين 27 طفلا ما زالت أمهاتهم معتقلات في سجون عراقية بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية.

وكثير من هؤلاء الأطفال لا يعرفون البرد القارس للعاصمة الروسية لأنهم ولدوا في الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم أو نقلوا إلى سوريا أو العراق عندما كانوا صغارا.

وينبغي أن يخضع هؤلاء الأطفال من ذكور وإناث عند عودتهم لسلسلة من الفحوص الطبية قبل أن يتم تسليمهم إلى أعضاء آخرين في عائلاتهم من عم أو خال أو جد، ومعظمهم من جمهوريات ذات غالبية مسلمة في القوقاز.

وقالت خدا ساراتوفا وهي واحدة من مستشارات الرئيس الشيشاني رمضان قديروف المكلفات هذه المهمة "إنهم يذهبون إلى المدرسة ودار الحضانة"، موضحة أن "متطوعين يعملون معهم ويناقشونهم بما عاشوه ويفسرون لهم كيف تمت تعبئتهم عقائديا".

نساء وأطفال ونادمون

تورد السلطات الروسية أرقاما متضاربة في بعض الأحيان عن هؤلاء العائدين. لكن ساراتوفا تقول إن مئتي امرأة وطفل على الأقل أعيدوا، بينما ما زال حوالى 1400 طفل عالقين هناك.

ورمضان قديروف المدعوم من الكرملين، مكلف من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعادة النساء والأطفال وفي بعض الأحيان جهاديين نادمين ظهروا مرات عدة على شاشات التلفزيون إلى جانبهم.

وقال قديروف في رسالة على موقع "تلغرام" في كانون الأول/ديسمبر إن "النساء والأطفال يجب أن تتم إعادتهم إلى روسيا، والمذنبين يجب أن يحاكموا على أفعالهم بموجب القانون الروسي"، مؤكدا أن "الأطفال أبرياء ولم يسألهم أحد أين يريدون أن يولدوا".

ورأى غريغوري شفيدوف رئيس تحرير البوابة القوازية "كنوت" أنه "أمر إيجابي جدا لصورة قديروف. يبدو بصورة شخص لا يكتفي بمقاتلة "الجهاديين" بل يبني مساجد ويهتم بالمساعدة الإنسانية".

وعند تدخل القوات الروسية في سوريا في 2015، حدد بوتين هدفا هو "تدمير" "الجهاديين" في المكان و"عدم الانتظار حتى يصلوا إلى أراضينا".

ومع ذلك، تمكن عشرات "الجهاديين" النادمين من العودة إلى روسيا في السنوات الأخيرة، حسب السلطات التي أوضحت أن بعضهم حكم عليه بالسجن على الرغم من محاولات محدودة لإعادة دمجهم في المجتمع الروسي.

"خطر"

تشكل إعادة زوجات جهاديين إلى روسيا مسألة معقدة في غياب اتفاق على استرداد المطلوبين بين روسيا والعراق حيث صدرت عليهم أحكام، في بعض الأحيان السجن مدى الحياة، وكذلك بتحفظات "إدارة الأمن الفدرالي"، أجهزة الاستخبارات الروسية التي تتمتع بنفوذ قوي.

وقالت ساراتوفا إن الاستخبارات "ترى في هؤلاء النسوة خطرا، لكن كثيرات منهن اشترين حريتهن من الأكراد وسيعدن يوما ما" إلى روسيا.

ولا تتم إعادة هؤلاء النساء إلى مدنهن بلا صعوبة إذ إن القانون الروسي يعتبر أي دعم لتنظيم الدولة الإسلامية جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن.

وأوضح الصحافي غريغوري شفيدوف إن "كثيرات وعدن بعفو بشكل ما، لكن هذا لا يتم تنفيذه. هناك محاكمات، في بعض الأحيان مفبركة وفي أحيان أخرى تستند إلى وقائع &حقيقية".

والعام الماضي حكم على داغستانيتين عادتا من سوريا بالسجن ثماني سنوات لكنهما أقنعتا المحكمة بإرجاء تنفيذ الحكم بسبب صغر سن أطفالهما.

أما الأبناء الذين نجوا من التنظيم، فهم يواجهون عملية صعبة لإعادة دمجهم في الحياة في روسيا، البلد الذي لا يعرفه كثيرون منهم.

وتأمل السلطات في أن تقلل عودة هؤلاء الأطفال إلى أفراد من عائلاتهم من خطر تشددهم مجددا عندما يصبحون بالغين في مناطق القوقاز الروسي التي تشهد تمردا اسلاميا ما زال ناشطا.