تتزاحم هواجس غالبية اللبنانيين التوّاقين إلى العدالة، حيث تتراكم في مخيلاتهم الأسئلة عن الأسباب التي تؤخر صدور أحكام المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، بعد أكثر من خمسة أشهر على انتهاء المحاكمات.

إيلاف من بيروت: منذ انتهاء المحاكمات الغيابية لأربعة من كوادر أمن تنظيم "حزب الله" اللبناني، المتهمين بتدبير وتنفيذ جريمة اغتيال الرئيس الأسبق&للحكومة اللبنانية رفيق الحريري، يلازم قضاة غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان برئاسة القاضي ديفيد راي، غرفة المذاكرة لإصدار الأحكام بحق المتهمين، إلا أن ذلك لم يبدد هواجس غالبية اللبنانيين التوّاقين إلى العدالة، والذين تتزاحم في مخيلاتهم الأسئلة عن الأسباب التي تؤخر صدور الأحكام بعد أكثر من خمسة أشهر على انتهاء المحاكمات.

يقول جيلبير رعد عن المحكمة الدولية الخلصة بلبنان إن "اللبنانيين اتفقوا على ضرورة اكتشاف المتورطين في تفجير 14 فبراير 2005 وما سبقه&وتبعه&من تفجيرات واغتيالات ومحاولات اغتيال".&

غير أن المحكمة وظروف إنشائها جاءت في ظل خلاف سياسي حاد بين مؤيد ورافض لها، خاصة أن قيامها استلزم انتزاع صلاحيات قضائية موقتة من السيادة اللبنانية.&

وقد شهد الشعب اللبناني بعض العثرات في بدايات ممارسة عمل المحكمة، كتوقيف مدنيين وعسكريين، زهاء أربع سنوات، من دون تحديد التهم الموجّهة إليهم، إلى حين صدور قرار قاضي الإجراءات التمهيدية بإخلاء سبيلهم، لعدم وجود أدلة كافية لاتهامهم، مما خلق جوًا من فقدان الصدقية حول عملها وجدوى الاستمرار بها.

ظروف استثنائية
كوليت حرب تقول إن "هذه المحكمة لم تكن لتوجد لولا الظروف الاستثنائية التي سبقت وتلت تفجير 14 فبراير 2005 في محلة عين المريسة". وتتساءل: "ألم يغضب الشعب حينها؟، ألم ينزل إلى الساحات، ويملأ الشوارع بالاعتصامات والاستنكارات؟، ألم يستذكر أحداث الحرب الأهلية الأليمة التي سلبته خيرة أبنائه واستنزفت خيرات بلده؟".

تضيف: "رغم الهواجس التي رافقت هذه المحكمة، لا يمكننا تجاهل واقع قيامها فعلًا، وإن عدم الاهتمام وتتبع سير أعمالها لا يلغي حقيقة وجودها ونشاطها. كما إنّ نسبة الـ49 بالمئة من تكاليفها السنوية تدفع بالكامل من قبل الدولة اللبنانية من دون إمكانية إلغائها، كونها أنشئت بقرار ملزم من مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولا يمكن إلغاء هذا القرار إلا بقرار مماثل قادر على إقناع الأسرة الدولية بعدم جدوى السير فيها".

جميل أبو فاضل يتساءل بدوره: "هل يمكننا تجاهل حقيقة أنّ المحكمة الخاصة بلبنان أصبحت واقعًا، وعلينا التعامل معها على هذا الأساس؟. هل من الطبيعي أن نغضّ&طرفنا كي لا نرى أو نسمع بقرارات المحكمة التي أصبحت على وشك أن تلفظ أولى أحكامها؟، أليس من الممكن أن تؤثر هذه الأحكام على الشعب اللبناني أو على المجتمع الدولي سلبًا أو إيجابًا؟".

ويضيف: "المحكمة" بحدّ ذاتها مادة خصبة للتجاذبات السياسية والانقسام في الآراء حول مؤيّد أو ممانع، مؤمن أو مشكك بجدوى إنشائها أو بأسلوب عملها، أو حتى بحياديّتها وعدالة أحكامها".

يلفت إلى أن "المحكمة الخاصة بلبنان هي أول محكمة جنائية دولية تختص بالنظر في جريمة الإرهاب في زمن السلم، وهي محكمة مختلطة تتمتّع بصفات دولية ومحلية، أنشأتها الدولة اللبنانية نتيجة اتفاق مع الأمم المتحدة.&

يعود موريس جعجع بالذاكرة إلى تاريخ 14 فبراير 2005، ويقول :"إنّه نهار الاثنين وقد قاربت الساعة الواحدة ظهرًا. يوم عادي في مدينة بيروت الصاخبة بالحياة، المنشغلة بهموم السياسة والأمن والاقتصاد، في بلد عانى الكثير من ويلات الحرب الأهلية على مدى أعوام خلت.&

يضيف: "فجأة يُدوّي انفجار ضخم، ويكسر رتابة ضجيج الشارع، أمام فندق السان جورج في محلة عين المريسة في بيروت، يعلو الصراخ والبكاء، ترتفع ألسنة اللهب، وتتطاير السيارات، ويتحطم الزجاج، وتتهاوى واجهات الأبنية المحيطة بالانفجار، غيمة سوداء حجبت سماء المنطقة منذرةً بالأيام السوداء المقبلة على هذا البلد. اهتزت بيروت كلّها، اهتز لبنان، واهتز المجتمع الدولي.
وفور انقشاع الغبار والدخان، ظهرت النتائج الفورية لهذا التفجير الهائل "اغتيال الرئيس الأسبق&للحكومة اللبنانية رفيق الحريري واستشهاد 22 شخصًا كانوا متواجدين في المكان، إضافة إلى جرح عدد كبير من الأشخاص، ونشر الذعر في صفوف الناس، والتسبّب بأضرار هائلة في الممتلكات".

يختم قائلًا: "انتفض الشعب اللبناني وتحرّك مجلس الأمن الدولي، فأرسل الأمين العام للأمم المتحدة بعثة تقصي حقائق إلى بيروت بهدف معاينة مكان الاعتداء والظروف والأسباب المحيطة به. نتيجة توصية البعثة، جرى تكليف لجنة تحقيق دولية مستقلة بهدف جمع المعلومات والأدلة ومساعدة الدولة اللبنانية في مسار التحقيقات المتعلقة بالجريمة. في تاريخ 13 نوفمبر 2005، أي بعد نحو &ثمانية أشهر طلبت الحكومة اللبنانية من الأمم المتحدة إنشاء محكمة دولية لمحاكمة منفّذي اعتداء 14 فبراير، إضافة إلى اعتداءات أخرى ذات صلة حصلت في لبنان".
&