عاد موضوع الزواج المدني في لبنان يطرح بقوة بعد تصريح وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن حول سعيها إلى إمكانية إقراره، ما فتح الباب مجددًا على سجالات ونقاشات بين مؤيدين ومعارضين له.

إيلاف من بيروت: فتح تصريح وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن حول الزواج المدني في لبنان الباب مجددًا على سجالات ونقاشات بين مؤيدين ومعارضين.

وكانت الحسن قالت، في مقابلة مع "يورونيوز"، إنها تحبّذ شخصيًا أن يكون هناك إطار للزواج المدني"، مضيفة: "هذا الأمر سأتحدث فيه، وسأسعى إلى فتح الباب لحوار جدي وعميق حول هذه المسألة مع كل المرجعيات الدينية وغيرها، وبدعم من رئيس الحكومة سعد الحريري، حتى يصبح هناك اعتراف بالزواج المدني".

في هذا الصدد يؤكد المحامي منيف حمدان لـ"إيلاف": "أنه حان الوقت لأن يكون لدينا زواج مدني في لبنان، لأننا إذا بقينا على هذا الوضع سنقضي على لبنان بالتعصب الطائفي والمذهبي، ولا يمكن أن يكون لدينا إنقاذ حقيقي وبناء وطن حقيقي إلا عن طريق العلمنة الشاملة، ونظام أحوال شخصية موحّد لكل الطوائف، إذ لا يجوز أن يحق لفئة من الناس الزواج بـ4، وفئة أخرى لا تتزوج إلا مرة واحدة، لا يجوز أن يكون هناك فرق بالتوريث بين الأبناء كمسيحيين مثلًا وبين أبناء كمسلمين، فنحن نعيش في الدولة عينها، نحن بحاجة ماسّة إلى قانون العلمنة الشامل، ومن ضمن تلك العلمنة الزواج المدني المختلط، وهو الخطوة الأولى التي تجمع بين المواطنين.

المعوقات
عن المعوقات أمام تحقيق الزواج المدني في لبنان، يقول حمدان: "إن من يقف في وجه هذا الزواج هم المستفيدون من النظام الطائفي والمذهبي، ولديهم سلاح تحريك الشارع بنزاعات طائفية ومذهبية، وهذا ما نعيشه الآن، ولا يمكن أن تكون لدينا خشبة خلاص إلا من خلال العلمنة، ومن ركائزها المهمة الزواج المدني".

اعتراف
بينما يقول المحامي إبراهيم طرابلسي لـ"إيلاف" إن "الدولة اللبنانية تعترف بشرعية الزواج المدني المعقود في الخارج، وتعود إلى المحاكم المدنية اللبنانية قضية البت في أحكامه وفق قوانين البلد الذي عقد فيه هذا الزواج، لذا أصبحت خبرة القضاة اللبنانيين في هذا المجال لا تضاهى، نتيجة للأعداد الكثيرة للزيجات المدنية اللبنانية التي أبرمت في الخارج.

أما بالنسبة إلى المفاعيل والنتائج القضائية للزواج المدني، فيمكن التأكيد على شرعية أطفال ثمرة هذا الزواج، ولكن عندما تطرح قضية الإرث، فعلى القوانين الدينية والشرعية إيجاد الحل المناسب استنادًا إلى القوانين الخاصة بكل طائفة من طوائف لبنان الثماني&عشرة.

المشاكل
يقول طرابلسي إن المشاكل تظهر عندما يكون الزوجان من طائفتين مختلفتين، وخاصة بين المسيحية والإسلام، إذ يعتمد المسلمون على الشرع وتعاليم القرآن الكريم، الذي يمنع المسلمة من الزواج بمسيحي، بينما يسمح للمسيحي من الزواج بمسلمة إذا ما أسلم. ويبقى السؤال: "هل يستقيل فعلًا الزوجان المسلمان اللذان عقدا زواجًا مدنيًا من موجبات ومفاعيل الشرع الإسلامي؟". يجيب طرابلسي: "يمكن التأكيد على أنهما لن يفلتا عاجلًا أم آجلًا من هذه الموجبات".

اختلاف&
من جهة أخرى، تختلف قوانين الزواج المدني وفق كل بلد، فما يطبّق في قبرص لا يطبق في فرنسا أو تركيا أو إيطاليا أو الولايات المتحدة الأميركية، ومثلاً&يمنع القانون الطلاق قبل ثلاث سنوات من تاريخ عقد الزواج، إلا في حالات خاصة واستثنائية، كالخيانة الزوجية وضبط الزوج أو الزوجة بجرم الزنى المشهود، بينما تسمح القوانين الفرنسية للزوجين بالطلاق ساعة يشاءان. أما في إيطاليا فعلى الطلاق أن تسبقه فترة زمنية من الهجر.

تاريخ الزواج المدني
مشروع الزواج المدني في لبنان ليس حديثًا فهو يعود إلى سنة 1951، حيث نوقش في البرلمان، ثم رفض. وفي سنة 1960 بدأت جمعيّات علمانية تطالب به من جديد عبر التظاهر، وعاد ليطرح في البرلمان من جديد سنة 1975 من قبل الحزب الديموقراطي.

لكنه أثار جدلًا كبيرًا عندما طرحه الرئيس السابق الراحل إلياس الهراوي (وهو الرئيس الوحيد الذي طرحه) وأخذ أصداء كبيرة بين موالٍ ومعارض، وقد جاء مشروع الزواج المدني الأخير في لبنان واحدًا من مشاريع عدة تطال الخطوبة والزواج والإرث وحضانة الأطفال والطلاق والنفقة، ولكن هذا المشروع لم يصل حتى إلى البرلمان اللبناني.

مشروع معدّل
إن أهم تعديل طال مشروع الزواج المدني في لبنان هو جعله إختياريًا، وليس إلزاميًّا كما في الخارج، وذلك إرضاءً لرجال الدين لأسباب عدة، وبما أن غالبية المعارضين للزواج المدني في لبنان ترى فيه دمارًا للعائلة، لأنه يسهّل الطلاق، فقد جاء في بنود قانون الزواج المدني الذي هو عقد بين طرفين لإنشاء عائلة ما يأتي:

1- عدم إقتران أحد الطرفين بزواج سابق، ويجب الإبلاغ عن الرغبة في الزواج قبل 15 يومًا من إبرام عقد الزواج المدني.
2- يجب على الأزواج الإنتظار ثلاث سنوات قبل أن يتقدموا بطلب للطلاق.
3- يقبل الطلاق في حال الخيانة، ويلغى الزواج في حال الخطأ في الشخص والغش والإكراه.

لكن بصورة عامة، فإن شروط الطلاق أو إلغاء الزواج قاسيّة في هذا المشروع، وليس مسموحًا الإعتقاد أن الزواج المدني هو عقد قصير المدة، وأن بالإمكان فكّه بسهولة.

موقف الطوائف&
قوبل مشروع الزواج المدني الإختياري في لبنان برفض كبير من المسلمين، ثم من المسيحين، حتى كان إختياريًّا، لكل من هذه الطوائف أسبابها الخاصة.&

بالنسبة إلى الكنيسة فهي رفضت الزواج المدني لسببين، أولًا إن الزواج في الكنيسة ليس عقدًا بشروط دنيويّة، بل هو سر من أسرارها، بمعنى أنه يجب أن يتم بمباركة من رجل الدين المسيحي، الذي يمثل المسيح على الأرض، وثانيًا إن الزواج في الدين المسيحي هو رابط أبدي "ما جمعه الرب لا يفرّقه إنسان"، لذا لا يوجد طلاق في الكنيسة الكاثوليكيّة، إنما إبطال زواج لأسباب ليست بكثيرة (الخيانة، وإن كان شروط إثباتها صعبة، والغش والأمراض النفسيّة)، لكن الكنيسة تعترف بالزواج المدني لغير المسيحيين.

أما عن رجال الدين المسلمين فقد رفضوا الزواج المدني رفضًا قاطعًا لثلاثة أسباب: أولًا عقد الزواج في الديانة المسلمة يجب أن يخضع لقانون القرآن، ثانيًا إن تعددّ الزوجات لا يتعارض مع الإسلام، وثالثًا فإن الطلاق مسموح في الدين المسلم وفق شروط القرآن.&
&